بل قيل ادّعى بعضهم ظهور الإجماع على وجوب العمل بالراجح من الدليلين وعدم ظهور الخلاف فيه ـ أو لا؟ بل يجب الاقتصار على المنصوص بالخصوص كما عليه الأخباريّون ، حتّى أنّه طعن غير واحد منهم على المجتهدين بأنّهم يعتمدون في الترجيحات على امور اعتمد عليها العامّة في كتبهم ممّا ليس منه في النصوص عين ولا أثر ، ومن ذلك ما عن صاحب الحدائق في مقدّمات الكتاب من « أنّه قد ذكر علماء الاصول من الترجيحات في هذا المقام ما لا يرجع أكثرها إلى محصّل ، والمعتمد عندنا ما ورد من أهل بيت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأخبار المشتملة على وجوه الترجيحات » انتهى.
وظاهر أنّه كما أنّ فائدة البحث عن أصل وجوب الترجيح وعدمه إنّما تظهر على القول بحجّية أخبار الآحاد من باب الظنّ الخاصّ لا من باب الظنّ المطلق المنوط بالظنّ الشخصي الّذي لم ينفتح بابه إلاّ بدليل الانسداد ـ بل قد عرفت أنّ على هذا المذهب لا يعقل التعارض بين الخبرين ولا يقع قطّ حتّى يرجع لعلاجه إلى المرجّحات ثمّ ينظر في جواز التعدّي وعدمه ، بل المناط هو الظنّ الشخصي وهو دائما يكون مع أحد المتعارضين فيخرج الآخر عن الحجّية ـ فكذلك فائدة البحث عن التعدّي والاقتصار أيضا تظهر على هذا القول ، إذ على الظنّ المطلق ينوط الأمر بالعمل بكلّ مزيّة أوجبت الظنّ الشخصي بصدور الخبر أو مطابقته الواقع منصوصة كانت أو لا.
وحينئذ نقول : إنّ مقتضى الأصل من جهة الاشتغال بعد ثبوت التكليف في المتعارضين بالعمل إمّا بأحدهما على التعيين أو بكلّ منهما على التخيير هو تعيّن العمل بما اشتمل منهما على ما احتمل كونه مرجّحا عند الشارع ، لكونه مبرئ للذمّة على اليقين بخلاف غيره ، لكون جواز العمل به بل كونه مبرئ للذمّة مشكوكا.
هذا مضافا إلى أنّ المستفاد من أخبار الترجيح المتكفّلة لبيان المرجّحات ـ ولو بمعونة فهم جمهور الأصحاب وفتاويهم ـ وجوب العمل بكلّ مزيّة أوجبت أقربيّة ذيها إلى الواقع كائنة ما كانت ، وبذلك يخرج عن إطلاقات أخبار التخيير المتناولة لصورتي وجود المرجّحات الغير المنصوصة مع أحد المتعارضين وانتفائها الحاكمة أو الواردة على الأصل المذكور بحملها على صورة التكافؤ من جميع الجهات من باب حمل المطلق على المقيّد.
وقد يمنع إطلاقها أيضا بدعوى اختصاصها بصورة التكافؤ من جميع الوجوه استنادا إلى شهادة التأمّل الصادق فيها بذلك ، ودون استفادة الاختصاص المذكور من نفس