وقرأ حمزة والكسائي ، وحفص «سدا» بفتح السين. والباقون بالضم في الموضعين. (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) أي مستو عند بني مخزوم ، أبي جهل وأصحابه إنذارك بالقرآن إياهم وعدمه. وأما الإنذار بالنسبة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فهو سبب في زيادة سيادته عاجلا وسعادته ، آجلا (لا يُؤْمِنُونَ) (١٠) في علم الله (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أي إنما ينفع إنذارك يا سيد الرسل من آمن بالقرآن (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أي خاف عقابه ، وهو تعالى غائب عنه ، أي عمل صالحا ، فالعاقل لا ينبغي أن يترك الخشية ، فإن كل من كانت نعمته بسبب رحمته أكثر ، فالخوف منه أتم أن يقطع عنه النعم المتواترة ، (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) عظيمة (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (١١) أي ثواب حسن في الجنة فالغفران جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور والأجر الكريم جزاء العمل الصالح ، (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) أي نبعثهم بعد مماتهم.
وعن الحسن : إنا نخرجهم من الشرك إلى الإيمان (وَنَكْتُبُ) في صحف الملائكة (ما قَدَّمُوا) أي ما أسلفوا من الأعمال ، صالحة كانت أو فاسدة (وَآثارَهُمْ) أي التي أبقوها من السنن الحسنة كالكتب المصنفة ، والقناطر المبنية والحبائس التي وقفوها من المساجد والرباطات ، ومن السنن السيئة كوظيفة وظفها بعض الظّلام على المسلمين ، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم ، وآلات الملاهي ، وأدوات المناهي المعمولة الباقية (وَكُلَّ شَيْءٍ) من الأشياء (أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١٢) أي كتبناه في أصل مظهر لجميع الأشياء مما كان وما سيكون ، وهو اللوح المحفوظ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) أي بين لأهل مكة صفة أهل أنطاكية كيف أهلكناهم ، (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) (١٣) وهم رسل عيسى عليهالسلام إلى أهلها ، فرسول رسول الله بإذن الله رسول الله ، وهذا يؤيد مسألة فقهية وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل ، وكيل الموكل لا وكيل الوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه ، وينعزل إذا عزله الموكل الأول ، (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) أي رسولين وهما : يوحنا وبولس. وقيل : سمعان وثومان (فَكَذَّبُوهُما) ، أي فأتياهم ، فدعواهم إلى الحق فكذبوهما في الرسالة ، (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) أي قويناهما برسول ثالث هو شمعون.
وقرأ شعبة بتخفيف الزاي (فَقالُوا) أي جميعا : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) (١٤) (قالُوا) أي أهل أنطاكية مخاطبين للثلاثة : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فلا يجوز رجحانكم علينا (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) أي فما نزلتم من عند الله ، وما أنزل الله إليكم أحدا فكيف صرتم رسلا لله. أو يقال : إن الله ليس بمنزل شيئا في هذا العالم فإن تصرفه في العالم العلوي ، وللعلويات التصرف في السفليات على مذهبهم ، فالله تعالى لم ينزل شيئا من الأشياء في الدنيا فكيف أنزل إليكم؟ (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) (١٥) أي ما أنتم إلّا كاذبون في دعوى رسالته تعالى. (قالُوا) أي الرسل : (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (١٦) استشهدوا بعلم الله تعالى وهو يجري مجرى القسم مع تحذيرهم معارضة