وكان في الآخرة باقيا على ما ينبغي ، (وَلُوطاً) أي وأرسلنا لوطا إلى قومه (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي اللواطة ، (ما سَبَقَكُمْ بِها) أي بتلك الفاحشة (مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٨) كلهم من الإنس والجن ، (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) أي أدبار الرجال ، (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) أي سبيل الولد بالإعراض عن الحرث وإتيان ما ليس بحرث ـ ويقال : وتقطعون على من مر بكم من الغرباء ـ (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)! أي وتعملون في مجلسكم الجامع لأصحابكم المنكر : كالجماع ، والضراط ، وحل الإزار ، والحذف بالبندق ، ومضغ العلك والفرقعة.
قيل : إنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان يأخذ ما معه ويلوطه ، ويغرمه ثلاثة دراهم قاض بذلك. (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢٩) في قولك : بمجيء عذاب الله علينا إن لم نؤمن ، أي إن لوطا كان مداوما على إرشاد قومه فقالوا أولا استهزاء : ائتنا بعذاب الله. ثم لمّا كثر منه ذلك ولم يسكت عن فعلهم قالوا : أخرجوا آل لوط من قريتكم. ثم إن لوطا لما يئس منهم طلب النصرة من الله (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) (٣٠) أي بإنزال العذاب على هؤلاء المفسدين ـ وهم الذين ابتدعوا الفاحشة وأصروها ، واستعجلوا العذاب بطريق الاستهزاء ـ (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) أي لما جاء جبريل ومن معه من الملائكة إلى إبراهيم بالبشارة بالولد والنافلة (قالُوا) لإبراهيم : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) ـ أي قرية سذوم ـ (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) (٣١) بإصرارهم على أنواع المعاصي. (قالَ) إبراهيم : (إِنَّ فِيها) أي في تلك القرى (لُوطاً) فكيف تهلكونها؟ (قالُوا) أي الرسل من الملائكة : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) أي من لوط وغيره (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) ابنتيه زاعورا ورينا (إِلَّا امْرَأَتَهُ) المنافقة واعلة (١) (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٣٢) أي من المنغمسين في العذاب بسبب أن للدال على الشر نصيبا كفاعله ، وهي كانت تدل القوم على أضياف لوط (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) أي جاءه ما أحزنه بمجيئهم على صورة البشر بأحسن صورة خلق الله فخاف عليهم من قومه ، (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي ضاق بتدبير أمرهم طاقته ، وعجز عن مدافعة قومه ، (وَقالُوا) للوط : (لا تَخَفْ) علينا (وَلا تَحْزَنْ) لأجلنا فإنا ملائكة ، (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) مما يصيبهم من العذاب. ونصب «أهلك» معطوف على محل الكاف (إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٣٣) أي من الباقين في الهلاك ومن الرائحين الماضي ذكرهم ، (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) هي سذوم (رِجْزاً) أي عذابا مزعجا (مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٣٤) أي بسبب فسقهم المستمر.
__________________
(١) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٢ : ١٣٣).