الإجماع أيضا إنّما أفاد كون مؤدّاهما حكما ظاهريّا يجب بناء العمل عليه والإفتاء به على الوجه الكلّي من دون نظر فيه إلى واقعة دون اخرى.
والمفروض أيضا أنّه لم يطرأه من الامور الوجوديّة ولا العدميّة ما يوجب زوال وصف الظاهريّة عنه ، حتّى أنّه لو فرض طروّ نسيان الدليل أو زيادة قوّة الاستنباط لم يكن له تأثير في زوال الوصف ، لأنّ المعتبر في الحكم الظاهري وجود الدليل وعلمه باستناد ثبوته إليه باجتهاده لا تذكّره والعلم به بعينه عند كلّ واقعة ، وزيادة القوّة محتملة للتأكيد والتأسيس فلا تنهض رافعة للوصف ولو بحكم الاستصحاب ، كيف وهي في حقّ المشتغل الغير التارك تتزايد يوما فيوما وتتكامل حينا بعد حين ، فلو كانت له مدخليّة في الوصف وجودا وعدما لوجب التجديد وتكرير الاجتهاد مدّة العمر.
وهذا مع أنّه ممّا لم يقل به أحد يستلزم من العسر والحرج ما لا يتحمّل عادة.
وإن اريد به الوجوب الوضعي الّذي يعبّر عنه بالوجوب الشرطي بالمعنى المتقدّم.
ففيه : أنّ الشرطيّة ممّا لا دليل عليه والأصل عدمها ، مع أنّ شرطيّة تكرير الاجتهاد ليس له معنى محصّل إلاّ كون المجموع من الاجتهاد الأوّل والاجتهاد الثاني علّة مركّبة للحكم الظاهري الّذي يجوز العمل والإفتاء به ، وهذا خلاف مقتضى مدرك المسألة من دليل أو أصل ، وخلاف مقتضى دليل حجّية ذلك المدرك أو اعتباره ، فليتدبّر.
حجّة القول المختار عدا ما بيّنّاه على ما عثرنا عليه محصّلا ومحكيّا امور :
أحدها : استصحاب الحكم السابق الثابت بالاجتهاد الأوّل ، فإنّه يقتضي جواز العمل والإفتاء به عند كلّ واقعة.
وهذا بظاهره حسن إلاّ أنّه قد يناقش فيه : بأنّ الاستصحاب إنّما يكون حجّة عند عدم قيام دليل شرعي على خلافه ولو ظاهر عموم أو إطلاق.
ولا ريب أنّ قضيّة العمومات والإطلاقات المانعة من العمل بالظنّ هو عدم جواز الأخذ به في شيء من الأحوال والأزمان ، خرج من ذلك ظنّ المجتهد المطلق حال الابتلاء بالواقعة الاولى عقيب الاجتهاد بالإجماع ، وأمّا ظنّه حال الابتلاء بالوقائع المتجدّدة فممّا لا إجماع على خروجه ، فقضيّة أصالة العموم أو الإطلاق بالقياس إليه هو المنع من الأخذ به ، وهذا كما ترى أصل لفظي لا مجرى معه للاستصحاب.
وإن شئت قلت : إنّ مرجع ذلك إلى التمسّك بالعموم الأحوالي المنساق من الأدلّة