مجلس حسان ، وأسمع ولا أقول. فقال لمسطح : إن لم تتكلم فقد ضحكت وشاركت فيما قيل فقال : قد كان ذلك تعجبا من قول حسان ، فلم يقبل عذره وقال : انطلقوا أيها القوم فإن الله لم يجعل لكم عذرا ولا فرجا فخرجوا لا يدرون أين يذهبون ، وأين يتوجهون من الأرض. وبعض الصحابة أقسموا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشيء من الإفك فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أبي بكر ، وقرأ عليه الآية ، فلما وصل إلى قوله : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)» قال : بلى يا رب ، إني أحب أن تغفر لي ، فذهب أبو بكر إلى بيته ، وأرسل إلى مسطح وأصحابه وقال : قبلت ما أنزل الله تعالى على الرأس والعين ، وإنما فعلت بكم ما فعلت إذ سخط الله عليكم أما إذ عفا عنكم فمرحبا بكم ، فرجع إلى مسطح نفقته ، وحلف أن لا ينزعها منه أبدا وألطف بقرابته وأحسن إليهم وهذا من أعظم أنواع المجاهدات ، فإن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة الكفار. (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي العفائف من الفاحشة (الْغافِلاتِ) أي النقيات القلوب (الْمُؤْمِناتِ) أي المتصفات بالإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به من الواجبات والمحظورات وغيرها إيمانا حقيقيا تفصيليا وهن أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي عذبوا في الدنيا بالحد وفي الآخرة بالنار (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢٣) وهو عذاب الكفر ، فإن كان القذفة مؤمنين فذلك الإبعاد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين ، وهجرهم لهم ، وزوالهم عن رتبة العدالة ، وضرب الحد. (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٤) فإن الله تعالى ينطقها بقدرته فتخبر كل جارحة منها بما صدر عنها من أفاعيل صاحبها ، (يَوْمَئِذٍ) أي يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة (يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) أي يعطيهم الله جزاء عملهم المقطوع بحصوله لهم ، (وَيَعْلَمُونَ) عند معاينتهم الأهوال (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٢٥) أي الثابت في ذاته وصفاته ، وكلماته المنبئة عن الشؤون التي يشاهدونها ، المظهر للأشياء كما هي في أنفسها ، (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) أي النساء الخبيثات مختصات بالرجال الخبيثين. (وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) أي والخبيثون لائقون بالنساء الخبيثات ؛ ويقال : المقالات الخبيثة من القذف مختصة بالخبيثين من أهل الإفك من الرجال والنساء. ويقال : المقالات الخبيثة من اللعن والذم ونحو ذلك مختصة بهم (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) أي والنساء الطيبات للرجال الطيبين وبالعكس. أو المعنى : والكلمات الطيبات من قول منكري الإفك للطيبين من الرجال والنساء. ويقال : والطيبون من الفريقين لائقون بالكلمات الحسنة ، وحيث كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أطيب الطيبين وأفضل الأولين والآخرين ، تبين كون زوجاته أطيب الطيبات بالضرورة. (أُولئِكَ) أي أهل البيت (مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) أي مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلمات. فالله تعالى برأ أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم من الأكاذيب الباطلة لكيلا يقدح فيهن أحد كما أقدموا على عائشة ، ونزه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أمثال هذا الأمر ، فلا أحد أطهر منه فأزواجه إذا لا يجوز أن يكنّ إلا طيبات. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي براءة من الله (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٢٦)