تفسير «هونا» فلم أجد ، فرأيت في النوم فقيل لي : هم الذين لا يريدون الفساد في الأرض. و «عباد» مبتدأ خبره الموصول و «ما» عطف عليه. (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ) بالسوء (قالُوا سَلاماً) (٦٣) أي ردوا معروفا كأن يقولوا لا خير بيننا وبينكم ، ولا شر فهو سلام توديع لا تحية. كقول سيدنا إبراهيم عليهالسلام لأبيه سلام عليكم : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) (٦٤) أي يحيون الليل بالصلاة ، و «سجدا» خبر «يبيتون». (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ) في دعائهم : (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) (٦٥) أي هلاكا لازما أي فإنهم مع اجتهادهم في العبادة خائفون من عذاب الله (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٦٦) وهذا يمكن أن يكون من كلام الله تعالى فهو مستأنف ، وأن يكون حكاية لقولهم تعليل بسوء حالها في نفسها عقب تعليل بسوء حال عذابها. والمعنى : أن جهنم بئست جهنم هي حال كونها مستقرا للعصاة من أهل الإيمان فإنهم غير مقيمين فيها وحال كونها مقاما للكافرين فإنهم يخلدون ويقال : إن جهنم أحزنت داخليها من جهة موضع استقرار ، ومن جهة موضع إقامة. (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) أي لم يجاوزوا حد الكرام (وَلَمْ يَقْتُرُوا) أي ولم يضيفوا تضييق الشحيح (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٦٧) أي وكان إنفاقهم بين الإسراف والإقتار وسطا.
وقرأ نافع وابن عامر «يقتروا» بضم التحتية وكسر الفوقية ، وابن كثير وأبو عمرو بفتح التحتية وكسر الفوقية ، والكوفيون بفتح التحتية وضم الفوقية فالقراءات السبعية ثلاثة والقاف على كل ساكنة. وقرئ «قواما» بكسر القاف ، أي ما يقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص. وكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ، ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة ، ولكن كانوا يأكلون ما يسد جوعتهم ويعينهم على عبادة ربهم ، ويلبسون ما يستر عوراتهم ويصونهم من الحر والبرد.
وروي أن رجلا صنع طعاما في أملاك ، فأرسل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «حق فأجيبوا». ثم صنع الثانية فأرسل إليه فقال : «خلق فمن شاء فليجب وإلا فليقعد». ثم صنع الثالثة فأرسل إليه فقال : «رياء ولا خير فيه». (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ) أي لا يعبدون (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ). والمقصود من هذا تنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) أي بالردة وبالقتل قودا ، وبالزنا بعد الإحصان ، فالمقتضى لحرمة القتل قائم أبدا وجواز القتل إنما ثبت بالمعارض فقوله تعالى : (حَرَّمَ اللهُ) إشارة إلى المقتضى وقوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) إشارة إلى المعارض (وَلا يَزْنُونَ). وعن ابن مسعود قلت : يا رسول الله أيّ الذنب أعظم؟ قال :«أن تجعل لله ندا وهو خلقك» قلت : ثم أيّ قال : «أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك» قلت : ثم أيّ قال : أن «تزني بحليلة جارك» (١). فأنزل الله تعالى هذه الآية تصديقا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ)
__________________
(١) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (١٠٢٢٧).