جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولو كان للوصي على وفاء الديون أو على ما يشمله على وجه له التخيير في جهات القضاء دين على الميت الذي هو وصية على الوجه المزبور جاز أن يستوفى دينه مما في يده من غير إذن الحاكم ، إذا لم يكن له حجة على إثبات حقه ودينه ، بل الأقوى ما قيل : من أنه يجوز مطلقا أي سواء كان له حجة أولا ، وعن الشهيدين اختياره ، لأن فائدتها احتمال كذب المدعى ، والمفروض عدمه ، كما أن المفروض وصايته على وجه له التخيير في جهات القضاء ، فلم يكن إشكال في استيفائه ، ضرورة أولويته مما حكى الاتفاق عليه من جواز إيفائه ما يعلمه من دين الأجنبي كذلك ، ولا يشكل ذلك بالأصل ، وموثقه يزيد بن معاوية (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « قلت له : إن رجلا أوصى إلي فسألته أن يشكر معي ذا قرابة له ففعل وذكر الذي أوصى أن له قبل الذي أشركه في الوصية خمسين ومائة درهم وعنده رهن بها جام فضة ، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدعي أن له أكرار حنطة قال : إن أقام البينة ، وإلا فلا شي‌ء له ، قال : قلت له : أيحل له أن يأخذ مما في يده شيئا؟ قال : لا يحل له ، قلت : أرأيت لو أن رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ أكان ذلك له؟ قال : « ان هذا ليس مثل هذا » لانقطاع الأصل بما عرفت ، وخروجه الموثق عن الفرض باعتبار الاشتراك في الوصية على وجه ليس لأحدهما الاستقلال بالتصرف من دون إذن الآخر ، الذي ليس له إجازة هذا الأخذ من دون إثبات ، مع أنه لم يعلم الوصاية فيه على وفاء الدين ، والمقاصة مع عدم علم المقتص منه ، وكون امتناعه على الشرع غير مشروعة ، وأنها موضوعها نحو ما‌ في الخبر « الأخذ من مال من عدا عليك » ، « وأخذ مالك » المندرج في قوله تعالى (٢) ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) ومن هنا قال : إن هذا ليس مثل ذلك.

ومن ذلك يعلم أيضا الفرق بين موضوع الفرض وبين الأجنبي الذي له دين ضرورة كون الفرض أن الديان الوصي الذي له الولاية على وفاء الدين ، بأي فرد شاء من أفراد التركة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٤.

٤٢١

بخلاف الأجنبي ، فإنه لا ولاية له على ذلك ، ولذا جعل الأصحاب موضوع المسألة الوصي.

نعم قد استدل بعض الناس له بالمقاصة ، وبأنه محسن في استيفاء الدين « و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) » ومقتضاهما عدم الفرق بين الأجنبي والوصي في ذلك ، ويتأتى البحث حينئذ في اشتراط المقاصة بإذا الحاكم وعدمه ، مع اختلاف الجنس أو مطلقا ، وبعدم التمكن من قيام البينة وإمكانه ، وإن كان قد يقوى في النظر عدم اشتراط شي‌ء من ذلك في الممتنع ، عملا بإطلاق أدلة المقاصة من غير فرق بين المديون نفسه ووارثه لإطلاق أدلة المقاصة (٢) ، وكذا من تعذر له الوصول إلى حقه ، لعدم البينة المثبتة مثلا ، وإن لم يكن امتناع فإنه يرجح حقه على غيره بقاعدة نفي الضرر والعسر والحرج ونحوها أما غير الممتنع الذي يتمكن صاحب الحق من إثبات حقه عليه ، فقد يشكل مقاصته من غير إذنه ، باعتبار اقتضائها إسقاط حقه من تخيير الوفاء بأي جنس شاء ، من غير فرق أيضا بين المديون ووارثه.

ولعله لذا فصل المصنف هنا والحلي والفاضل فيما حكى عنهما بين صورتي العجز عن الإثبات وعدمه ، فيقتص في الأول ، دون الثاني ، وهو جيد ، لكنك قد عرفت أن موضوع المسألة هنا الوصي الذي قد عرفت عدم جريان هذا التفصيل فيه باعتبار ولايته على استيفاء الدين على وجه له التخيير ، اللهم إلا أن يكونوا جعلوا موضوعها الوصي المساوي للأجنبي ، وهو الذي لم يجعل وصيا على وفاء الدين ، فيتجه حينئذ لهم هذا التفصيل بل لعل منه أيضا الوصي على وفاء الدين الذي لم يجعل التخيير في الوفاء إليه ، فإنه حينئذ كالأجنبي ، بل لعل من أطلقت وصايته على وفاء الدين كذلك ، فإن الإطلاق لا يقتضي تخييره في الأفراد من غير إذن الوارث ، فيبقى حقه في التخيير.

