فجعل يفتته بيده ، وأتى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : إنك يا محمد تقول : إن إلهك يحيي هذه العظام فقال صلىاللهعليهوسلم : «نعم ويبعثك ويدخلك جهنم». (قُلْ) له يا أكرم الرسل : (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي يحيي العظام من خلقها من العدم أول مرة من النطفة ، فكما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا كذلك يعيده ، وإن لم يبق شيئا مذكورا (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٧٩) أي فيعلم الله أجزاء الأشخاص المفتتنة في المشارق والمغارب والتي بعضها في أبدان السباع ، وبعضها في جدران الرباع سواء كانت أجزاء أصلية ، أو فضلية ، للآكل ، أو للمأكول فيعيد الله كلا من ذلك النمط السابق مع القوى التي كانت قبل ويجمعه وينفخ روحه ، (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) والموصول بدل من الموصول الأول ، أي الذي خلق لأجل منفعتكم نارا من المرخ والعفار ، فالمرخ شجر سريع القدح ، والعفار بفتح العين شجر تقدح منه النار فمن أراد النار قطع منهما غصنين مثل السواكين ، وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار ، فتخرج منهما النار بإذن الله تعالى ؛ وهذا قول ابن عباس.
وقال الحكماء : في كل شجر نار إلا العناب (فَإِذا أَنْتُمْ) يا أهل مكة (مِنْهُ) أي من الشجر الأخضر (تُوقِدُونَ) (٨٠) فمن قدر على أحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة ، لها كان أقدر على إعادة الأجساد بعد فنائها. (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي أليس الذي أنشأ العظام أول مرة ، وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما يقدر على أن يخلق مثل الأناسي في الصغر ، ثم أجاب الله نفسه بقوله : (بَلى) هو قادر على ذلك (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (٨١) ، أي وهو كامل القدرة وشامل العلم (إِنَّما أَمْرُهُ) أي شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) من الأشياء (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٨٢) ، أي أن يعلق بذلك الشيء قدرته تعالى (فَيَكُونُ) (٨٣) ، أي فيحدث من غير توقف على شيء آخر أصلا.
وقرأ ابن عامر والكسائي بالنصب عطفا على «يقول». (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي تنزه عن الشريك والعجز من في قبضته مملكة كل شيء وخزائنه ، (وَإِلَيْهِ) لا إلى غيره (تُرْجَعُونَ) (٨٣) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم وقرأ زيد بن علي بالبناء للفاعل.