وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ الموضوعين المتغايرين إنّما هو الواقعة من حيث انطباقها على فتوى المجتهد الأوّل والواقعة من حيث انطباقها على فتوى المجتهد الثاني ، وما ظنّه المجتهد ليس إلاّ الحكم الظاهري وهو المستصحب مع آثاره الشرعيّة المترتّبة عليه ، وليس الغرض من استصحابه انسحاب حكم الواقعة من حيث انطباقها على فتوى المجتهد الأوّل إليها من حيث انطباقها على فتوى المجتهد الثاني ، بل انسحاب حكمها إلى ما بعد العدول ليكون نتيجته عدم خروج الواقعة عن مقتضى فتوى المجتهد الأوّل ودخولها في مقتضى فتوى المجتهد الثاني.
واستدلّ على المختار أيضا : بالإجماعات المنقولة ، وبلزوم المخالفة القطعيّة العمليّة فيما إذا دار الأمر بين المحذورين ، كما لو قال أحدهما بوجوب شيء والآخر بحرمته ويتمّ في الباقي بعدم القول بالفصل ، وبلزوم الهرج والمرج في الدين لأدّائه إلى إناطة أمر التقليد بالدواعي النفسانيّة فيخرج أمر الشريعة عن الانتظام.
وفي الجميع ما لا يخفى ، إذ لم نقف من الإجماعات المنقولة إلاّ على ما تقدّم من الاتّفاقات المحكيّة على لسان جماعة من العامّة ، ويزيّفها : أنّ اتّفاق العامّة ما لم يعتضد بموافقة أصحابنا ممّا لا عبرة به فكيف باتّفاقهم المنقولة. مع مخالفة جماعة من أساطين أصحابنا ، فهي موهونة بمصير الجماعة إلى الخلاف جدّا.
والقبيح من المخالفة القطعيّة العمليّة ما لو كان أصل عمل بعينه مخالفة بعنوان القطع ، فالقبح صفة العمل المخالف في صورة القطع بكونه مخالفا لا الإتيان بعمل أوجب القطع بتحقّق مخالفة مردّدة بينه وبين غيره ممّا وقع ، مع أنّ كلّ مخالفة قطعيّة بالنظر إلى الحكم الواقعي معها موافقة قطعيّة أيضا ، فلو اقتصر على التقليد الأوّل لم يقطع بالامتثال بالنظر إلى الحكم الواقعي وإن قطع به بالنظر إلى الحكم الظاهري بخلاف ما لو عدل إلى تقليد آخر مخالف للأوّل ، مع أنّ المخالفة القطعيّة بالمعنى المذكور ليست بعادم النظير بل كم من مثلها في نظائر المقام ، كما في صورة تجدّد رأي المجتهد أو موته أو فسقه أو جنونه وفقده لسائر الشروط الموجب للعدول.
وأمّا لزوم الهرج والمرج فمع إمكان منع الملازمة فيه فليس بشيء يعوّل عليه في تأسيس حكم شرعي وإن كان يصلح تأييدا للدليل.
وبالجملة فالمعتمد من الوجوه المستدلّ بها على منع العدول من التقليد إنّما هو الأصل