وغيرهم من فاسدي العقيدة لمجرّد الوثوق والاعتضاد بقرائن الثبوت ، ويرشدك إلى ذلك ما تكثر عن الشيخ والمحقّق وغيرهما في حقّ جملة من دعوى عمل الطائفة بتلك الرواية.
وثالثا : إنّ الأخذ بجرح علماء الرجال وتعديلاتهم إنّما هو من باب الأخذ بأمارات الظنّ والوثوق ، فالعبرة في كلّ منهما بهما لا لمجرّد التعبّد فلا يضرّ حينئذ فساد عقيدة الجارح أو العدل بل ولا كونه فاسقا بجوارحه ، فالمتّبع هو الظنّ والوثوق لمكان تعذّر العلم بانسداد بابه وإن حصلا من قول من لا يعتمد على قوله شرعا في غير هذا المقام.
ومنها : ثبوت الخلاف في معنى العدالة ومعنى الكبيرة وعددها قلّة وكثرة ، وفي قبول الشهادة على أحدهما من غير ذكر السبب ، فلا يمكن الاعتماد على تعديل المعدّلين ولا جرح الجارحين إلاّ بعد معرفة موافقة مذهبهم في العدالة وأسباب الجرح لمذهب المجتهد العامل على مقتضى جرحهم وتعديلهم ، خصوصا مع ابتناء تعديل بعضهم على تعديل من تقدّم عليهم مع جهالة الحال بالنسبة إلى الموافقة والمخالفة ، بل مختار الشيخ في العدالة أنّها ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق وكثير من التعديلات منه ، بل على ظاهر دعوى الشيخ أنّه المشهور فيكون مذهب من عداه أيضا كذلك ، والمتأخّرون لا يكتفون بذلك فكيف يعتمدون على تعديله بل تعديل غيره.
وجوابه أوّلا : منع الخلاف في معنى العدالة وإن اشتهر ، بل هي عند الكلّ حتّى الشيخ وتابعيه عبارة عن الملكة وهي الحالة النفسانيّة الرادعة عن ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر ، وما يذكر في كلام الشيخ وتابعيه من ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق وفي كلام آخرين من حسن الظاهر فإنّما يعتبر عندهم طريقا إلى معرفة الملكة وأمارة على إحراز وجودها في المتّصف بها لا لأنّهما بأنفسهما العدالة.
وتحقيق المسألة يطلب من رسالتنا المعمولة في العدالة (١).
وثانيا : بعد ما كان البناء في الرجوع إلى كلمات علماء الرجال على تحصيل الظنّ والوثوق بالعدالة ومقابلها أو صدق الرواية وكذبها فلا يضرّ الخلاف المذكور ، ولا حاجة في شيء من الجرح والتعديل إلى إحراز الموافقة في المذهب ، كما لا يقدح العلم بالمخالفة أيضا ، على أنّ المعدّل لا يخبر بعدالة الراوي إلاّ لأن يعتمد على قوله غيره ممّن لا يعرفه بهذه الصفة ، ولا يتمّ ذلك إلاّ إذا كان العدالة المخبر بها مرادا بها ما هو ملزوم للصدق ، للقطع
__________________
(١) رسالة في العدالة ، من منشورات جماعة المدرسين بقم المشرّفة سنة ١٤١٤.