في أعز أموالهم. وقرئ «قوما» على أصلها. وقرئ أيضا «قائما» على أصوله ذهابا إلى لفظ ما ، (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) أي ما رده الله لرسوله من يهود بني النضير ، فهو لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة دونكم (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) ، أي لأنكم ما أجريتهم إلى تحصيل ذلك خيلا ولا ركابا (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) من أعدائهم ، وقد سلط الله النبي صلىاللهعليهوسلم على هؤلاء اليهود من غير أن تقاسوا أيها المسلمون شدائد الحروب فلا حق لكم في أموالهم ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦) فيفعل ما يشاء ، نزلت هذه الآية في بني النضير وقراهم ، وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب ، وإنما كانوا في زهرة على ميلين من المدينة ، فمشوا إليها مشيا ولم يركب إلا رسول الله ، وكان راكب جمل فلما كانت المقاتلة قليلة أجراه الله تعالى مجرى ما لم يحصل فيه المقاتلة أصلا ، فخص رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتلك الأموال ، ثم روى أنه صلىاللهعليهوسلم قسّمها بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة ، وهم : أبو دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف ، والحرث بن الصمة ، وأعطى سعيد بن معاذ سيف بن أبي الحقيق. ومعنى الآية : أن الصحابة طلبوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم فذكر الله الفرق بينهما ، وهو أن الغنيمة ما اتبعتم أنفسكم في تحصيلها وأوجفتم الخيل والركاب والفيء ما ليس في تحصيله تعب ، فكان الأمر فيه مفوضا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يضعه حيث يشاء ، (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) كقريظة والنضير ، وفدك وخيبر ، وعرينة ، وينبع والصفراء ، (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) وهم بنو هاشم وبنو المطلب ، (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).
قيل : يصرف سهم الله إلى عمارة الكعبة والمساجد ، ويصرف سهم رسول الله وفاته وهو أربعة أسهم إلى مصالح المسلمين من سد الثغور وحفر الأنهار ، وبناء القناطر يقدم الأهم فالأهم أو إلى المجاهدين المرصدين للقتال في الثغور ، لأنهم قائمون مقام رسول الله في رباط الثغور ، (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) أي جعل الله الفيء لمن ذكر لأجل أن لا يكون الفيء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء.
وقرأ هشام «تكون» بالتأنيث على خلاف عنه «دولة» بالرفع ، أي كيلا يقع دور في يد الأغنياء. وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي بفتح الدال فقيل : الضم والفتح بمعنى. وقيل : «الدولة» بالفتح من الملك بضم الميم ، و «الدولة» بضم من الملك بكسر الميم ، (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فإنه واجب الطاعة ، لأنه لا ينطق عن الهوى ، وهذا يوجب أن كل ما أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم أمر من الله تعالى ، وإن كانت الآية خاصة في الفيء ، فجميع أوامره صلىاللهعليهوسلم ونواهيه داخلة فيها (وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفته صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٧) فيعاقب من يخالف أمره ونهيه (لِلْفُقَراءِ) بدل من لذي القربى ، و «ما» عطف عليه كأنه قيل : أعني بأولئك الأربعة هؤلاء الفقراء ، (الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) حيث إن كفار مكة أحوجوهم إلى