ومن المفضول إلى الفاضل ، ومحلّ النزاع إنّما هو الرجوع في الوقائع اللاحقة من المسألة المقلّد فيها لا الوقائع السابقة ولا المتلبّس بها ، فمن توضّأ بالمضاف وصلّى به أو صلّى بغسل غير الجنابة بلا وضوء أو لم يجتنب في صلاته عن الغسالة أو عن الماء القليل الملاقي للنجاسة أو عقد امرأته بالعقد الفارسي تقليدا لمجتهد جوّز جميع ذلك فلا يجوز له العدول في هذه الأعمال بنقض آثار التقليد فيها بلا خلاف ، وقد يعدّ عدم الجواز من شرائط التقليد بالقياس إلى المسألة المقلّد فيها ، فيقال : يشترط فيه أن لا يكون المسألة مسبوقة بتقليد مجتهد آخر.
وكيف كان ، فلنا على عدم الجواز : الأصل المقتضي لوجوب الأخذ بالقدر المتيقّن ممّا يفيد البراءة ويوجب الخروج عن العهدة وهو البقاء على تقليد المعدول عنه ، لأنّه لا كلام في صحّة هذا التقليد بخلاف تقليد المعدول إليه فإنّه ليس بتلك المثابة.
مضافا إلى استصحاب الأحكام الفرعيّة المترتّبة على التقليد الأوّل من وجوب اجتناب وحرمة ارتكاب ووجوب إتيان أو استحبابه أو إباحته أو نحو ذلك ، ومرجعه إلى استصحاب بقاء تعلّق الأحكام الفعليّة اللازمة من فتوى المعدول عنه القاضي بعدم جواز العدول ولا صحّته ، مع أصالة عدم تعلّق أضداد هذه الأحكام من مقتضى فتوى المعدول إليه بعد العدول به.
وإن شئت قلت : إنّ قضيّة الأصل والاستصحاب عدم ارتفاع آثار التقليد الأوّل التابعة لفتوى المجتهد المعدول عنه المتعلّقة بالمقلّد ، وعدم حدوث تعلّق آثار تقليد المعدول إليه بالمقلّد بالعدول ، وهذا معنى عدم مشروعيّة العدول وعدم تأثيره في تجدّد تعلّق الآثار التابعة لفتوى المعدول إليه ، ولا يعنى من عدم جواز العدول عن التقليد بالقياس إلى الوقائع الآتية إلاّ هذا.
ولكن قد يناقش في الاستصحاب بتبدّل موضوع المستصحب ، إذ الثابت في حقّ المقلّد إنّما هو حكم الواقعة من حيث كونها من جزئيّات ما ظنّه المجتهد الّذي اختار تقليده أوّلا وإذا اختار تقليد مجتهد آخر مخالف للأوّل في الرأي تغيّر الموضوع الأوّل ، لاتّصاف الواقعة حينئذ بحيثيّة اخرى وهي كونها من جزئيّات ما ظنّه ذلك المجتهد ، وهذان موضوعان متغايران يوجب تعدّد الحكم الظاهري المعلّق عليهما الثابت في الواقعة الواحدة على حسب تعدّد الآراء ، ومن المستحيل انسحاب حكم أحد الموضوعين إلى آخر بالاستصحاب.