بالاجتهاد وعدمه ، فانّهم على ما عزي إليهم أنكروا جواز ذلك في نفس الأحكام وموضوعاتها الّتي هي من قبيل العبادات ، مع مصيرهم إلى الجواز في الموضوعات الّتي ليست من قبيل العبادات.
ويرد عليهم : عدم تعقّل الوجه في هذا الفرق ، إذ لو كان غرضهم في نفي الحجّية أنّ الظنّ بنفسه ومن حيث هو مع قطع النظر عن قطعي قام بحجّيته لا يصلح حجّة في الشريعة بخلاف العلم لكونه بنفسه حجّة ، فهذا كلام يجري في الحكم وموضوعه مطلقا. والفرق تحكّم.
ولو كان غرضهم أنّ الظنّ في الموضوع ممّا قام القطعي باعتباره إذ لولاه لانسدّ باب الاستنباط ، فبطل به إنكارهم على المجتهدين في تجويزهم العمل به في الأحكام ، إذ كلّ من قال به إنّما قال عن قطعي بلغه ، فتعويل المجتهد في الحقيقة إنّما هو على القطع لا الظنّ من حيث هو.
ومن هنا يقال : إنّ الظنّ في طريق الحكم وهو لا ينافي قطعيّة نفس الحكم.
وبالجملة لا إشكال لأحد في أنّ الظنّ بنفسه لا يصلح حجّة ، بل هو من هذه الجهة في حكم الشكّ فيقبح في حكم العقل التعويل عليه في إطاعة الله تعالى وامتثال أحكامه بأخذ متعلّقه حكما شرعيّا يجب امتثاله بعنوان القطع ، بل هو عند التحقيق من الامور المستحيلة لأوله إلى تجويز الجمع بين النقيضين كما لا يخفى. بل مجرّد الشكّ في الاعتبار والعدم كاف في الحكم بعدم الاعتبار على ما هو من مقتضى قاعدة التوقّف ، وهو مع ذلك معلوم من الضرورة والإجماع.
قال العلاّمة البهبهاني في التاسعة من فوائده : « وأيضا إجماع المسلمين على أنّه في نفسه ليس بحجّة ، ولذا كلّ من يقول بحجّية ظنّ يقول بدليل ، فإن تمّ وإلاّ فينكر عليه ويقال بعدم الحجّية » ـ إلى أن قال : ـ « وأيضا ظنّ الرجل أمر وحكم الله أمر آخر ، وكونه هو بعينه أو عوضه محتاج إلى دليل حتّى يجعل هو إيّاه أو عوضه شرعا » انتهى.
بل هو مدلول عليه بالنصوص كتابا وسنّة.
أمّا الكتاب : فالعمومات المانعة عن العمل بالظنّ والناهية عن اتّباع ما وراء العلم.
وأمّا السنّة : فالأخبار البالغة فوق حدّ التواتر معنى ، وقد جمع العلاّمة المتقدّم ذكره كثيرا منها في رسالته المعمولة في الاجتهاد والأخبار ، ويكفي في ذلك ما روي من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم