مستعدين لمعرفته مع كونها مطلوبة منهم ، (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (٥٧) أي لست كالسادة في طلب العبادة بل هم الرابحون في عبادتهم والعبيد على قسمين : قسم منهم يكون للعظمة كمماليك الملوك ، فالملك يطعمهم ويسقيهم ويعطيهم الأطراف من البلاد ، والطراف بعد التلاد وقسم منهم للانتفاع بهم في تحصيل الأرزاق ولإصلاحها ، فليتفكروا في أنفسهم في كونهم مخلوقين للعبادة ، هل هم من نوع أن يطلب منهم تحصيل رزق ، أو هم ممن يطلب منهم إصلاح قوت ، كالطباخ والخواني الذي يقرب الطعام وليسوا من هذا القسم بل هم عبيد من القسم الأول ، فينبغي أن لا يتركوا التعظيم لأمر الله ، (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (٥٨) أي الثابت الذي لا يتزلزل ، فلا يطلب الرزق لغناه عبد من عباده فإنه يرزقهم ولا يطلب منهم أن يعينوه على الأرزاق ، لأنه تعالى قوي وقرئ أني أنا الرزاق. وقرأ ابن محيصن «هو الرازق» ، كما قرأ «وفي السماء رازقكم». وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش المتين بالجر ، (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) بفتح الذال ، أي إذا عرفت حال الكفرة المتقدمين من عاد وثمود ، وقوم نوح فإن لهؤلاء المكذبين من كفار مكة نصيبا وافرا من العذاب ، مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة ، (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) (٥٩) أي فلا يطلبوا مني أن أعجل في المجيء بالعذاب ، فلا يأتي الأجل ما لم يفرغ الرزق ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٦٠) أي فالشدة من العذاب لكفار مكة من أجل يومهم الذي يوعدون العذاب فيه ، وهو يوم بدر كما هو الأوفق لما ، تقدم أو يوم القيامة ، وهو الأنسب بما في أول السورة الآتية.
__________________
ـ المرفوعة ٢٧٣ ، والفتني في تذكرة الموضوعات ١١. وفيه «فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا».