بالقرآن والشرائع كاذبين ، فكل من يكذب بالحق فهو كاذب ، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) أي ضبطناه (كِتاباً) (٢٩) أي حال كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ ، أو كل شيء من أعمال بني آدم حفظناه مكتوبا في صحف الحفظة. وقرأ أبو السمال «وكل» بالرفع على الابتداء ، (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) (٣٠) أي فيقال لهم في الآخرة عند وقوع العذاب عليهم : ذوقوا جزاءكم فلن نزيدكم إلا عذابا ، أي كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ، وكلما خبت زدناهم سعيرا ، (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) (٣١) أي فوزا بالمطلوب (حَدائِقَ) أي بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة ، (وَأَعْناباً) (٣٢) أي كروما (وَكَواعِبَ) ، أي نساء تكعبت ثديهن (أَتْراباً) (٣٣) ، أي مستويات في السن على ثلاث وثلاثين سنة (وَكَأْساً دِهاقاً) (٣٤) ، أي ممتلئة ، (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً) (٣٥) أي لا يجري بين المتقين كلام باطل وتكذيب من واحد لغيره بسبب الكأس التي يشربون منها. وقرأ الكسائي بالتخفيف (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) (٣٦) أي جازى الله المتقين بمفاز جزاء كائنا منه تفضلا منه بقدر ما وجب له فيما وعده من الأضعاف ، لأنه تعالى قدر الجزاء على ثلاثة أوجه : وجه منها على عشرة أضعاف ، ووجه على سبعمائة ضعف ، ووجه على ما لا نهاية ، والمعنى : راعيت في ثواب أعمالكم الحساب لئلا يقع فيه نقصان. وقرأ ابن قطيب «حسابا» بالتشديد بمعنى محسب. (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ). وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو برفع «رب» و «الرحمن». وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر بجرهما. وقرأ حمزة والكسائي بجر الأول مع رفع الثاني. (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) (٣٧) أي لا يملك أهل السموات والأرض أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم خطابا ما ، في شيء ما ، والوقف هنا كاف. (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ).
قال الضحاك والشعبي : هو جبريل وعن ابن مسعود أنه ملك أعظم من السموات والجبال. وعن ابن عباس هو ملك من أعظم الملائكة خلقا ، (وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) منهم في التكلم ، (وَقالَ صَواباً) (٣٨) أي وقال ذلك المأذون له بعد ورود الأذن له قولا صادقا حقا. وقيل : المعنى : لا يشفعون إلا في حق شخص أذن له الرحمن في شفاعته ، وذلك الشخص كان ممن قال صوابا ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، و «يوم» ظرف لقوله تعالى : (لا يَتَكَلَّمُونَ). (ذلِكَ) أي يوم قيامهم على الوجه المذكور ، (الْيَوْمُ الْحَقُ) أي الثابت من غير صارف (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) (٣٩) أي فمن شاء أن يتخذ مرجعا إلى ثواب ربه فعل ذلك بالإيمان والطاعة ، (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) أي خوّفناكم يا أهل مكة بالقوارع الواردة في القرآن ، (عَذاباً قَرِيباً) هو عذاب الآخرة ، وكل ما هو آت قريب. (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) و «ما» استفهامية ، أي يوم يبصر كل امرئ أيّ شيء قدّمت يداه ، مثبتا في صحيفته خيرا كان أو شرا وإما موصولة ، أي يوم ينظر كل امرئ إلى الذي قدمته يداه ، (وَيَقُولُ الْكافِرُ) لما قطع بالعقاب (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠) أي ليتني لم أبعث للحساب في هذا اليوم ، وبقيت ترابا كما كنت أوليتني