أيضا ، مع أنّ الأغلب منها شهادة فرع بل شهادة فرع فرع وهكذا ، ولا خلاف عندهم في عدم اعتبار ما عدا الاولى ، ومورد اعتبار الاولى أيضا عند قائليه إنّما هو أموال الناس وحقوق الآدميّين لا غير ، مع أنّ العدالة ليست من الامور الحسّيّة الّتي يمكن الاطّلاع عليها بالحسّ.
وقد صرّحوا فيها بلزوم كون المشهود به حسّيّا.
وأيضا فغايتها كونها شهادة علميّة وإلاّ فالغالب كونها ظنّية ، وقد اختلفوا في اعتبار الشهادة العلميّة فكيف بالظنّية.
وأيضا فالمعتبر في الشهادة التعدّد والمعروف فيهم هنا كفاية الواحد.
وبالجملة : فملاحظة هذه الامور تعطي عدم العبرة بالرجال ، ويلزم منه انتفاء الحاجة إليه ، لأنّ دعوى الحاجة في الاجتهاد الّذي هو أمر شرعي إلى ما ليس بمعتبر شرعا كما ترى ممّا يضحك به الثكلى.
والجواب عنه بجميع فقراته : بأنّ مسيس الحاجة إلى الرجال ليس لتعبّد شرعي ليقدح فيه ما ذكر من القوادح الّتي تقدح في الأخذ بالشهادة تعبّدا بعد تسليم كون الجرح والتعديل من باب الشهادة ناشئين عن الاجتهاد غير علميّين ، بل المحوّج إليه ـ على ما بيّنّاه مرارا ـ إنّما هو توقّف الاجتهاد في وجوده الخارجي على معرفة أحوال رواة أحاديثنا المتوقّف عليها الاجتهاد ولو ظنّية حيثما تعذّر العلم ، ليترتّب عليها الظنّ والوثوق بصدق تلك الأحاديث وصدورها عن أهل العصمة على غير جهة التقيّة ليترتّب عليهما الظنّ بالأحكام الشرعيّة ، أو استقرار هذا الظنّ وبلوغه مرتبة الاطمئنان اللذين لا يحصلان إلاّ بالفحص واستفراغ الوسع اللذين منهما مراجعة كتب الرجال ومزاولة كلمات أهله ، لما دلّنا عليه القاطع من جهات شتّى من وجوب التعبّد في معرفة الأحكام الشرعيّة والتديّن بها بالظنون الاجتهاديّة الاطمئنانيّة المستندة إلى الكتاب والسنّة المقطوع أو الموثوق بها وما يرجع إليهما من الطرق المقرّرة المعهودة ، فليس مراجعة الكتب الرجاليّة لغرض بناء العمل على اجتهاد الغير تقليدا بل لغرض تحصيل الظنّ الاجتهادي الّذي لا يقدح فيه شيء ممّا ذكر ، حتّى دعوى كون تعديلاتهم وترجيحاتهم ناشئة عن اجتهاداتهم ، فإنّ غاية ما يترتّب على ذلك نظرا إلى عدم كون الاجتهاد مأمونا من الخطأ قيام احتمال عدم المطابقة ، وهو لا يمنع عن حصول الظنّ بل الاطمئنان لنا ولو بعد تراكم القرائن الموجودة في كلامهم وضمّ بعضها إلى بعض ، كما هو معلوم بالعيان ومشاهد بالوجدان على حدّ الغنية عن مراعاة البرهان.