ويشكل هذا البيان بعدم جريانه في حقّ من تأخّر عن الراوي إلى زماننا هذا ، فلم يثبت كون الأحدثيّة مرجّحة مطلقا ، بل غاية ما ثبت كونها مرجّحة في خصوص المخاطب الواحد الّذي اختلف في حقّه الخبران على الوجه الوارد في روايتي الكناني وابن المختار.
اللهمّ إلاّ أن يقال : بتعيّن الأخذ بالأحدث لغير المخاطب أيضا ممّن تأخّر عنه ، بتقريب : أنّ صدور هذا الخبر لمخاطبه بحسب الواقع إن كان على جهة بيان الحكم الواقعي فلابدّ لنا من الأخذ به أيضا لمشاركتنا لهم في التكاليف ، وإن كان على جهة التقيّة وكان موجب التقيّة موجودا في حقّنا أيضا فلا مناص لنا من الأخذ به أيضا لوجوب التقيّة علينا أيضا ، وإلاّ فيقع الشكّ في جهة صدور هذا الخبر هل هي التقيّة أو بيان الواقع؟ فينفى احتمال التقيّة فيه بأصالة عدمها الّتي هي من الاصول المحكّمة المجمع عليها ، وبعد انضمام ذلك الأصل إليه يتعيّن الأخذ به أيضا.
ولا يعارض ذلك الأصل بأصالة عدم التقيّة في الخبر المتقدّم ، لأنّا لم نقصد به إلى إثبات كون صدور الخبر المتقدّم على جهة التقيّة ليقابل بنحو هذه المعارضة.
ولكن في هذا البيان من المغالطة ما لا يخفى ، إذ على تقدير كون صدور الخبر الأحدث لمخاطبه على جهة التقيّة ـ كما عليه مبنى الشقّ الثاني من الترديد ـ فلا يعقل الشكّ في جهة صدوره وأنّها التقيّة على تقدير عدم تحقّق موجب التقيّة بالنسبة إلينا ، بل قضيّة ذلك أن لا يجوز لنا الأخذ به ويتعيّن الأخذ بالخبر المتقدّم ، فالبيان المذكور واضح الفساد جدّا.
وهاهنا بيان آخر وهو : أنّا نفرض الخبر الأحدث ابتداء مشكوك الحال من حيث جهة صدوره ـ أهو التقيّة أو لا؟ ـ في نظرنا كما هو كذلك بالفرض ، وبانضمام أصالة عدم التقيّة إليه نثبت تعيّن العمل به.
ولكن يزيّفه أيضا : أنّ الخبر المتقدّم أيضا مشكوك الحال في نظرنا من هذه الجهة ، وجريان الأصل المذكور لنفي احتمال التقيّة به متساوي النسبة إليه وإلى الخبر الأحدث ، فإعماله في أحدهما دون الآخر تحكّم بحت وترجيح بلا مرجّح. ويمكن إثبات تعيّن الأخذ به ببيان ثالث وهو : أنّ الأحدثيّة في الخبر الأحدث ما يحتمل كونه مرجّحا في نظر الشارع ، فبانضمام قاعدة الاشتغال يتعيّن الأخذ به لا بالخبر المتقدّم.
وهذا أيضا ضعيف ، باعتبار أنّه عدول عمّا نصّ بكونه مرجّحا في الروايتين إلى إثبات تعيّن العمل بقاعدة الاشتغال ، والمقصود بالبحث مرجّحية الأحدثيّة ليكون تعيّن العمل