أدفع عنكم ضرا وكفرا ، ولا أسوق إليكم نفعا ولا هدى. وقيل : الضر الموت ، والرشد الحياة. ومعنى الكلام أن النافع والضار ، والمرشد والمغوي هو الله وأن أحدا من الخلق لا قدرة له عليه ، وقرأ أبيّ «غيا ولا رشدا». (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) إن عصيته (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٢) أي ملجأ ، وموضع الاختفاء إن أرادني بضر ، (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ). وهذا استثناء من قوله : (لا أَمْلِكُ) وقوله : (وَرِسالاتِهِ) عطف على بلاغا ومن الله صفته لا صلته ، أي لا أملك لكم إلا تبليغا كائنا منه تعالى ورسالاته التي أرسلني بها ، (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في الأمر بالتوحيد (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) العامة على كسر همزة إن لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء ، ولذلك حمل سيبويه ومن عاد فينتقم الله منه ، ومن كفر فأمتعه ، ومن يؤمن بربه فلا يخاف ، على أن المبتدأ فيها مضمر. وقرأ طلحة بفتحها على أنها مع ما في حيزها في تأويل مصدر واقع خبرا لمبتدأ مضمر تقديره : فجزاؤه أن له نار جهنم ، أو فحكمه أن له نار جهنم كقوله تعالى : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال : ٤١] أي فحكمه أن لله خمسه ، (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٢٣) بلا نهاية (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) من فنون العذاب في الآخرة (فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) (٢٤) ، أي أعوانا ، فهناك يظهر أن القوة والعدد في جانب المؤمنين ، أو في جانب الكفار ، (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) (٢٥) ، أي أجلا بعيدا لما سمع المشركون ذلك قال النضر بن الحرث إنكارا له واستهزاء به : متى يكون ذلك الموعود؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية : (قُلْ) لمن تعجلوا بالعذاب (إِنْ أَدْرِي) فإن وقوعه متيقن ، أما وقت وقوعه فغير معلوم ، (عالِمُ الْغَيْبِ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هو عالم بنزول العذاب. وقرئ بالنصب على المدح. وقرأ السدي «علم الغيب» بصيغة الماضي ونصب «الغيب» ، (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) (٢٦) أي لا يطلع الله على غيبه اطلاعا كاملا ينكشف به جلية الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين أحدا من خلقه ، (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ، أي إلا رسولا ارتضاه لاطلاعه على بعض غيوبه المتعلقة برسالته. وقرأ الحسن «يظهر» بفتح الياء والهاء و «أحد» فاعل به ، (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (٢٧) أي فإن الله تعالى يجعل من جميع جوانب ذلك الرسول عند اطلاعه على غيبه حرسا من الملائكة يحفظونه من الجن لئلا يستمعوا قراءة جبريل ، فيلقوها إلى النكهة قبل الرسول ، حتى يبلغ جبريل ما أطلعه الله عليه من بعض الغيوب.
وقال مقاتل وغيره : كان الله إذا بعث رسولا أتاه إبليس في صورة ملك يخبره ، فيبعث الله من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه ويطردون الشياطين عنه ، فإذا جاءه شيطان في صورة ملك أخبروه بأنه شيطان ، فيحذره ، فإذا جاءه ملك قالوا له : هذا رسول ربك (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) واللام متعلق بـ «يسلك» ، وضمير «أبلغوا» إما للرصد فالمعنى أنه تعالى يسلكهم من جميع جوانب المرتضى ليعلم الله أن الشأن قد أبلغ الرصد رسالات ربهم سالمة عن