أخبار التخيير خرط القتاد.
نعم قوله عليهالسلام : « إذن تخيّر أحدهما ودع الآخر » في ذيل المقبولة مقيّدا بالتساوي من جهة المرجّحات المذكورة فيها ، غير أنّه لا يلازم كونه مقيّدا بالتساوي من جهة سائر المرجّحات الغير المذكورة فيها ، إلاّ أن يستفاد منها عدم وجوب الاقتصار على ما ذكر فيها بل وجوب التعدّي إلى كلّ مزيّة أوجبت أقربيّة ذيها إلى الواقع ، وبعد استفادة ذلك صار التخيير المستفاد منها مقيّدا بالتكافؤ من جهة جميع المزايا المنصوصة والغير المنصوصة ، ثمّ يحمل عليه سائر مطلقات أخبار التخيير من باب حمل المطلق على المقيّد.
فالعمدة في المقام إنّما هو النظر في استفادة وجوب الترجيح بكلّ مزيّة موجبة لأقربيّة ذيها إلى الواقع ، ويكفي في ذلك ما نبّهنا عليه عند شرح المقبولة ، فإنّ فيها على ما نبّهنا عليه مواضع من الدلالة على هذا المطلب ، ولا بأس بالإشارة إلى بعض تلك المواضع هنا.
فمن جملة ذلك الترجيح بالأصدقيّة في المقبولة ، وفي معناه الترجيح بالأوثقيّة في مرفوعة زرارة ، فإنّ الصدق عبارة عن مطابقة الواقع والأصدق بصيغة التفضيل عبارة عن الأقرب إلى مطابقة الواقع ، فالترجيح بالأصدقيّة مرجعه إلى الترجيح بالأقربيّة إلى الواقع ، فيدلّ ذلك على أنّ المناط في باب الترجيح إنّما هو الأقربيّة من دون مدخليّة لخصوص سبب دون آخر ، فلو كان راوي أحدهما أضبط وأثبت أو أعرف باللغة في مقام النقل بالمعنى كان خبره أقرب إلى مطابقة الواقع ، ومن ذلك يجوز التعدّي إلى غير صفات الراوي من الكيفيّات اللاحقة بالرواية كالنقل باللفظ والنقل بالمعنى ، فالمنقول باللفظ أقرب إلى الواقع إذ لا يحتمل فيه ما يحتمل في المنقول بالمعنى من الاشتباه في فهم المعنى والغفلة عن حقيقة المراد.
ومن جملة ذلك أيضا تعليل الإمام عليهالسلام للترجيح بالشهرة في الخبر المشهور بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، بتقريب : ما مرّ من عدم كون المراد من الريب المنفيّ فيه سنخ الريب وطبيعته ليلزم من نفيه كون الخبر قطعيّا في سنده ومتنه ودلالته ، وإلاّ لم يمكن كونهما معا مشهورين على ما فرضهما الراوي بعد ذلك ، بل الريب الإضافي ، على معنى أنّه ليس فيه الريب المحتمل في الخبر الشاذّ.
فحاصل التعليل : أنّ المجمع عليه لا يحتمل فيه ما يحتمل في الشاذّ ، ولا ريب أنّ ما كان من الخبرين أقلّ احتمالا كان أقرب إلى الواقع ، وما كثر الاحتمال فيه كان أبعد عن