من يريد هدايته ، ثم بيّن من يهديه ومن لا يهديه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ، بكل ما يجب أن يؤمن به ، (وَالَّذِينَ هادُوا) : أي تدينوا بدين اليهودية ، (وَالصَّابِئِينَ) : وهم شعبة من النصارى ـ قيل : سمّيت بذلك لنسبتها إلى صابئ عم نوح عليهالسلام ـ (وَالنَّصارى) : وهم الذين انتحلوا دين النصرانية ، (وَالْمَجُوسَ) : عبدة الشمس والنيران ، (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) : هم عبدة الأوثان ، (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، في الأحوال والأماكن فيظهر المحق ، من المبطل ، فلا يجازيهم جزاء واحدا بغير تفاوت ، ولا يجمعهم في موطن واحد ، (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١٧). أي فهو عالم بما يستحقه كلّ منهم ، فلا يجري في ذلك الفصل حيف ، ولا يغيب عن علمه شيء.
والأديان الحاصلة بسبب الاختلافات في الأنبياء ستة ، فمن الناس من يعترفون بوجود الأنبياء ، ومن لا ، فالمعترفون بذلك : فإما أن يكونوا أتباعا لمن كان نبيا أو لمن كان متنبيا ، فاتباع الأنبياء هم المسلمون ، واليهود ، والنصارى ، وفرقة أخرى بين اليهود والنصارى ، وهم الصابئون : فهم مختلفون في نبوة محمد ، وموسى ، وعيسى ، فاليهود : نفوا نبوّة محمد وعيسى. والنصارى : نفوا نبوّة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم. والصابئون ، تارة يوافقون النصارى في أصول دينهم ، فتحلّ لنا مناكحتهم ، وتارة يخالفونهم فلا تحلّ مناكحتهم ، ويطلق الصابئون أيضا على قوم أقدم من النصارى يعبدون الكواكب السبعة ، ويضيفون الآثار إليها ، وينفون الصانع المختار ، فهؤلاء لا تحلّ مناكحتهم وأتباع المتنبي هم المجوس ، قيل : هم قوم يستعملون النجاسات. والمنكرون للأنبياء على الإطلاق : هم عبدة الأصنام ، وهم المسمّون بالمشركين ويدخل فيهم البراهمة على اختلاف طبقاتهم.
وقال قتادة : ومقاتل الأديان ستة ، واحد لله تعالى وهو الإسلام ، وخمسة للشيطان ، وهي ما عداه. وقرأ نافع «الصابين» بالياء التحتية بعد الباء الموحدة. وقال الزجّاج : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ) خير لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) كما نقول : إن أخاك إن الدين عليه لكثير ، وأدخلت «إن» على واحد من جزء ، أي الجملة لزيادة التأكيد. (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم يا أشرف الخلق بخبر الله تعالى لك (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ) أي ينقاد (لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) فهؤلاء ينقادون لتدبيره تعالى انقيادا تاما يقبلون لما أحدثه الله تعالى فيهم من غير امتناع (وَ) يسجد له تعالى (كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) سجود طاعة وعبادة وهم المؤمنون. (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) بامتناعه من السجود وهو من لا يوحد الله تعالى.
وقرئ «حق» بالرفع ، و «حقا» بالنصب أي حق عليه العذاب حقا (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) بالشقاوة (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) بالسعادة أي إن الذين وجب عليهم العذاب ليس لهم أحد يقدر على إزالة ذلك الهوان عنهم بطريق الشفاعة لهم. وقرأ ابن أبي عبلة «مكرم» بفتح الراء على أنه مصدر