وعليه فلا ينافي ذلك عدم استمرار الأحكام الفعليّة المجعولة للمجتهدين وغيره ممّن لا يتمكّن من الوصول إلى الأحكام الواقعيّة الموجودة عند أهل البيت.
ويمكن القول بأنّ المراد بتلك الروايات استمرار شريعة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى يوم القيامة بعدم طروّ نسخ لها ، ومعناه أنّه لا يأتي بعده نبيّ آخر ولا بعد شريعته شرع آخر ناسخ لها ، كما يظهر إرادة هذا المعنى من بعض الأخبار المتقدّمة كخبر زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحلال والحرام؟ فقال عليهالسلام : « حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، لا يكون غيره ولا يجيء غيره » (١).
وحينئذ يندرج فيها الأحكام الفعليّة المستفادة من الطرق الظنّية المعلّقة على حياة المجتهد عند من يقول بأنّها تموت بموت المجتهد لدليل دلّه عليه ، لأنّها أيضا من شريعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم في حقّ العاجز الغير المتمكّن من العلم ، ولا يطرأها أيضا نسخ بالمعنى المذكور ، وانقطاعها بموت المجتهد ليس من باب النسخ ، بل هو من جهة ارتفاع موضوعها ، أو لقصور ما دلّ على وجوب اتّباعها عن إطلاق ذلك حتّى بالقياس إلى ما بعد الموت.
ومنها : أنّهم صرّحوا بأنّ محلّ الاجتهاد مسألة لم تكن من ضروريّات الدين ولا المذهب ، ولم يكن لله تعالى دلالة قطعيّة عليها ، ونحن قد أثبتنا أنّ لله تعالى في كلّ واقعة تحتاج إليها الامّة إلى يوم القيامة حكما معيّنا ودليلا قطعيّا عليه ، وأنّ كلّ الأحكام والدلالات القطعيّة عليها ـ أي النصوص الصريحة فيها ـ محفوظة عند معادن وحي الله وخزّان علمه ، والناس مأمورون بطلبها من عندهم عليهمالسلام (٢).
وفيه : أنّه بعد الاعتراف بأنّ الدلالات القطعيّة كنفس الأحكام محفوظة عند الأئمّة عليهمالسلام والمفروض عدم حضورهم بين الامّة وعدم إمكان الوصول إليهم ، فأيّ منافاة لهذه المقدّمات ـ على فرض تسليمها ـ لطريقة المجتهدين العاجزين عن أخذ الأحكام المحفوظة لديهم عنهم؟
وكيف يعقل كونهم مأمورين بطلبها من عندهم؟ فإنّ التكليف بما فوق الطاقة قبيح عقلا وشرعا وعرفا! وهذا هو العمدة في الدلالة على كون مظنوناتهم ما داموا في هذه الحالة أحكاما فعليّة في حقّهم وحقّ مقلّديهم.
هذا مع إمكان أن يقال : من أنّ المراد بالدليل ـ فيما دلّ على أنّ لكلّ حكم معيّن في
__________________
(١) الكافي ١ : ٥٨ ، ح ١٩.
(٢) الفوائد المدنيّة : ٢٤٩.