الضروري لكلّ أحد بأنّ بغيره لا يحصل ظنّ الصدق ووثوق الصدور ، وهذا الغرض حاصل في تعديلاتهم جدّا سواء سمّي المخبر به ملكة أو حسن الظاهر أو غيره.
ومنها : أنّ الصحّة عند المتأخّرين لابدّ فيها من العدالة والضبط والإماميّة في جميع سلسلة السند ، وقلّما يتعرّض في الرجال لجميع ما ذكر ، بل نراهم يكتفون فيها بقولهم : « فلان ثقة » أو « من وجوه أصحابنا » أو « كبارهم » ونحو ذلك ، ولا دلالة في شيء من ذلك على جميع الامور المذكورة حتّى لفظ « الثقة » ، فإنّ غاية مفادها العدالة وأمّا الضبط ولا سيما الإماميّة فلا ، خصوصا إذا كان ذلك في كلام غير إمامي كابن عقدة وغيره ممّن تقدّم ، وخصوصا إذا وقع في كلام الإمامي جرحه ، وأيضا كثيرا مّا يقال في حقّه ـ بعد إطلاق « الثقة » عليه ـ : إنّه فطحيّ أو واقفيّ أو غير ذلك ، وهذا ينافي كون مفاد هذا اللفظ ما ذكر من المفهوم المركّب.
وفيه : أنّه بمكان من السقوط لا حاجة له إلى التنبيه والبيان ، إذ قد يعلم بإرادة ما جامع الصفات الثلاث بنصّ من قائله ، كما لو كان القائل المحقّق المجلسي رحمهالله لما حكي عنه في الوجيزة من أنّه صرّح بما مضمونه : « أنّي كلّما اورد بعد ذكر الرجل لفظ « الثقة » فإنّما أردت به العدل الإمامي الضابط ، وكلّما ذكرت حرف « القاف » فقد أردت منه العدل الضابط الغير الإمامي » وقد يظنّ بملاحظة القائل أيضا إرادتها أو إرادة الوصفين الأوّلين كما قيل ذلك في النجاشي.
فعن المحقّق والشيخ محمّد رحمهالله أنّهما قالا (١) : « أنّ النجاشي إذا قال : « ثقة » ، ولم يتعرّض إلى فساد المذهب فظاهره أنّه عدل إمامي ، لأنّ ديدنه التعرّض إلى الفساد فعدمه ظاهر في عدم ظفره وهو ظاهر في عدمه ، لبعد وجوده مع عدم ظفره ، لشدّة بذل جهده وزيادة معرفته ، وإنّ عليه جماعة من المحقّقين » انتهى (٢).
بل قد يقال : إنّ مطلق هذه اللفظة اصطلاح لهم في جامع الأوصاف أو الوصفين الأوّلين فيحمل عليه ما لم يقارنه ما يوجب الخروج عن أحد الأوصاف أو كلّها ، وقد يدّعى الانصراف إليه ولو من جهة انصراف المطلق إلى فرده الكامل ، نظرا إلى أنّ كمال الوثوق
__________________
(١) هذا سهو من قلمه الشريف ، والصواب : « فعن المحقّق الشيخ محمّد ١ أنّه قال : » الخ ، وهو المحقّق الشيخ محمّد بن الحسن بن الشهيد الثاني.
(٢) انظر : منتهى المقال في أحوال الرجال ١ : ٤٣ ـ فوائد الوحيد البهبهاني ـ الفائدة الثانية.