وأمّا ثانيا : فلما عرفت من أنّ هذا الإجماع إنّما يثمر إذا فرضنا انعقاده في نفي طريقيّة كلّ ما يحتمل كونه طريقا سوى الكتاب والسنّة وما يرجع إليهما ، وانحصار الطريق المجعول في نظر الإمام فيهما ، فإذا علمنا من جهته بأنّ الإمام لا يرضى بطريق غيرهما وعلمنا أيضا من جهة الخارج بأنّهما في الغالب ليسا إلاّ ظنّيين نعلم بأنّ الطريق المجعول في نظره بالنسبة إلينا إنّما هو الظنون المتعلّقة بهما كائنة ما كانت ، ولا يضرّ في ذلك علمنا باختلاف المجمعين في المشرب ، لما عرفت من أنّه في الحقيقة اختلاف في جهة التعبّد لا في تعيين ما يتعبّد به حتّى بالقياس إلى من يتمسّك بدليل الانسداد ، نظرا إلى أنّه بعد إحراز مقدّمة الانسداد وإثبات أنّهما في الغالب ليسا إلاّ ظنّيين إنّما يتمسّك به لنفي جهة العلميّة ، على معنى رجوع كلامه إلى القول بأنّ جهة التعبّد بهما لا ينبغي أن يكون كونهما علميّين مفيدين للعلم ، ليكون المطلوب من الرجوع إليهما تحصيل العلم بالواقع لئلاّ يلزم التكليف بغير المقدور ، فتعيّن أن يكون المطلوب من الرجوع إليهما هو الظنّ بالواقع ، وهذا معنى كون التعبّد بهما عند هذا القائل لجهة الظنّية ، ولذا تراه أنّ دليله لا يتمّ إلاّ بعد إحراز مقدّمات غير مقدّمة الانسداد يبطل بها جميع الاحتمالات المانعة عن الإنتاج الراجعة إلى مرجعيّة غيرهما بالإجماع ونحوه.
نعم المتمسّك بهذا الإجماع لابدّ له من أن يقطع النظر عن هذا الدليل لو كان تامّا في نظره ، أو يكون ممّن يناقش في بعض مقدّماته ، كأن يكون ممّن يجوّز التكليف بغير المقدور ، أو يكون مقصوده من التمسّك به إقامة الحجّة على الخصم الغافل عن دليل الانسداد ، أو المناقش في بعض مقدّماته وإن كان قد يفضي ذلك إلى إخراج المستندين إلى هذا الدليل عن مورد هذا الإجماع كالأخباريّة ، بمعنى فرض كون دخولهم مع المجمعين في القضيّة المجمع عليها كالحجر الموضوع في جنب الإنسان ، لفرض كون دخولهم معهم عن مدرك غير تامّ ، فيختصّ الإجماع الحقيقي الكاشف عن رأي الحجّة بغيرهم وفيه الكفاية ، نظرا إلى أنّ إجماعهم على نفي طريقيّة غير الكتاب والسنّة بالمعنى الأعمّ وانحصار الطريق فيهما اليوم معلوم ، ومستندهم في ذلك غير معلوم ، فينكشف بإجماعهم كون الطريق المرضيّ للحجّة مع ملاحظة ما ذكرنا من عدم كونهما علميّين في الغالب هو الظنون المتعلّقة بهما سندا ومتنا ودلالة ومعارضة.
لكن يبقى الإشكال في أنّ كون المرجع المرضيّ للحجّة هو الكتاب والسنّة مع انتفاء