أنه عليهالسلام قال ذلك خيفة الفتنة في الدين حيث كان الشيطان يوسوس إلى قومه ، بأنه لو كان نبيا لما ابتلى بمثل ما ابتلي به. ويروى أنه عليهالسلام قال في مناجاته إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ، ولم يتبع قلبي بصري ولم يهنني ما ملكت يميني ولم آكل إلّا ومعي يتيم ولم أبت شبعان ، ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان ، فكشف الله تعالى عنه (نِعْمَ الْعَبْدُ) أي أيوب (إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤٤) أي مقبل إلى طاعة الله ، (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (٤٥) أي أولي القوة في الطاعة والبصيرة في الدين فقوله تعالى : (أُولِي الْأَيْدِي) إشارة إلى القوة العاملة ، فأشرف ما يصدر عنها طاعة لله. وقوله : (وَالْأَبْصارِ) إشارة إلى القوة العالمة ، فأشرف ما يصدر عنها معرفة الله وما سوى هذين القسمين باطل.
وقرأ ابن كثير «عبدنا» على التوحيد (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) (٤٦) ، أي إنا جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة ، وهي استغراقهم في ذكر الدار الآخرة حتى نسوا الدنيا ، وقرأ نافع وهشام بإضافة خالصة ، أي إنا اختصصناهم بإخلاصهم ذكر الآخرة وتناسيهم عند ذكرها ذكر الدنيا ، وقد جاء المصدر على فاعلة كالعاقبة ، (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٤٧) أي لمن المختارين من أبناء جنسهم المستعلين عليهم في الخير ، (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ) بن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل ، ثم استنبئ وهو ابن عم إلياس واللام زائدة. وقرأ حمزة والكسائي بتشديد اللام وسكون الياء (وَذَا الْكِفْلِ) وهو ابن عم يسع ، أو بشر بن أيوب (وَكُلٌ) أي كل المتقدمين من داود إلى هنا (مِنَ الْأَخْيارِ) (٤٨) أي وكلهم من المشهورين بالخيرية وهم أنبياء تحملوا الشدائد في دين الله تعالى ، (هذا) أي ما تقدم من ذكر محاسنهم (ذِكْرٌ) أي شرف لهم وثناء جميل في الدنيا ، (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) (٤٩) أي مرجع في الآخرة (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (٥٠) منها ، فـ «جنات» عطف بيان و «مفتحة» حال منها ، وقرئتا مرفوعتين هي جنات عدن مفتحة ، (مُتَّكِئِينَ فِيها) أي جالسين على السرر في الحجال ناعمين في الجنة ، (يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) (٥١) ، أي يسألون في الجنة بألوان الفاكهة وألوان الشراب ، (وَعِنْدَهُمْ) في الجنة (قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي جوار حابسات العين على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ، (أَتْرابٌ) (٥٢) أي مستويات في السن والحسن ، (هذا) أي المذكور (ما تُوعَدُونَ) في الدنيا (لِيَوْمِ الْحِسابِ) (٥٣) أي لأجل وقوعه في يوم القيامة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيبة ، (إِنَّ هذا) أي ما ذكر من ألوان النعم (لَرِزْقُنا) أعطيناكموه (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) (٥٤) ، أي فناء (هذا) أي الأمر هذا المذكور (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) أي للكافرين (لَشَرَّ مَآبٍ) (٥٥) أي مرجع في الآخرة (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) أي يدخلونها (فَبِئْسَ الْمِهادُ) (٥٦) أي المفرش (هذا) أي عذاب جهنم ، (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) (٥٧) فالحميم ماء حار يحرقهم بحره والغساق ماء بارد منتن يحرقهم ببرده.