عن الريب وتنزّههم عن العيب.
وبالجملة كون بناء قاطبة العلماء بل كافّة الرؤساء على ذلك وعلى ضبط دقائق أحوال الرجال وخفايا عيوبهم وذمومهم ومناقبهم وعقائدهم من السلامة والفساد وأعماله من الشناعة والصحّة ممّا لا يكاد يخفى على جاهل فضلا عن العالم الكامل ، بل هو عند التحقيق يعدّ من ضروريّات أهل الحلّ والعقد من أهل الحقّ والباطل وإن لم يبلغ حدّ الضرورة عند كافّة الناس ، من حيث إنّه لا رجوع إلى مورده إلاّ لأهل العلم بل فقهائهم ، فيكون كاشفا عن رضا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام الكاشف عن رضا الله سبحانه كشفا جزميّا بتّيا بحيث لا سبيل إلى إنكاره ولا مجال للاسترابة فيه ، بل الجواز في هذا المقام آكد منه في مقام الشهادة والحكومة من حيث إنّ جرح الشهود ممّا لا يجوز أن يتبرّع به كنفس الشهادة الّتي لا يصحّ التبرّع بها وإنّما يجوز متى ما طلبه صاحب الحقّ ، بخلاف مقام الرواية فإنّ الجرح والتعديل فيها ممّا يستحبّ التبرّع به في كلّ مقام بل قد يجب كما لا يخفى.
ومنها : أنّ بعض أهل هذا العلم الّذي قد بنوا على أقوالهم في الجرح والتعديل كانوا فاسدي العقيدة وإن لم يكونوا فسّاقا بالجوارح ، مثل ابن عقدة وكان جاروديّا مات عليه بنصّ النجاشي والشيخ (١) وكان زيديّا ، ومثل عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال وكان فطحيّا بتصريح الشيخ والنجاشي (٢) وصرّح في الخلاصة (٣) بفساد مذهبه ، ومع ذلك كلّه قال في التعليقة في بيان حاله : « أنّ الطائفة عملت بما رواه بنو فضّال وكثيرا مّا يعتمدون على قوله في الرجال ويستندون إليه في معرفة حالهم من الجرح والتعديل ، بل غير خفيّ أنّه أعرف بهم من غيره بل من جميع علماء الرجال ، فإنّك إذا تتبّعت وجدت المشايخ في الأكثر بل كاد أن يكون الكلّ يستندون إلى قوله ويعتمدون عليه » (٤).
وجوابه أوّلا : النقض باتّفاقهم على الرجوع إلى الكتب العربيّة الثلاث المتقدّمة وأخذ المطالب اللغويّة منهم مع أنّهم في الغالب من المخالفين وفاسدي المذهب بل الفاسقين بجوارحهم على ما قيل في حقّ بعضهم.
وثانيا : النقض بعمل الطائفة حتّى الأخباريّة برواية المتحرّزين عن الكذب من المخالفين
__________________
(١) رجال النجاشي : ٩٤ رقم ٢٣٣ ـ الفهرست ـ للشيخ الطوسي ـ : ٦٨ ، رقم ٨٦.
(٢) راجع رجال النجاشي : ٢٥٧ رقم ٦٧٦ ـ الفهرست ـ للشيخ الطوسي : ٢٧٢ ، رقم ٣٩١.
(٣) الخلاصة : ٩٣ / ١٥.
(٤) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٢٩.