الطرق المحتملة في حقّه بما هو أقرب إلى العلم بعد الاحتياط ممّا لم يستلزم محذوريهما ، وهو في حقّ المجتهد أخذه بمؤدّى اجتهاد نفسه كائنا ما كان لا أخذه بمؤدّى اجتهاد غيره الحاصل بالتقليد ، لأنّ في فتوى الغير وإخباره عن مجتهداته من الاحتمالات المبعدة عن العلم والواقع ما لا يجري في أخذه بمؤدّى اجتهاد نفسه كما سبق ذكره مفصّلا في المسألة السابقة.
وأمّا في حقّ المقلّد وإن كان الأقرب أيضا هو الأخذ بمؤدّى الاجتهاد ، لكن إلزامه به يفضي إلى محذور العلم أو إلى محذور الاحتياط على سبيل منع الخلوّ بالنظر إلى النوع المختلف أشخاصه في حالاتهم ، فلم يبق له ما يرجع إليه حينئذ إلاّ التقليد والأخذ بمؤدّيات اجتهاد غيره من المجتهدين.
وهذا كلّه بالنسبة إلى المجتهد المطلق والعامي بالمعنى الأعمّ من العالم الفاقد لملكة الاجتهاد واضح.
وأمّا بالنسبة إلى العالم المتجزّي فالرجوع إلى كلّ من الطريقين ممكن في حقّه من دون محذور ، والشبهة إنّما هي في تعيين ما هو أقرب منهما إلى الواقع في حقّه ليندرج في موضوع حكم العقل وتشمله حكمه بلزوم الرجوع إلى الأقرب ، فإن تبيّن كون الأقرب في حقّه الأخذ بمؤدّى اجتهاد نفسه تعيّن له ذلك بحكم العقل ، وإن تبيّن كون الأقرب في حقّه الأخذ بمؤدّى اجتهاد غيره من المجتهد المطلق تعيّن له ذلك ، وإن تبيّن كون الطريقين من جهة القرب والبعد بالنظر إلى الواقع في مرتبة واحدة من غير مزيّة لأحدهما على الآخر كان حكمه التخيير بينهما.
وقد عرفت أنّ مناط القرب والبعد بقلّة الاحتمالات المبعدة عن الواقع وكثرتها ، ومثلهما ضعف الاحتمال المشترك بينهما في أحدهما وقوّته في الآخر ، وحينئذ فملاحظة كون احتمال الخطأ بالنظر إلى مقام الاجتهاد في حقّ المتجزّي أقوى منه في حقّ المطلق لنقصان ملكته وكمال ملكة المطلق تقضي بكون الأقرب في حقّه الأخذ بمؤدّى اجتهاد المطلق.
لكن النظر في أنّ فتوى المطلق يجري فيه من احتمال الخطأ فيها زائدا على ما كان محتملا في اجتهاده واحتمال السهو والنسيان والكذب والتورية والقصور في التأدية وإرادة خلاف ظاهر اللفظ بلا قرينة أو مع قرينة خفيّة أو مع قرينة مغفول عنها ونحو ذلك ما لا يجري في مؤدّى اجتهاد نفسه كما لا يخفى تقضي بكون الأقرب في حقّه الأخذ بمؤدّى اجتهاد