ما لو حصل إجماعهم على طهارة شيء ـ كماء الغسالة ـ مع اختلافهم في المستند ، بأن استند بعضهم إلى دليل ظنّي بلغه ، والبعض الآخر إلى أصالة الطهارة في الأشياء الثابتة بالنقل ، والثالث إلى قاعدة عدم الدليل ، والرابع إلى أصالة البراءة من وجوب الاجتناب ، والخامس إلى استصحاب الطهارة السابقة ، والسادس إلى استصحاب البراءة الأصليّة الثابتة قبل زمان تعلّق التكليف وهكذا ، نظرا إلى أنّ فرقة من المجمعين هنا يتمسّكون بقاعدة الانسداد ، وهي نظير أصل البراءة ونحوه في المثال المذكور.
ولا ريب أنّ مثل هذا الإجماع لا يصلح كاشفا عن قول الإمام ، لجواز كون مذهبه بحسب الواقع نجاسة هذا الشيء.
ووجه الاندفاع أمّا أوّلا : فلأنّ الإجماع المفروض في المثال المذكور إمّا أن يكون مفروضا في حقّ العالم بمستند المجمعين أو في حقّ الجاهل بالمستند ، والأوّل خارج عن مورد التمسّك بالإجماع لاشتراطه بعدم العلم بالمستند تفصيلا ، ضرورة أنّه مع العلم به كذلك إن كان ممّن يقول باعتبار ذلك المستند وحجّيته فمستنده في معرفة الحكم هو ذلك المستند لا الإجماع ، ولذا يتبع الحكم في قطعيّته وظنّيته لذلك المستند ، ولا يعقل مع كون المستند المعلوم ظنّيا القطع بالحكم من جهة الإجماع ، وهو آية عدم تأثير للإجماع في هذا الفرض ، نظرا إلى أنّه يعدّ عندهم من الأدلّة القطعيّة.
وإن كان ممّن لا يقول باعتبار ذلك المستند فلا يحصل له شيء من القطع والظنّ بالحكم بهذا الإجماع ، لوضوح أنّ فساد المبنيّ عليه يقضي بفساد المبني.
والثاني غير ضائر في حصول الانكشاف للجاهل المطّلع على أصل الإجماع.
غاية الأمر أنّ المنكشف في حقّه على تقدير عدم المطابقة لمذهب الإمام بحسب الواقع يصير حكما فعليّا ظاهريّا باعتبار الواقع ، وإن كان هو ممّن يتعبّد به باعتقاد الواقع ولا بأس به ، نظرا إلى أنّ الأدلّة القطعيّة يراد بها ما يفيد القطع بالواقع ، ولا يشترط فيها المصادفة للواقع ، وهكذا يقال في محلّ البحث على معنى أنّ الإجماع المذكور إنّما ينهض دليلا لمن لم يطّلع على مستند المجمعين وأنّه بالنسبة إلى بعضهم ليس إلاّ قاعدة الانسداد ، وحينئذ فلا مانع من حصول الانكشاف بالنسبة إليه ، وإن بعد تحقّق هذا الفرض في الخارج بعد ملاحظة اشتهار هذا القول بما لا يكاد يخفى على أحد ، خصوصا بعد مراعاة التتبّع التامّ في الكتب الاصوليّة والفقهيّة.