هذا الاصطلاح الجديد وقرّبوا لنا البعيد ونوّعوا الحديث إلى الأنواع الأربعة » انتهى (١).
فيقال عليهم : إنّ هذا الاصطلاح مجرّد مفهوم لا يجدي في معرفة مصاديق كلّ نوع عن آخر ، ولا سيّما الصحيح الّذي لا طريق لنا إلى معرفة أشخاصه ، حيث لا سبيل إلى إحراز الأوصاف الثلاثة في جميع سلسلة السند.
وهذا ـ مع أنّه مكابرة محضة لا يلتفت إليها ـ لا يخدش فيما هو الغرض الأصلي عن مراجعة الرجال من تحصيل الوثوق والاعتماد على الراوي والاطمئنان بصدق الرواية وصدورها ، فإنّ حصول كلّ من ذلك بمراجعة الرجال واضح بديهي ولو بملاحظة وصف الرجل بالثقة لو سلّمنا عدم دلالته على الأوصاف المذكورة ، خصوصا إذا كان قائله عدلا إماميّا معتمدا وخصوصا إذا لم يقارنه ما يزاحمه ، وخصوصا إذا أكّد مثله فيقال : « ثقة ثقة » أو ما يرادفه أو يقاربه في المعنى ، فيقال : « ثقة نقة » بالنون مكسورة ، كيف ولفظ « الثقة » باعتبار وضعه اللغوي العرفي ظاهر فيما يفيد الوثوق والاعتماد والاطمئنان.
فعن المصباح المنير : وثق الشيء بالضمّ وثاقة قوي وثبت ، فهو وثيق ثابت محكم ، وأوثقته جعلته وثيقا ، ووثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقا ائتمنته.
وعن القاموس : وثق به كوَرِث ثقة وموثقا ائتمنته.
ومنها : أنّ أكثر أسامي الرجال مشتركة بين عدل أو ممدوح وغيره ، وأكثر أسباب التميّز لا تفيد إلاّ أقلّ مراتب الظنّ المنهيّ عن العمل به عقلا ونقلا كتابا وسنّة وإجماعا ، وكيف يجوز القول باعتبار مثل هذا الظنّ دون ما يحصل من الشواهد الآتية في اعتبار أخبار الكتب المعتبرة من القطع أو الظنّ القويّ القريب إليه؟
وأيضا فإنّ كثيرا من تعويلاتهم وتضعيفاتهم إنّما نشأ عن ترجيحهم واجتهادهم ، ولا يجوز للمجتهد بناء العمل على اجتهاد غيره ، وإن وجد فيها ما ليس من اجتهاديّاتهم فهو شهادة كتبيّة وقد أجمع الأصحاب على أنّه لا عبرة بالكتابة كما ورد في بعض الروايات
__________________
(١) منتقى الجمان ١ : ١٤ ، قال في المنتقى : « فإنّ القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعا لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالّة على صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف كما أشرنا إليه سالفا ، فلم يكن للصحيح كثير مزيّة توجب له التمييز باصطلاح أو غيره ، فلمّا اندرست تلك الآثار واستقلّت الأسانيد بالأخبار اضطرّ المتأخّرون إلى تمييز الخالي من الريب وتعيين البعيد عن الشكّ ، فاصطلحوا على ما قدّمنا بيانه ، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلاّمة إلاّ من السيّد جمال الدين بن طاووس ـ رحمهالله ـ ».