المانعة بالقياس إلى كلّ ظنّ ، والقدر المتيقّن ممّا خرج منه بالتخصيص إنّما هو ظنّ المجتهد في حالة مخصوصة وهي حالة الابتلاء بالواقعة الاولى ، وأمّا هو في غير تلك الحالة فهو باق تحت العموم المذكور ولو بحكم الأصل.
ويمكن الذبّ عنها : بأنّ هذا إنّما يستقيم إذا لم يطرأ العامّ ما يقتضي إجماله.
ولا ريب أنّ المخرج بالدليل ـ من إجماع ونحوه ـ من أدلّة المنع إنّما هو ظنّ المجتهد حال الابتلاء بالواقعة الاولى عقيب الاجتهاد الأوّل ، وظنّه أيضا حال الابتلاء بالوقائع المتجدّدة عقيب الاجتهاد الآخر ، وأمّا ظنّه حال الابتلاء بالوقائع المتجدّدة من دون اجتهاد فلا يعلم دخوله في حكم المخصّص أو في حكم العامّ لإجمال المخصّص الّذي هو على ما حقّق في محلّه يسري إلى العامّ ، إلاّ أنّه يحكم فيه أيضا بالجواز استصحابا للحالة السابقة.
وفيه أوّلا : أنّه لا إجمال في المخصّص هنا إذ لا إجماع بالقياس إلى الحالة المذكورة ، لا أنّه انعقد الإجماع على خروج ظنّ المجتهد مع إجمال في معقده بالقياس إلى الأحوال المذكورة.
وثانيا : أنّه ليس من الإجمال الّذي يسري إلى العامّ على تقدير تسليمه في معقد الإجماع ، كما في قوله : « أكرم العلماء إلاّ بعض اليهود » أو « لا تكرم الاشتقاقيّين » مع كون الإجمال في أنّ المخرج من العلماء هل هو علماء الصرف أو أصحاب التكسير ، بل هو نظير الإجمال في قوله : « لا يتيمّم بشيء إلاّ بالصعيد » حيث يؤخذ فيه بالقدر المتيقّن ممّا اريد من « الصعيد » وهو التراب ويرجع في غيره من أجزاء وجه الأرض إلى حكم العامّ لأصالة العموم وأصالة عدم التخصيص ، ففيما نحن فيه أيضا يؤخذ بالقدر المتيقّن من معقد الإجماع ويرجع في الباقي إلى عمومات المنع وإطلاقاته.
وثانيها : أنّ الواجب على المجتهد تحصيل الحكم بالاجتهاد وقد حصل ، فوجوب الاستيناف عليه بعد ذلك يحتاج إلى دليل وليس بظاهر ، بناء على أنّ الأمر لا يقتضي التكرار والأصل عدم الاطّلاع في الاجتهاد الثاني على ما لم يطّلع عليه في الاجتهاد الأوّل.
ويمكن المناقشة فيه أيضا : بأنّ تجويز العمل بالحكم أو الإفتاء به عند تجدّد الواقعة من غير تجديد النظر بعد تحكيم عمومات المنع من العمل بالظنّ يحتاج إلى دليل ، لا أنّ وجوب تجديد النظر يحتاج إلى دليل.
وثالثها : أنّ وجوب تجديد النظر يؤدّي إلى العسر العظيم والحرج الشديد فيكون منفيّا