المطلق قاض بحجّيّة ظنّه في المسائل الفقهيّة وما يرتبط بها من مقدّماتها للاستنباط سواء كانت اصوليّة أو لغويّة أو غيرها » انتهى.
ويمكن الاستدلال على الفرض المذكور بدليل الانسداد أيضا بأن يقال : إنّه قد وجب إعمال المسائل الاصوليّة الظنّية مقدّمة للاستنباط ، والعلم فيها مسدود فوجب الاكتفاء فيها بالظنّ حذرا عن التكليف بغير المقدور.
وأمّا ما في كلام بعض الفضلاء من : « أنّ ظنّيات علم الاصول كظنّيات العلوم العربيّة فكما يصحّ تعويل العارف الخبير بتلك العلوم على الظنون المقرّرة فيها وإن لم يكن له خبرة بعلم الفقه فكذلك الحال في الاصول » فغير واضح إلاّ بأن يرجع إلى بعض ما ذكرناه.
الأمر الرابع : إذا اجتهد المتجزّي في الفروع في مسألة جواز التجزّي وأدّى اجتهاده إلى جواز عمله بظنّه قطعا أو ظنّا منتهيا إلى القطع جاز بناء عمله على اجتهاد نفسه في تلك المسألة فيعمل على ظنّه في المسائل الّتي اجتهد فيها ، خلافا لمن منع بناءه على اجتهاده في تلك المسألة بتخيّل لزوم الدور ، وقد يؤخذ ذلك حجّة على المنع من تجزّي الاجتهاد رأسا ، على معنى المنع من حجّية ظنّ المتجزّي في المسائل المجتهد فيها.
وقضيّة الاحتجاج به على المنع عدم كون هذه المسألة بالقياس إلى المتجزّي اجتهاديّة ، بل قضيّته حيث يؤخذ دليلا على بطلان أصل التجزّي عدم كونها بالقياس إليه تقليديّة أيضا وإن توقّف إنتاجه لذلك إلى ضمّ مقدّمة اخرى ، ضرورة أنّ عمل المتجزّي بظنّ نفسه لابدّ وأن يستند إمّا إلى اجتهاد نفسه في مسألة جواز التجزّي أو إلى تقليد غيره في تلك المسألة ، وبطلانه لا يتأتّى إلاّ بعد بطلان كلا الطريقين.
أمّا بطلان الطريق الأوّل : فلإفضائه إلى الدور.
وأمّا بطلان الطريق الثاني : فللزوم خلاف الفرض مع ثبوت الواسطة بين الأخذ بالاجتهاد والرجوع إلى التقليد أو تركّب الاجتهاد والتقليد كما ذكره المصنّف بقوله : « ورجوعه في ذلك إلى فتوى المجتهد المطلق وإن كان ممكنا لكنّه خلاف المراد ، إذ الغرض إلحاقه ابتداء بالمجتهد وهذا إلحاق له بالمقلّد بحسب الذات وإن كان بالعرض إلحاقا بالاجتهاد.
ومع ذلك فالحكم في نفسه مستبعد ، لاقتضائه ثبوت الواسطة بين أخذ الحكم بالاستنباط والرجوع إلى التقليد.
وإن شئت قلت : تركّب التقليد والاجتهاد وهو غير معروف » انتهى.