ومن ذلك كله يعلم لك الحال في جميع شقوق المسألة ، كما أنه يعلم لك الحال فيما أطنب فيه في الرياض ، مع أنه لم يأت بشي‌ء كما لا يخفى على من لاحظه. والله العالم والموفق.

__________________

(١) سورة التوبة الآية ـ ٩١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب أحكام ما يكتسب به.

٤٢٢

وكيف كان فـ ( لنفسه من نفسه ) باعتبار ولايته على المال الذي يريد شراءه بالوصاية من غير فرق بين كونه مال طفل أو غيره تردد وخلاف ، فالمشهور على الأول لوجود المقتضي الذي هو صدور العقد من أهله في محله ، فتشمله العمومات والإطلاقات ، وانتفاء المانع ، إذ لم يثبت اشتراط التغاير الحقيقي بين الموجب والقابل ، بل مقتضى العمومات نفيه ، ولذا جاز شراء الأب من ماله ولده ، وجاز في النكاح الذي وأعظم من هذا المقام ، مع أنه يمكن فرضه في التوكيل عن نفسه ، أو عن من هو ولي عنه ، اللهم إلا أن يلتزم الخصوم بجواز مثل ذلك ، أو بمنع كونه تعددا حقيقيا ، ضرورة كون لفظ الوكيل لفظ الموكل ، فالعمدة في الدليل الأول ، مضافا إلى‌ الخبر (١) المنجبر قصوره بعمل الأكثر ، وفيه « هل للوصي أن يشترى من مال الميت ، إذا بيع فيمن زاد يزيد ، ويأخذ لنفسه ، فقال : يجوز إذا اشترى صحيحا ».

وقيل كما عن الخلاف والحلي لا يجوز ، لوجوب التغاير بين الموجب والقابل ، وهو مفقود ، وقياسه على شراء الأب من مال ولده قياس ، ولما‌ عن ابن مسعود (٢) « من أن رجلا أوصى إلى رجل ببيع فرس له ، فاشتراه الوصي لنفسه ، واستفتى عبد الله بن مسعود فقال : ليس له ذلك » وفي محكي الخلاف بعد أن حكى ذلك عن ابن مسعود قال : ولا يعرف له مخالف ، وللأخبار (٣) المانعة عن شراء الوكيل لنفسه الذي هو بمنزلة الوصي.

وفيه منع اعتبار التغاير حقيقة كما هو مقتضى الإطلاقات والعمومات ، فيكفي حينئذ التغاير الاعتباري نحو ما في شراء الأب من مال ولده الصغير الثابت بالإجماع حتى من الخصم ، وكذا النكاح بل عن الطوسي دعوى الإجماع على الاكتفاء به فيه ، والاستدلال بهما على المطلوب ليس من القياس ، بل من اتحاد طريق المسألتين ، بل لعل المقام أولى من النكاح في الجواز ، ولا أقل من أن يكون ذلك عاضدا للإطلاقات والعمومات وكاشفا عن إرادة العموم منها على وجه يشمل ذلك ، وخبر ابن مسعود بعد أن لم يكن مسندا إلى من يجب اتباعه لا حجة فيه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) المغني لابن قدامة ج ٥ ص ٢٣٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب التجارة.

٤٢٣

وعدم وجدان المخالف له لا يصيره إجماعا ، وأخبار الوكيل بعد فرض القول بها فيه يمكن الفرق بينه وبين الوصي بثبوت الولاية للثاني بخلافه وقد ظهر من ذلك كله أن الأشبه بأصول ذلك المذهب وقواعده الجواز لكن إذا أخذ أي الوصي بالقيمة العدل ولم يكن ثمة من يزيد عليه لوجوب مراعاة المصلحة في ذلك خصوصا بعد قوله تعالى (١) ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وقد تقدم تمام الكلام في باب البيع والرهن والحجر وغيرها في هذه المسائل وفي جواز اقتراض الولي المال مع الملائة والرهن وعدمهما فلا حظ وتأمل والله هو العالم.

