الأصنام لأنها جمادات وإنما نعبد الملائكة بعبادتها فإنها على صورها ننصبها بين أيدينا ليذكرنا الشاهد الغائب ، فنعظم الملك الذي ثبت أنه مقرب عظيم. الشأن فقال تعالى ردا عليهم : كيف تعظمونهم وأنتم تسمونهم تسمية الإناث حيث قلتم : الملائكة بنات الله. (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) وهذه الجملة حال من فاعل «ليسمون» ، أي ليسمون الملائكة بالبنات والحال أنه لا علم لهم بما كانوا يقولون أصلا. وقرئ «بها» أي بالتسمية ، أو بالملائكة. (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) في أن الملائكة إناث ، (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢٨) أي لا ينفع شيئا من العلم بحقيقة الشيء والظن يتبع في الأمور المصلحية والأفعال العرفية أو الشرعية عند عدم الوصول إلى اليقين ، ومدح من حاله لا يعلم ، فالظن فيه معتبر ، والأخذ بظاهر حال العاقل واجب ، وأما في الاعتقاديات فلا يغني الظن شيئا من الحق ، فإن المكلف يحتاج إلى يقين يميز الحق من الباطل ليعتقد الحق ويميز الخير من الشر ليفعل الخير ، ففي الحق ينبغي أن يكون جازما ، والظان لا يكون جازما ، ويحتمل أن المراد من الحق هو الله تعالى. والمعنى : وأن الظن لا يفيد شيئا من الله تعالى ، فإن الأوصاف الإلهية لا تستخرج بالظنون (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) (٢٩) أي اترك مجادلة من أعرض عن القرآن المنطوي على علوم الأولين والآخرين المذكور لأمور الآخرة قاصرا نظره إلى الدنيا. وهذه الآية غير منسوخة ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان مأمورا بالدعاء بالحكمة ، والموعظة الحسنة فلما عارضوه بأباطيلهم أمر بالجواب عنها بالمجادلة ، ثم لما لم ينفع أمر بالإعراض عنهم وعدم مقابلتهم بالبرهان ، أي وأمر بالإعراض عن المناظرة بشرط جواز المقاتلة (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي ذلك الظن غاية ما يبلغون به من الإدراك المتظلم للظن الفاسد ، (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) (٣٠) أي إن الله أعلم بمن لم يرجع إلى الهدى أصلا ، وبمن يقبل الاهتداء في بعض الأحوال ، وقد علم الله أنه لا يؤمن بمجرد الدعاء أحد من المكلفين وإنما ينفع فيهم أن يقع السيف والقتال ، فأعرض عن الجدال وأقبل على القتال. (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي خلقا وملكا والوقف هنا تام عند أبي حاتم (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) أي بعقاب ما عملوا من الضلال (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي اهتدوا (بِالْحُسْنَى) (٣١) أي بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة. وقوله تعالى : (لِيَجْزِيَ) متعلق بقوله : (ضَلَ) و (اهْتَدى)» كأنه تعالى قال : هو يعلم بمن ضلّ واهتدى ليجزيهما ، أو متعلق بقوله تعالى فأعرض ، أي أعرض عنهم ليقع الجزاء (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ). وهذا الموصول بدل من الموصول الثاني ، وقرأ حمزة والكسائي «كبير الإثم» (وَالْفَواحِشَ).
قيل : الكبائر : ما وعد الله عليه بالنار صريحا وظاهرا ، والفواحش : ما أوجب الله عليه حدا في الدنيا (إِلَّا اللَّمَمَ) وهو ما يقصده المؤمن ولا يحققه ، أو ما يأتي به المؤمن ويندم في الحال ، (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر ، وهذا تنبيه على أن إخراج اللحم عن