الظهور يرد كلّ واحد من هذه الأحوال في مقابل واحد من تلك الظهورات : ظهور اللفظ في إرادة معناه الحقيقي فيكون التجوّز على خلاف هذا الظهور ، وظهور الكلام باعتبار هيئته التركيبيّة في عدم الحذف فيكون الإضمار على خلافه ، وظهور العامّ في تمام الأفراد فيكون التخصيص المخرج لبعض الأفراد على خلافه ، وظهور المطلق في الإطلاق فيكون التقييد على خلافه ، وظهور الخطاب بنفسه أو باعتبار قرينة المقام أو اقترانه بما يفيد العموم الأزماني في دوام الحكم واستمراره فيكون النسخ الرافع له على خلافه.
ولا يخفى أنّ هذه الظهورات مختلفة في القوّة والضعف ، ولذلك يرجّح بعض الأحوال المتعارضة على بعض باعتبار رجحان الظهور المقابل لمعارضه على الظهور المقابل له.
وأقوى هذه الأنواع في مرتبة الظهور ظهور العامّ في العموم الأزماني ، ولذا صار النسخ في أعلى مراتب المرجوحيّة ، وأضعفها ظهور العامّ في العموم الأفرادي فلذا صار التخصيص في أعلى مراتب الرجحان.
ومن هنا يرجّح التخصيص على النسخ عند وقوع التعارض بينهما ، بأن يرد في الكلام عامّ أفرادي وعامّ أزماني وتعذّر الأخذ بعموم كليهما وانحصر المناص في طرح أحد الظهورين إمّا بالتخصيص أو بالنسخ فيقدّم التخصيص لكونه أقوى وأرجح ، ومرجعه إلى تقديم العموم الأزماني على العموم الأفرادي ، ومدركه الغلبة فإنّ التخصيص أغلب بمراتب شتّى من النسخ وإنّ النسخ في غاية الندرة ، حتّى أنّه في الندرة بمكانة أنكر بعض وقوعه في الشريعة ، والتخصيص في الكثرة والشيوع بمثابة قيل : « ما من عامّ إلاّ وقد خصّ منه » وربّما يقع الإشكال في أنّ العموم الأزماني الراجح على العموم الأفرادي هل هو من مقتضيات اللفظ أو خارج اللفظ من قرينة مقام ونحوه؟
والحقّ أنّ الموارد مختلفة في ذلك ، فقد يكون من مقتضيات اللفظ كما لو قال : « افعل كذا في كلّ وقت وكلّ حين ، أو كلّ زمان ، أو ما دمت حيّا ، أو كلّما كان كذا افعل كذا » أو نحو ذلك ممّا يؤدّي هذا المؤدّى من ألفاظ العموم الأزماني ، وقد يكون من مقتضيات المقام كما لو ورد الخطاب في مقام تشريع الحكم واتّخاذه عند الجعل والإنشاء شريعة لنفسه ودينا لرعيّته ، فإنّ كون الشيء من الشريعة والدين ممّا يقتضي استمراره ، كما يرشد إليه الوجدان ويساعد عليه طريقة العرف وأهل اللسان.