فأقبل فرعون إلى تلك الطرق ، فقال قومه له : إن موسى قد سحر البحر فصار كما ترى ، وكان على فرس حصان ، فأقبل جبريل على فرس أنثى في ثلاثة وثلاثين من الملائكة ، فسار جبريل بين يدي فرعون ، فأصبر الحصان الحجر ، فاقتحم بفرعون على أثرها ، فصاحت الملائكة في الناس : الحقوا الملك ، حتى إذا دخل آخرهم ، وكاد أولهم أن يخرج التقى البحر عليها فغرقوا ، فسمع بنو إسرائيل خفقة البحر عليهم ، فقالوا : ما هذا يا موسى؟ قال : قد أغرق الله فرعون وقومه ، فرجعوا حتى ينظروا إليهم ، وقالوا : يا موسى ادع الله أن يخرجهم لنا حتى ننظر إليهم ، فدعا ، فلفظهم البحر إلى الساحل وأصابوا من سلاحهم. (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي وقلنا : يا أولاد يعقوب ، (قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون وقومه بإغراقهم ، (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) ، أي واعدناكم إتيان جانب الجبل الأيمن ، لمن انطلق من مصر إلى الشام. فإن الله أمر أن يأتي منهم سبعون مع موسى إلى طور سيناء لأخذ التوراة ، ففيه صلاح دينهم ودنياهم وأخراهم ، (وَنَزَّلْنا) في التيه ، (عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) (٨٠) ، فالمنّ : هو شيء «حلو أبيض مثل الثلج ، كان ينزل من الفجر إلى طلوع الشمس ، لكل إنسان صاع». والسلوى : «هو السماني يبعثه الجنوب عليهم فيذبح الرجل منهم ما يكفيه». (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ، أي من لذائذه. وقرأ حمزة والكسائي : «قد أنجيتكم» ، و «وعدتكم» ، و «رزقتكم» بتاء المتكلم. والباقون بنون العظمة ، واتفقوا على ونزلنا بالنون. وأسقط أبو عمرو ألف «واعدنا». (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) أي فيما رزقناكم بأن لم تشكروه.
قال ابن عباس : أي لا يظلم بعضكم بعضا فيأخذه من صاحبه ، (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) ، بكسر الحاء أي يجب عليكم عقوبتي. قرأ الأعمش والكسائي بضم الحاء أي ينزل (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) (٨١) ، أي هلك وو قرأ الكسائي بضم اللام الأولى. (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) من الشرك والمعاصي ، (وَآمَنَ) بما يجب الإيمان به ، (وَعَمِلَ صالِحاً) أي مستقيما عند الشرع والعقل ، (ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢) أي استمرّ على الهدى من غير تقصير ، ومات على ذلك فلما ذهب موسى عليهالسلام مع السبعين إلى الميقات تعجّل إلى الميعاد قبلهم ، قال الله له : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) (٨٣) أي وقلنا له : أي شيء أعجبك منفردا عن النقباء ، (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي هم معي ، وإنما سبقتهم بخطي يسيرة ظننت أنها لا تخلّ بالمعيّة ولا تقدح في الاستصحاب. (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) (٨٤) عني بمسارعتي إلى الامتثال بأمرك ، واعتنائي بالوفاء بعهدك ، (قالَ) تعالى : يا موسى (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) ، أي ابتليناهم بعبادة العجل من بعد ذهابك من بينهم.
وهم الذين خلفهم موسى مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ، ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا. (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٨٥) ، حيث كان هو المدبّر في الفتنة ، واسمه موسى بن