اجعلني أكف شكر نعمتك عندي عن أن ينقلب عني ، حتى أكون شاكرا لك أبدا أو وفقني لأن أؤدي شكر نعمتك (الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) ؛ هما داود وأم سليمان ، وهي في الأصل زوجة أوريا التي امتحن الله بها داود عليهالسلام. (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) لأن العمل الصالح قد لا يرضاه المنعم لنقص في العامل كما قيل :
فما حسناته الا ذنوب |
|
إذا كان المحب قليل حظ |
(وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) إبراهيم وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين ـ كما قاله ابن عباس ـ لأن الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله تعالى ولا يهمّ بمعصية أثبت اسمي في أسمائهم ، واحشرني في زمرتهم. (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) أي بحث أحوال الطير فلم ير الهدهد فيما بينها ، أي نزل سليمان منزلا واحتاج إلى الماء فطلبوه ، فلم يجدوه فطلب الهدهد ليدل على الماء ، لأنه يعرف موضع الماء قربه وبعده فينقر الأرض ، ثم تجيء الشياطين فيحفرونها ويستخرجون الماء في ساعة يسيرة. (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) اسمه عنبر ـ كما أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ـ أي ما لي لا أراه لساتر ستره ، أو لسبب آخر ثم ظهر له أنه غائب فانتقل عن ذلك الكلام فقال : (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (٢٠)؟ فتقدر «أم» بـ «بل» أو بالهمزة ، أو بهما.
روي أن سليمان عليهالسلام لما فرغ من بناء بيت المقدس تجهز للحج فوافى الحرم وأقام به ما شاء ، وكان ينحر في كل يوم طول مقامه فيه خمسة آلاف ناقة ، وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة ، ثم عزم على السير إلى اليمن ، فخرج من مكة صباحا فوافى صنعاء وقت الزوال ، فرأى أرضا حسناء أعجبته خضرتها فنزل بها ليتغدى ويصلي ، فلم يجد الماء فتفقد الهدهد ؛ وكان حين اشتغل سليمان بالنزول ارتفع نحو السماء ، فنزل إلى بستان بلقيس فإذا هو بهدهد آخر ، وكان اسم هدهد سليمان : يعفور؟ وهدهد اليمن : عفير. فقال عفير ليعفور : من أين أقبلت؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود. قال : ومن سليمان؟ قال : ملك الإنس والجن. والشياطين. والطير. والوحش. والرياح. قال يعفور : ومن ملك هذه البلاد. قال عفير : امرأة يقال لها : بلقيس وإن لصاحبك ملكا عظيما ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها تملك اليمن وتحت يدها أربعمائة ملك كل ملك على كورة ، مع كل ملك أربعة آلاف مقاتل ، ولها ثلاثمائة وزير يدبرون ملكها ، ولها اثنا عشر ألف قائد ، مع كل قائد مائة ألف مقاتل. وذهب معه لينظر إلى بلقيس وملكها فما رجع يعفور إلا بعد العصر ، فلما دخل العصر سأل سليمان الإنس والجن والشياطين عن الماء فلم يعلموه فتفقد الهدهد ، فلم يره فدعا عريف الطير ـ وهو النسر ـ فسأله عن الهدهد فقال : أصلح الله الملك ما أدري أين هو وما أرسلته إلى مكان! فغضب سليمان عند ذلك وقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ) بسبب غيبته فيما لم آذن فيه (عَذاباً شَدِيداً) بنتف ريشه ، فهذا عذاب