بالظنّ دون الحكم عجز من تركك طلب اليقين بالوجود بناء على كون « اللام » للتعليل ، وهذا تعريض على الزنديق بتقصيره في طلب اليقين بوجود الصانع ، إذ لو طلبه لوجده سريعا بالضرورة.
وأمّا دعوى الظنّ فإمّا لأنّه من أصله كان ظانّا أو لانقلاب جزمه ظنّا بتوهين الإمام عليهالسلام أو إشعاره بالقاعدة المشار إليها ، أو لأنّ الظنّ قد يشتبه حاله فيظنّه صاحبه جزما لعدم التفاته إلى منشأ الاحتمال ، فسؤاله عليهالسلام هنا أوجب التفاته إلى منشأ الاحتمال ، وقوله : « ما كلّمني بهذا أحد غيرك » اعتراف منه وإقرار بأنّه لا ينبغي للعاقل جحد ما لا يعرف ، ولو كلّمه بهذا لما جحد.
وقوله عليهالسلام : « وأنت من ذلك في شكّ » طلب إقرار منه بشكّه وعدم كون جحده عن اعتقاد جزمي ولا ظنّي لزواله ـ لو كان ـ بما استشعر وتنبّه عليه من القاعدة في ضمن النظر.
قوله عليهالسلام « فلعلّه هو » تفسير لصورة الشكّ العارضة للزنديق ، والضمير المتّصل فيه وفيما بعده راجع إلى « ما بينهنّ » مثلا والمنفصل من أسماء الصانع تعالى ، وقول الزنديق : « ولعلّ ذلك » أي لعلّني في شكّ من ذلك ، ولم يصرّح بكونه شاكّا وإنّما ذكره بصورة الاحتمال لكونه شاكّا في شكّه وإن بعد تحقّقه.
ثمّ إنّ الإمام عليهالسلام بعد ما أحسّ خلوّ ذهن الزنديق عن الضدّ المنافر ألزمه بعدم حجّة له لكونه جاهلا عليه عليهالسلام لكونه عالما ، فأمر بالتفهّم وتطلّب العلم بوجود الصانع ، واستدلّ له عليه بخمسة أوجه دعته إلى الإيمان والإقرار به.
ومن المعلوم أنّ جميع الزنادقة لو صنعوا مثل ما صنع هذا الزنديق وخرجوا في طلب العلم واستفراغ الوسع لاطّلعوا على الدليل الموصل إلى العلم وحصل لهم العلم.
فإن قلت : إنّ تكليف المخطىء بنقيض اجتهاده تكليف بما لا يطاق كما تقدّم في احتجاج الجاحظ.
قلت : المحال إنّما هو التكليف بالعلم بشرط مؤدّى الاجتهاد وهو الاعتقاد المخالف جزما أو ظنّا ، لا التكليف بالعلم حال الخلوّ عن هذا الاعتقاد ، فهذا المجتهد قبل اجتهاده المؤدّي إلى الاعتقاد المخالف كان مكلّفا بتحصيل المعارف لا محالة لبطلان عدم تكليفه بشيء بالضرورة.
وحينئذ فإمّا أنّه كان مكلّفا بنقيض اجتهاده وهو العلم ، أو بمؤدّاه وهو الاعتقاد