وربّما يستفاد ذلك من العلاّمة البهبهاني حيث إنّه في جملة ما ذكره في دفع الاستدلال على منع التقليد بأنّه خلاف الأصل خرج العامي لدليل فبقى الباقي قال : « على أنّ الظاهر أنّ فرض من لا يعلم الرجوع إلى من يعلم والأخذ منه وأنّه مسلّم عند الكلّ ، فإنّهم يستدلّون بجواز الاجتهاد ولا يستدلّون بجواز تقليده ، وظاهرهم أنّ بعد عدم ثبوت جواز الاجتهاد يعيّنون العمل بالتقليد » انتهى.
وهاهنا وجه ثالث وهو توقّف كلّ من العمل بالاجتهاد والعمل بالتقليد على نهوض الدليل عليه بعد انتفاء الدليل على الآخر.
وبعبارة اخرى : تعيّن كلّ منهما على وجود المقتضي وفقد المانع ، فلا يكفي في شيء منهما مجرّد انتفاء الدليل على الآخر.
ولك أن تقول في تقرير الوجوه الثلاث المذكورة : بأنّه بعد تعذّر العلم بأحكام الله المعلومة بالإجمال وعدم التمكّن من امتثالها العلمي هل الأصل هو العمل بالاجتهاد إلاّ ما خرج بالدليل؟ أو الأصل هو العمل بالتقليد إلاّ ما خرج بالدليل؟ أو لا أصل في البين أصلا بل لابدّ في تعيّن كلّ من الأمرين من نهوض الدليل عليه بالخصوص فلا يكفي فيه مجرّد عدم الدليل على صاحبه.
ومنشأ هذه الوجوه أنّه يستفاد من عمومات الآيات والأخبار من الاصول الأوّلية ثلاثة اصول :
أحدها : أصالة حرمة العمل بما وراء العلم ، وهذا يعمّ العمل بالظنّ والعمل بالتقليد وغيرهما.
وثانيها : أصالة حرمة العمل بالظنّ.
وثالثها : أصالة حرمة العمل بالتقليد ، إلاّ أنّ الأوّل بعد تعذّر العلم وانسداد سبيله قد خصّص بالقياس إلى المجتهد والمقلّد ومن تردّد بينهما ، كما أنّ الثاني خصّص بالقياس إلى المجتهد المطلق ، والثالث قد خصّص بالقياس إلى العامي والعالم الغير البالغ رتبة الاجتهاد.
وأمّا العالم المتجزّي فبعد خروجه كالمطلق عن الأصل الأوّل بما ذكر يمكن كونه مخرجا أيضا كالمطلق عن أوّل الأصلين الأخيرين ، بدعوى : أنّ الأصل بعد تعذّر العلم العمل بالاجتهاد إلاّ في حقّ من لم يتمكّن منه كالعامي ومن بحكمه.
كما يمكن كونه مخرجا عن ثاني الأصلين الآخرين بدعوى : أنّ الأصل بعد تعذّر العلم العمل بالتقليد إلاّ في حقّ من قام الإجماع على تعيّن الاجتهاد عليه كالمجتهد المطلق.
كما يمكن عدم كونه مخرجا عن شيء من الأصلين على التعيين ، بدعوى : أنّه بعد تعذّر