وإذا أذن الموصى للموصى أن يوصى على ما أوصاه به من أطفال أو حقوق أو غير ذلك جاز إجماعا بقسميه لعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) وغيره ، فيكون حينئذ وصايا عن الوصي لا عن الموصى ، فيجوز له الرجوع عنه ما دام حيا ، وهل يجوز نصب وصى عن الموصى مع التصريح من الموصى بذلك وجهان : لا يخلو أولهما من قوة.

وعلى كل حال لا إشكال في الجواز في الجملة مع الاذن ، كما أنه لا يجوز له ذلك إذا نهاه لذلك أيضا وانما الخلاف فيما إذا لم يأذن له ، ولكن لم يمنعه أيضا فهل له أن يوصى على ما بقي من وصايا الميت أو جميعها إن لم يكن قد أنفذ منها شيئا فيه خلاف بين الأصحاب أظهره المنع وفاقا للأكثر ، لعدم ثبوت ولاية له بعد الموت على ذلك ، إذ الفرض عدم ظهور عبارة الموصى في ذلك ، بل قيل إن المتبادر من استدامة مباشرة بنفسه أو بوكيله الذي هو بمنزلته ومجبور عمله بنظره ومندرج في وصايته ، دون الإيصاء إلى الغير المشتمل على الولاية بعد موته ، الذي يكفي في عدم جوازه عدم ثبوت الاذن من الموصى الأول فيه ، فضلا عما يقتضي عدمها ، خلافا للشيخ وابني الجنيد والبراج فجوزوا الإيصاء له ، لأن الاستنابة من جملة التصرفات التي يملكها حيا بالعموم كما يملكها بالخصوص ، ولأن الموصى أقامه مقام نفسه ، فيثبت له من الولاية ما يثبت له ، ومن ذلك الاستنابة بعد الموت.

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ـ ٣٤.

٤٢٤

و‌مكاتبة الصفار (١) في الصحيح إلى أبي محمد الحسن عليه‌السلام « رجل كان وصي رجل فمات وأوصى إلى رجل هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيه ، فكتب يلزمه بحقه إن كان له قبله حق إن شاء الله ».

بناء على أن المراد حق الإيمان على معنى أنه يلزمه الوفاء بحقه إن كان مؤمنا ، فإن لله قد عقد الأخوة بين المؤمنين ، وهو مقتضى إعانة المؤمن وقضاء حوائجه فضلا عن إنفاذ وصيته التي هي أهم من ذلك ، أو أن المراد يلزم الوصي الثاني أن ينفذ وصية الموصى الأول بسبب حقه الذي على الوصي الثاني ، لأنه كان له ، أي للأول عليه حق من حيث الوصية ، فيجب على الثاني إنفاذ كل حق على الأول ، فينبغي قرائتها أن بفتح الهمزة حتى يكون منصوبا بنزع الخافض على الوجه الذي ذكرناه.

وفيه أن الأول مصادرة بل والثاني ، والصحيح محتمل لذلك ، ولإرادة الوصية إليه بأن يوصي من حقه ، على أن يكون ضمير حقه راجعا إلى الموصى الأول ، فيكون الحاصل أن الوصية تلزم الوصي الثاني بحق الأول إن كان له ، أي للأول قبله ، أي الوصي ، حق بأن يكون قد أوصى إليه بأن يوصى له إذا حضرته الوفاة ، فإنه حينئذ يكون له حق الإيصاء عليه ، فإذا أوصى بها لزمت الوصي الثاني ، ومع تطرق الاحتمال يبطل الاستدلال.

بل في الرياض « أن الذي يظهر منها بعد تعمق النظر فيها كون المراد بالسؤال أن الوصي أوصى إلى الغير فيما يتعلق به وجعله وصيا لنفسه ، فهل تدخل في هذه الوصية ، وصية الموصى الأول ، فيلزم الوصي الثاني العمل بها أيضا ، أم لا؟ فكتب الجواب بما مضى ، فلا وجه للاستدلال بها لكونها على هذا التقدير مجملة ، ومقتضاها حينئذ أنه إن كان للموصى الأول قبله أي الموصى الثاني حق من جهة وصيته إليه بالإيصاء ، لزمه الوفاء به ، وإلا فلا ، ويكون المراد بالحق حق التوصية إلى الوصي الثاني ، بأن صرح بالوصية ، فيرجع حاصل الجواب إلى أن وصية الأول لا تدخل في إطلاق وصية الموصى الثاني ، إلا أن يصرح به ، وهو كما ترى غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٤٢٥

