في الشكل الأوّل ـ بحيث يلزم من العلم به العلم بالنتيجة بملازمة عقليّة مستندة إلى ذاتي المقدّمتين والنتيجة ، وهي الّتي عبّر عنها بالاستلزام لذاته في تعريف الدليل على مصطلح المنطقيّين ، فإنّه قولان فصاعدا يستلزم لذاته قولا آخر ، فالاستلزام لبداهة حكم العقل بالملازمة بعد تحقّق الملزوم بيّن لا يمكن الاسترابة فيه.
نعم إنّما يتطرّق الاسترابة عند القدح في الدليل إلى الملزوم بالقدح في الصغرى أو الكبرى ، فالخطأ في البرهانيّات الّتي تتألّف من اليقينيّات ـ المستندة تارة إلى العقل المستقلّ ، واخرى إلى الوجدان ، وثالثة إلى الحسّ ، ورابعة إلى الحدس ، وخامسة إلى التجربة ، وسادسة إلى التواتر ـ إنّما ينشأ من عدم تحقيق الملزوم لا من قصور الملازمة مع تحقّق الملزوم ، كيف لا واستلزام القياس الصحيح الصورة للنتيجة على ما بيّنّاه ضروريّ الثبوت ، فالطالب للعلم بالنتيجة النظريّة لابدّ له من الاجتهاد وبذل الجهد واستفراغ الوسع في تحقيق الملزوم الّذي يرجع إلى إحراز الصغرى وإحراز الكبرى.
فدليل نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم مثلا هو قولنا : « إنّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم آت بالمعجزة ، وكلّ آت بالمعجزة نبيّ » فمن لم يبلغ اجتهاده إلى الإذعان به صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا جرم يكون عدم بلوغه لضرب من المسامحة والمساهلة في الطلب الّذي مرجعه إلى التقصير في تحصيل الصغرى المذكورة ، فمن تردّد النبوّة الخاصّة في نظره ابتداء بعد التفطّن والالتفات واحتمالها في محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا يجب عليه بذل الجهد واستفراغ الوسع بالرجوع إلى المسلمين ومزاولة كتبهم الموضوعة في الكلام وفي الأخبار وغيرها ، وممارسة القرآن ومجالسة علمائهم ومسألتهم وعرض الشبهات الّتي قرعت سمعه عليهم لرجاء تحصيل الصغرى فيهم بالاطّلاع على معجزاته وخوارق عاداته صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن لم يفعل ذلك مع الاحتمال المذكور حتّى استقرّ الشكّ في نفسه أو ترجّح في نظره نبوّة موسى أو عيسى عليهماالسلام كان متسامحا في طلبه متساهلا في نظره واجتهاده ، وظاهر أنّ المتسامح والمتساهل في الشيء الفائت منه مقصّر في طلب ذلك الشيء.
وهذا معنى ما في احتجاج الجمهور وجماعة من أساطين أصحابنا من « أنّ الله تعالى كلّف بالعلم ونصب عليه دليلا قاطعا فالمخطئ له مقصّر فيبقى في العهدة » فما عليه الجمهور من إثبات التقصير على المجتهد المخطئ ». للدليل المنصوب على الحقّ هو الأوفق بالصواب ، فيكون بتقصيره تاركا للمأمور به وهو العلم من غير عذر ، فيكون آثما ومستحقّا للعذاب الدائم.