ضلالة ممّن أخذ بذلك ، وزعم أنّ ذلك يسعه.
والله إنّ لله على خلقه أن يطيعوه ، ويتّبعوا أمره في حياة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعد موته ، هل يستطيع اولئك أعداء الله أن يزعموا أنّ أحدا ممّن أسلم مع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه؟ فإن قال : نعم ، فقد كذب على الله وضلّ ضلالا بعيدا ، وإن قال : لا ، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه فقد أقرّ بالحجّة على نفسه ، وهو ممّن يزعم أنّ الله يطاع ويتّبع أمره بعد قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد قال الله وقوله الحقّ : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ )(١) وذلك لتعلموا أنّ الله يطاع ويتّبع أمره في حياة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعد قبض الله محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لأمر محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فكذلك لم يكن لأحد من بعد محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأخذ بهواه ولا برأيه ولا مقائيسه » (٢).
وعن كتاب المحاسن عن أبي عبد الله عليهالسلام في رسالة إلى أصحاب الرأي والمقائيس ، « أمّا بعد ، فإنّ من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقائيس لم ينصف ولم يصب حظّه ، لأنّ المدعوّ إلى ذلك لا يخلو أيضا من الارتياء والمقائيس ، ومتى ما لم يكن بالداعي قوّة في دعائه على المدعوّ لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعوّ بعد قليل ، لأنّا قد رأينا المتعلّم الطالب ربّما كان فائقا لمعلّم ولو بعد حين ، ورأينا المعلّم الداعي ربّما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو ، وفي ذلك تحيّر الجاهلون وشكّ المرتابون وظنّ الظانّون ، ولو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الرسل بما فيه الفصل ولم ينه عن الهزل ولم يعب الجهل.
ولكنّ الناس لمّا سفهوا الحقّ وغمطوا النعمة واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله واكتفوا بذلك دون رسله والقوّام بأمره ، وقالوا : لا شيء إلاّ ما أدركته عقولنا وعرّفته ألبابنا فولاّهم الله ما تولّوا وأهملهم وخذلهم حتّى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون ، ولو كان الله رضي منهم اجتهادهم وارتيائهم فيما ادّعوا من ذلك لم يبعث الله إليهم فاصلا لما بينهم ، ولا زاجرا عن وصفهم.
وإنّما استدللنا إنّ رضا الله غير ذلك ببعثه الرسل بالامور القيّمة الصحيحة ، والتحذير
__________________
(١) آل عمران : ١٤٤.
(٢) روضة الكافي : (٢ ـ ٦) ، ح ١.