مورد النزاع ، وإطلاقها وإن شمله ، إلا أنه لا عبرة به ، بناء على ظهور وروده لبيان حكم غيره ، فيكون الخبر بالنسبة إلى مورد النزاع من جواز وصية الوصي إلى الغير فيما أوصى به إليه الموصى وعدمه مجملا محتملا ، لاختصاص الحكم فيه بالجواز مع الشرط بالموضوع المتيقن المجمع عليه ، وهو صورة الإذن فيها لا مطلقا ، وإن كان هو كما ترى ، من صعوبة تطبيق الجواب حينئذ على سؤال.

وقد يحتمل قراءة قبل ظرفا على أن يكون الحاصل أن الوصي الثاني يلزمه القيام بحق الموصى الأول إن كان له قبل الإيصاء إلى الثاني حق على وصيته الأول ، بأن أوصى إليه بالإيصاء إذا حضرته الوفاة ، أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يلزمه ، لعدم الحق له حينئذ على الوصي الأول ، بل قد يحتمل غير ذلك مما لا يفيد الخصم ، ولو سلم عدم رجحان شي‌ء مما ذكرناه من الاحتمال بالشهرة ونحوها ، فلا أقل من المساواة المقتضية للإجمال ، المسقط للخبر عن الحجية ، فلا دليل يعتد به للخصم واحتمال الاستدلال له بأنه يكفي في الجواز عموم الوصية الذي يكفي في تناولها عدم النهي عن الموصى عن الإيصاء بعد أن أثبت له حق الوصية الذي لم يعلم ثبوته له على وجه يصح له الإيصاء به وعدمه ، فإذا أوصى شملته العمومات كما في الشك في كل مورد من موارد العقود يدفعه عدم العموم الصالح لمشروعية نحو ذلك مما هو تصرف في مال الغير الموقوف على إذنه ، فهو شبه توكيل الوكيل عن نفسه من غير نص من الموكل على ذلك ، تمسكا بعمومات الوكالة الذي قد علم فساده في محله ، باعتبار معلومية توقف مثل هذا التصرف على الاذن من المالك فلا يشمله العمومات وبعينه آت في المقام ، كما أن به يفرق بينه وبين موارد العقود المشكوك في تناول العقد لها ، وأنه لا يكفي عدم النهي في جواز الإيصاء ، بل لا بد من الاذن ، كما هو واضح بأدنى تأمل في الولي الذي ولايته بحسب توليه غيره إياها ، والفرض عدم خطاب منه يقتضي العموما ، وإلا كان خروجا عن البحث ، فدعوى اقتضاء عموم (١) ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) تناول ذلك كما ترى ، على أن المنساق من الوصية عهد الإنسان فيما يتعلق به ، لا ما يشمل الغير الذي لم يثبت ولايته عليه في هذا المجال ، وبذلك يفرق بين وصاية الأب والجد وبين‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ١٨١.

٤٢٦

وصاية الوصي ، مضافا إلى ما دل على صحة الوصاية منهما على الطفل مثلا بخلافه.

بقي شي‌ء تقدمت الإشارة إليه في الجملة ، وهو أنه هل يكفي في صحة وصية الوصي بما أوصى إليه وقوع ذلك منه ، حملا لفعل المسلم على الوجه الصحيح الذي هو الاذن له في ذلك ، أو لا بد من ثبوت الإيصاء بذلك بطريق شرعي ، فلا يكفي دعواه ، فضلا عن مجرد فعله ، لأن الشك في الشرط شك في المشروط ، وأصالة الصحة لا تجدي في إثبات شغل ذمة الغير ، وجهان ، بل مقتضى التفصيل في الصحيح المزبور بناء على ما قلناه في مقابلة بالجواز ، الثاني والله العالم.

وعلى كل حال فقد ظهر لك بطلان إيصاء الوصي من دون إذن ، فإذا مات الوصي يكون النظر بعده إلى الحاكم الذي هو ولي من لاولي له ، ونائبه الخاص أو العام.

