الممكنات بأسرها وإفناء الموجودات عن آخرها (عَزِيزٌ) (٧٤) أي غالب على جميع الأشياء (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) إلى بني آدم كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والحفظة (وَمِنَ النَّاسِ) أي ويختار من الناس رسلا مختصين بالنفوس الزكية كإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم. نزلت هذه الآية لما قال الوليد بن المغيرة مع موافقة الباقي لم ينزل على محمد القرآن لأنه ليس بأكبرنا ولا بأشرفنا. (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لمقالتهم. (بَصِيرٌ) (٧٥) بأفعالهم ، وبمن يستحق الرسالة (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي يعلم الله ما عملوه وما سيعملونه من أمور الدنيا (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٧٦). وهذا إشارة إلى التفرد بالإلهية والحكم ، وإلى الزجر عن مباشرة المعصية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) أي ارجعوا من تكبر قيام الإنسانية إلى تواضع الحيوانية وذلة النباتية. قال ابن عباس : إن الناس كانوا في أول الإسلام يركعون ولا يسجدون حتى نزلت هذه الآية : (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) بسائر ما كلفكم به خالصا لوجهه (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) واجبا ومندوبا وتوجهوا إلى الله تعالى في جميع أحوالكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٧٧) أي لتظفروا بنعيم الجنة ، أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون بها الفلاح ، غير متيقنين أنها مقبولة عند الله تعالى والعواقب مستورة وكل ميسر لما خلق له : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) أي لله أعداء دينه الظاهرة والباطنة من أهل الضلال والهوى والنفس (حَقَّ جِهادِهِ) أي جهادا من أجل الله ، حقا لا رغبة في الدنيا من حيث الاسم أو الغنيمة. (هُوَ اجْتَباكُمْ) أي اختاركم للاشتغال بطاعته من بين سائر البريات (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ) أي في أمر الدين (مِنْ حَرَجٍ) أي ضيق بتكليف ما يشق عليكم إقامته. (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) أي سهل الله عليكم الدين مثل ملة أبيكم إبراهيم ، فإنه أبو رسول الله وهو كالأب لأمته ، ولأن أكثر العرب كانوا من ذرية إبراهيم فغلبوا على غيرهم (هُوَ) أي الله. كما قرأ أبيّ بن كعب. (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) أي قبل هذا القرآن في كتب الأنبياء (وَفِي هذا) أي القرآن بقوله تعالى : ورضيت لكم الإسلام دينا. وقيل : الله سماكم المسلمين في الأزل من قبل أن خلقكم وبعد أن خلقكم (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) يوم القيامة بأنه بلغكم (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) أي الأمم الماضية ، بتبليغ الرسل إليهم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) أي فلما خصكم الله بهذه الكرامة ، فاعبدوه وتقربوا إلى الله بأنواع الطاعات وتخصيصهما بالذكر لفضلهما. (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ).
قال القفال : أي اجعلوا الله عصمة لكم مما تحذرون. وقال ابن عباس : أي سلوا الله العصمة عن كل المحرمات أي ولا تطلبوا الإعانة في كل الأمور إلا منه تعالى. (هُوَ مَوْلاكُمْ) أي حافظكم. (فَنِعْمَ الْمَوْلى) أي الحافظ. (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٧٨) بل فلا حافظ ولا ناصر في الحقيقة سواه تعالى.