القوة فلا تهلكون أم الذين أصروا عليه من أولئكم المذكورين ، قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وفرعون ، وآله وهم من يؤول إليهم خيره وشره؟ (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) (٤٣)! أي هل حصل لكم براءة من غوائل الكفر والمعاصي في الكتب السماوية تأمنون العذاب بسببها فلذلك تصرون على ما أنتم عليه؟ (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) (٤٤)؟ أي بل أيقولون : نحن كثير منتقمون على من خالفنا ، قويون على من عادانا (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أي يهزم جمعهم بأيسر أمر بوعد لا خلف فيه ، (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥).
قال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب رضياللهعنه يقول لما نزلت : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، كنت لا أدري أي جمع يهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلبس الدرع ويقول : «سيهزم الجمع ويولون الدبر». فعرفت تأويلها اه. وقرئ «سيهزم الجمع» بالبناء للفاعل ، أي سيهزم الله تعالى الجمع (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) أي ليس ما وقع لهم في بدر تمام عقوبتهم ، بل السلعة موعد أصل عذابهم ، وهذا من مقدماته (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (٤٦) ، والساعة أشد من أنواع عذاب الدنيا وآلم وأدوم ، (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) من الأولين والآخرين (فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٤٧) في ضلال وجنون لا يعقلون ولا يهتدون (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (٤٨) أي يوم يجرون على وجوههم إلى النار يقال لهم : قاسوا حر جهنم وألمها ، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) ، أي إنا خلقنا كل شيء ملتبسا بقدر معين ، والمعنى : أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى ، وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها الله تعالى ، (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥٠) أي وما أمرنا في كل شيء أردنا إيجاده إلّا كلمة واحدة وهي : كن كطرف البصر في السرعة. (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أي أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية فاحذروا أن يصيبكم مثل ما أصابهم. (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٥١) أي متعظ يتعظ بما صنع بهم فيترك المعصية؟ (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (٥٢) أي وكل شيء فعله الأشياع في الشرك بالله من المعاصي والجفاء بالأنبياء مكتوب عليهم في ديوان الحفظة ، (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الأعمال (مُسْتَطَرٌ) (٥٣) أي مكتوب بتفاصيله في اللوح المحفوظ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) من الكفر والمعاصي (فِي جَنَّاتٍ) أي رياض واسعة عظيمة الشأن ، (وَنَهَرٍ) (٥٤) أي عند أنهار.
وقرئ «نهر» بضم النون والهاء (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي في مكان مرضي ، أو في مجلس لا كذب فيه. وقرئ «مقاعد». (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥) أي مقربين عند من له ملك عظيم قادر لا يعجزه شيء ولا شيء إلّا وهو تحت ملكوته ، والقربة من الملوك لذيذة كلما كان الملك أشد قدرة كان المتقرب منه أشد التذاذا. والمراد من القرب : قرب المنزلة والشأن لا قرب المعنى والمكان.