وكذا لو مات إنسان ولا وصى له ولا ولي إجباري وله أطفال ووصايا وغير ذلك مما يحتاج إلى الوالي كان للحاكم النظر في تركته بالوجوه الشرعية ، بل لعله المراد من الجواز في مثلا المقام ولو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولاه من المؤمنين من يوثق به على ما هو المشهور بين الأصحاب من ثبوت الولاية لهم على مثل ذلك ، للمعتبرة المستفيضة (١) المؤيدة بما دل على الحسبة وحسن الإحسان (٢) ، وولاية المؤمنين بعضهم على بعض (٣) وغير ذلك.

ولكن مع ذلك قال المصنف وغيره وفي هذا تردد بل عن ابن إدريس التصريح بعدم الولاية لهم على ذلك للأصل ، وفيه أنه مقطوع بما عرفت ، بل لا يبعد ثبوت ولاية الفاسق مع عدم العدل ، وإن كان الظاهر تقييدها بما إذا كان المقام مقام الحسبة لا مطلقا ، بل ربما احتمل ذلك في العدل ، وظني أنه لا يخالف فيه ابن إدريس وان نفى الولاية عنهم ، لكن مراده نفيها على حسب ولاية الأب والجد والحاكم ، لا مطلقا ، وحينئذ يرتفع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١ ـ ٢.

(٢) سورة التوبة الآية ٩١.

(٣) سورة التوبة الآية ٧١.

٤٢٧

النزاع على هذا التقدير اللهم أن يمنع تقييد ولاية العدل بالحسبة ، وهو قوي أيضا عملا بإطلاق النصوص الظاهرة في الولاية والنصب التي لا وجه لاحتمال كون ذلك فيها إذنا من الحاكم في بعض الخصوصيات ، ضرورة أنه لا يخفى على من تأملها ظهورها في الاذن العام الذي هو من قبيل الأحكام الشرعية بل من قبيل نصب الفقيه الجامع للشرائط.

ففي خبر إسماعيل بن سعد الأشعري (١) قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل مات بغير وصية وترك أولادا ذكرانا وغلمانا صغارا وترك جواري ومماليك هل يستقيم أن تباع الجواري؟ قال : نعم ، وعن الرجل يموت بغير وصية ، وله ولد صغار وكبار أيحل شراء شي‌ء من خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولاه قاض قد تراضوا به ولم يستعمله الخليفة أيطيب الشراء منه أم لا؟ فقال : إذا كان الأكبر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضى الورثة بالبيع ، وقام عدل في ذلك ».

وخبر محمد بن إسماعيل (٢) « قال : مات رجل من أصحابنا ولم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله ، وكان الرجل خلف ورثة صغارا ومتاعا وجواري فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن ، إذ لم يكن الميت صير إليه وصيته ، وكان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج ، قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام ، وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ، ولا يوصى إلى أحد ويخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منها فيبيعهن ، أو قال : يقوم بذلك رجل فيضعف قلبه لأنهن فروج ، فما ترى في ذلك؟ قال : فقال : إذا كان القيم به مثلك ، أو مثل عبد الحميد فلا بأس ».

وخبر زرعة (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات ـ وله بنون وبنات صغار وكبار ـ من غير وصية ، وله خدم ومماليك وعقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس » إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في الأذن لخصوص العدل في تولى ذلك ، ضرورة الفرق بينه وبين غيره من الناس في الحسبة والمعاونة على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

٤٢٨

البر والتقوى.

وعلى كل حال فمحل التردد أو المنع غير ما يضطر إليه الأطفال والدواب وحفظ المال المشرف على التلف ونحو ذلك مما هو واجب على الناس كفاية والله العالم.

ولو أوصى بالنظر في مال ولده إلى أجنبي وله أب ، لم يصح وكانت الولاية إلى جد اليتيم الصالح للولاية دون الوصي بلا خلاف أجده فيه في الجملة ، بل الظاهر الإجماع عليه ، لما عرفت من ترتب ولاية الوصي على ولاية الأب الصادق على الجد واشتراكهما في الولاية حال حياتهما ـ ولو مرتين كما في جامع المقاصد والمسالك وإن كان الأصح خلافه ، سيما في النكاح ـ لا يقتضي جواز تولية أحدهما على وجه يشارك الآخر بعد موته ، بل الأصل يقتضي عدم ذلك ، مضافا إلى ما دل على ولاية الجد والأب (١) مما هو ظاهر في انحصار أمر الطفل فيهما مع وجودهما أو أحدهما على وجه ينافيه ولاية أحدهما مع وصي الآخر ، وإلى ظهور اتفاق كلمة الأصحاب عليه.

