وفي معناه مرسلة
الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « أرأيتك لو حدّثتك بحديث العام ثمّ جئتني من قابل
فحدّثتك بخلافه بأيّهما كنت تأخذ؟ قال كنت آخذ بالأخير ، فقال لي : رحمك الله
تعالى ».
ووجه الإشكال :
أنّ أحدثيّة أحد الخبرين وتأخّر صدوره عن الآخر لا مدخليّة لها في الترجيح ، وليست
مزيّة في الخبر المتأخّر لتوجب تعيّن الأخذ به ، فما معنى الترجيح بها؟ ويمكن
الذبّ عن هذا الإشكال : إمّا بأن يقال : إنّ هذا تعبّد من الشارع فيجب علينا
اتّباعه وإن لم نعلم حكمته كسائر موارد التعبّد.
أو يقال : بكون
ذلك من باب النسخ حيثما اجتمع شرائطه ، فيكون الخبر المتأخّر ناسخا ، ومن حكم
الناسخ تعيّن الأخذ به ، بناء على جوازه بعد انقطاع الوحي ، مع كون معنى ناسخيّة
المتأخّر كشفه عن انتهاء مدّة الحكم في وقت صدوره ، وقد أخبر به النبيّ وصيّه في
زمان الوحي وأعلمه إيّاه وأمره بإظهاره في وقته ، كما يشهد له موثّقة محمّد بن
مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما بال أقوام يروون عن فلان عن فلان عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يتّهمون بالكذب ، فيجيء منكم خلافه؟ قال : « إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ
القرآن » ولكن يأباه قوله ـ : « أبي الله إلاّ أن يعبد سرّا ـ إلى قوله ـ : أبي
الله لنا في دينه إلاّ التقيّة ».
أو يقال : بخروج
الخبرين مخرج التقيّة العمليّة الراجعة إلى الراوي المخاطب لا التقيّة القوليّة
المخصوصة بالإمام عليهالسلام في البيان مع تردّدها بين الخبر المتقدّم أو الخبر
المتأخّر وتعيّن التعبّد بالمتأخّر على التقديرين.
والسرّ في ذلك :
أنّ موجب التقيّة في حقّه إن كان متحقّقا حال صدور الأوّل كان الثاني صادرا على
جهة بيان الواقع ، وإن كان متحقّقا حال صدور الثاني كان ذلك الثاني صادرا على جهة
التقيّة ، وعلى التقديرين يجب التعبّد به.
وبعبارة اخرى :
إنّ في زمان صدور الأخير إن لم يكن موجب التقيّة متحقّقا في حقّه وجب عليه اتّباعه
على أنّه الحكم الواقعي ، وإن كان متحقّقا وجب عليه اتّباعه على أنّه الحكم
الظاهري التابع للتقيّة.
وأمّا احتمال
تعيّن التعبّد بالأوّل فممّا يقطع بانتفائه ، لاستلزامه كون الأخير صادرا على جهة
التقيّة القوليّة المخصوصة بالإمام عليهالسلام ، أو كونه صادرا على جهة اللغويّة ، والأوّل خلاف الفرض
والثاني محال على المعصوم الحكيم.