مسألة : إذا أمر إنسان أن يبكر الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه لا يكره ، فإذا جاء الآمر يقوم من الموضع ، أما إذا أرسل سجادة لتفرش له في المسجد حتى يحضر هو ، فيجلس عليها فذلك حرام لما فيه من تحجير المسجد بلا فائدة (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) أي وإذا قيل : ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم فارتفعوا وقوموا إلى الموضع الذي تؤمرون به. وقرئ «انشزوا» بكسر الشين وبضمها ، (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) أي يرفع الله المؤمنين منكم أيها المأمورون بالتفسح والعالمين منه خاصة درجات بامتثال أوامره تعالى ، وأوامر رسوله والموصول الثاني معطوف على الموصول الأول إما من عطف الخاص على العام ، أو من عطف الصفات و «درجات» مفعول ثان كأنه قيل : يرفع الله المؤمنين العلماء درجات.
وقال ابن عباس : تم الكلام عند قوله تعالى : (مِنْكُمْ) وينتصب الذين أوتوا بفعل مضمر ، أي ويخص الذين أوتوا العلم بدرجات أو يرفعهم إلى درجات.
قال ابن مسعود : مدح الله العلماء في هذه الآية ، والمعنى أن الله تعالى يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذ فعلوا بما أمروا به. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١١) وهذا تهديد لمن لم يمتثل الأمر. وقرئ «يعملون» بالياء التحتية. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) أي إذا أردتم مناجاة الرسول في بعض شؤونكم المهمة الداعية إلى مناجاته صلىاللهعليهوسلم فتصدقوا قبل النجاة ، وفائدة هذا التقديم تعظيم مناجاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن الإنسان إذا وجد الشيء مع المشقة استعظمه وإن وجده بالسهولة استحقره ، ونفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة على المناجاة ، وتمييز محب الآخرة عن محب الدنيا بتلك الصدقة ، فإن المال محك الدواعي. وقال أبو مسلم : إن المنافقين كانوا يمتنعون من بذل الصدقات وإن قوما من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهرا وباطنا إيمانا حقيقيا ، فأراد الله تعالى أن يميزهم عن المنافقين فأمر بتقديم الصدقة على النجوى ليتميز هؤلاء الذين آمنوا إيمانا حقيقيا عمن بقي على نفاقه الأصلي ، وهذا التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة ، فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة فلا يكون هذا منسوخا. وقيل : نزلت هذه الآية في أهل الميسرة فإن منهم من كانوا يكثرون المناجاة مع الرسول صلىاللهعليهوسلم دون الفقراء حتى تأذى بذلك النبي صلىاللهعليهوسلم والفقراء ، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالصدقة قبل أن يتناجوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم بدرهم على الفقراء بكل كلمة (ذلِكَ) أي التصدق (خَيْرٌ لَكُمْ) في دينكم من الإمساك (وَأَطْهَرُ) لذنوبكم ولقلوبكم من حب المال ، لأن الصدقة طهرة (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) ما تتصدقون به يا أهل الفقر ، فتكلموا مع رسول الله بما شئتم بغير التصدق ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢) أي فطن من لم يجد ما يتصدق به كان معفوا عنه ، (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) أي أخفتم تقديم الصدقات لما يخوفكم الشيطان به من الفقر وبخلتم يا أهل الميسرة ، (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما أمرتم به من إعطاء الصدقات (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) بأن أرخص