فذهب إلى بعض أطراف الجنة (فَاطَّلَعَ) عندها إلى النار (فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) (٥٥) أي فرأى ذلك الرجل قرينه في وسط النار. (قالَ) له موبخا : (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) (٥٦) أي إنه ، أي الشأن قاربت لتهلكني بدعائك إياي إلى إنكار البعث والقيامة.
وقرئ «لتغوين» ، أي لتضلني عن الدين ، (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) بالإرشاد إلى الحق والعصمة عن الباطل (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٥٧) في النار مثلك ، ثم عاد إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة فقال : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) (٥٨) أي أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) التي كانت في الدنيا ، (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (٥٩). وهذا استفهام تلذذ فهو من سؤال بعضهم لبعض ، لأن الذي تتكامل سعادته إذا عظم تعجبه بها قد يقول : أيدوم هذا لي أيبقى هذا لي ، وإن كان على يقين من دوامه ، ثم عند فراغهم من هذه المباحثات يقولون : (إِنَّ هذا) أي الذي نحن فيه (لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٠). والوقف هنا تام. وقيل : هو من قول الله تعالى تصديقا لقولهم. وقرئ «إن هذا» أي الذي ذكر لأهل الجنة لهو الرزق العظيم. قال الله تعالى ترغيبا للمكلفين في عمل الطاعات : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦١) أي لطلب مثل هذه السعادات المحكية يجب أن يعمل العاملون فليجتهد المجتهدون بالعلم والعبادة. (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) (٦٢) أي أذلك الرزق المعلوم الذي حاصله اللذة والسرور خير حاصلا أم شجرة الزقوم التي حاصلها الألم والغم ، أمر الله ورسوله أن يورد ذلك على كفار قومه ليصير ذلك زاجرا لهم عن الكفر والمعنى أن الرزق المعلوم ضيافة أهل الجنة ، وأهل النار ضيافتهم شجرة الزقوم فأيهما خير في كونه ضيافة. وهذا الكلام جيء به على سبيل السخرية بهم ، لأنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الخيرية. (إِنَّا جَعَلْناها) أي شجرة الزقوم (فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) (٦٣) أي شبهة في قلوبهم حتى صارت سببا لتماديهم في الكفر ، فإنهم لما سمعوا أن شجرة الزقوم في النار قالوا : كيف يعقل أن تنبت الشجرة في النار مع أنها تحرق الشجر ولم يعلموا أن خالق النار قادر على أن يمنع النار من إحراق الشجر ، لأنه إذا جاز أن يكون في النار زبانية والله يمنع النار عن إحراقهم فلم لا يجوز مثل ذلك في هذه الشجرة؟ (إِنَّها) أي الزقوم (شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) أي منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
وقرئ «نابتة في أصل الجحيم». (طَلْعُها) أي ثمرها (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (٦٥) في القبح والهول ، وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك في قوله تعالى حكاية لقول النساء : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) وذلك أن الناس اعتقدوا في الملائكة كمال الفضل في الصورة والسيرة ، واعتقدوا في الشياطين نهاية القبح في الصورة والسيرة ، فكما حسن التشبيه بالملك عند إرادة تقرير الكمال ، حسن التشبيه برءوس الشياطين في قبح النظر كأنه قيل : إن أقبح الأشياء في الخيال هو رؤوس الشياطين. وقيل : إن الشياطين حيات هائلة لها رؤوس وأعراف ، وهي من