الصلوات الخمس بشروطها وهيئاتها (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) ، أي إذا أرادوا أمرا تشاوروا فيما بينهم فيه ، ثم عملوا به ولا يعجلون في أمورهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) ، أي أعطيناهم من المال (يُنْفِقُونَ) (٣٨) أي في سبيل الخير (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ) أي المظلمة (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (٣٩) ، أي ينصفون بالقصاص لا بالمكابرة ، وكانوا يكرهون أن يذلّوا أنفسهم فيجترئ عليهم السفهاء ، (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) أي جزاء جناية مثل تلك الجناية (فَمَنْ عَفا) عن المسيء إليه ، (وَأَصْلَحَ) بينه وبين خصمه بترك المكافأة (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٤٠) أي البادئين بالسيئة ، والمتعدين في الانتقام.
واعلم أن العفو على قسمين :
أحدهما : أن يصير العفو سببا لتسكين الفتنة ولرجوعه عن جنايته ، فآيات العفو محمولة على هذا القسم.
وثانيهما : أن يصير العفو سببا لمزيد جراءة الجاني ولقوة غضبه ، فآية الانتقام محمولة على هذا. (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) أي سعى في نصر نفسه بطاقته وانتصف بالقصاص (بَعْدَ ظُلْمِهِ) أي بعد ظلم الظالم إياه. وقرئ «بعد ما ظلم». (فَأُولئِكَ) أي المنتصرون (ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (٤١) أي من مأثم وعقاب لأنهم فعلوا ما أبيح لهم ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ) أي المأثم (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) أي يبدءون بالظلم أو يجاوزون في الانتقام ، (وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي يتكبرون في الأرض بلا حق ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٢) بسبب ظلمهم وتطاولهم ، (وَلَمَنْ صَبَرَ) على الأذى بأن لا يقتص ، (وَغَفَرَ) لمن ظلمه وفوض أمره إلى الله تعالى ، (إِنَّ ذلِكَ) ، أي الصبر والتجاوز (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣) أي من مطلوبات الله تعالى في الأمور. قيل : نزل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) إلى قوله تعالى : (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) في شأن أبي بكر الصدّيق وعمرو بن غزية الأنصاري في تنازع بينهما ، فشتم الأنصاري أبا بكر الصديق ، فأنزل الله تعالى في شأنهما هذه الآيات. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) أي من أضله الله تعالى عن هذه الأشياء فليس له من هاد يهديه من بعد إضلال الله إياه ، (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) أي المشركين يوم القيامة (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي حين يرونه (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٤) ، أي هل إلى رجوع إلى الدنيا من حيلة ، (وَتَراهُمْ) في ذلك اليوم (يُعْرَضُونَ عَلَيْها) أي النار والخطاب في الموضعين لكل من تتأتى منه الرؤية (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) ، أي حال كونهم حقيرين بسبب ما لحقهم من الذل ، (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) أي يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم ، ضعيف كما ينظر المقتول إلى السيف. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) على سبيل التعبير للكافرين : (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) باستغراقها في العذاب (وَأَهْلِيهِمْ) بمفارقتهم لهم ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف لـ «قال» ، وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق ، أي يقولون يوم القيامة ـ إذا رأوهم على تلك