إنما الكلام في بطلان الوصية على الوجه المزبور من رأس كما هو أحد الأقوال في المسألة ، أو بطلانها في زمان حياة ـ الجد ، فإذا مات ثبتت وصاية الوصي لعدم المعارض لها حينئذ ، أو بطلانها فيما عدا الثلث ، كما أشار إليه المصنف بقوله وقيل : يصح ذلك في قدر الثلث ما تركه لأن له إخراجه عن الطفل ، فله التولية عليه بالأولى ، وفي أداء الحقوق كوفاء الدين ونحوه مما لا مدخلية له في ولاية الطفل ، ولا أقوى الأول لما سمعت من عدم ولاية للأب مع وجود الجد ، وبالعكس فلو صرح أحدهما بوصاية الوصي بعد موت الآخر لم يكن صحيحا لعدم الولاية له في هذا الحال ، ولو بالنسبة إلى الزمان المتأخر ، فضلا عن محل الفرض ، وإن جوزنا التعليق في الوصية والتأخير في زمانها ، لكن فيما للموصى الولاية عليه ، ولا فرق بين الثلث وغيره بعد أن لم يخرجه عن ملك الطفل ، ضرورة صيرورته كباقي أموال الطفل التي ولايتها بيد الولي الإجباري ، وولايته على إخراجه عنه لا تقتضي جواز التولية عليه ـ وهو للطفل ـ المنافي لما دل على أن ولاية ماله لجده.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح وباب ـ ٨٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

٤٢٩

وهل تصح وصيته في أداء الحقوق التي عليه من ديون ونحوها كما جزم به في المسالك ، بل حكى الإجماع عليه لعدم معارضته للجد في ذلك ، وإن كان لو لم يوص تولى الجد ذلك كما عن التذكرة التصريح به ، لكن ذلك لا يقتضي عدم صحة الوصية بذلك فان الحاكم تكون له الولاية إذا لم ينصب وصيا ، وإن نصب لم يكن له الولاية والورثة الكبار ـ إذا لم يجعل وصيا لوفاء ديونه ـ تولى الورثة ذلك ، وإلا تولاه الوصي عليه هذا.

ولكن في الدروس في المقام « ولو أوصى بإخراج حقوق أو استيفائها كان جائزا ويشكل بأن الاستيفاء ولاية على مال الطفل فلا يملكها الأجنبي ، نعم لو عين المستوفي لتلك الحقوق جاز » وفيه ـ بعد الإغضاء عن مراده في قوله « نعم » إلى آخره ـ ان الاستيفاء ـ وإن كان الظاهر إرادة المال المستوفي ـ ليس ولاية على مال الطفل ، وإن كان الكلى له ، ضرورة أنه لا يتشخص ولا يصير ما لا للطفل إلا بقبض المستحق أو وليه فتوليته على أن يشخص الكلى للطفل ، والظاهر أن له الولاية على ذلك مع وجود الجد ، كما أن له ذلك في الورثة الكبار ، فإن له أن ينصب وصيا على تشخيص ماله من الديون ، ثم دفعه للوارث على وجه لا ضرر فيه عليهم ، بل ومعه إذا لم يرد على مقدار الثلث ، وكذا تشخيص ما عليه من الحقوق بأن ينصب وصيا على دفع ذلك عنه ، على أن ولاية التشخيص بيده على وجه لا ضرر فيه عليهم ، ضرورة كونه أولى من تشخيص مال مخصوص لوفاء دينه ، الذي اعترف هو بجوازه ، مما يشمله عمومات الوصية ، وتسلطه على ماله (١) وغير ذلك مما لا معارض له من النصوص المشتملة على منعه من التصرف في الزائد على الثلث فتأمل جيدا.

بقي شي‌ء وهو أن ظاهر المتن اندراج الوصية في أداء الحقوق تحت القيل ومقتضاه أن هذا تفصيل في موضوع المسألة ، وقد عرفت أنه فرضه في الوصية بالنظر في مال ولده ، وهو لا يشمل مثل ذلك ، اللهم إلا أن يقال : إن ذلك من النظر في مال الولد أيضا ، بناء على انتقال التركة جميعا للوارث ، وان تعلق بها حق الدين فهو من النظر في مال الولد حينئذ ولكن المتجه بناء على ذلك صحة الوصاية على مثل ذلك ، وليس معارضا لولاية الجد التي لم يعلم شمولها لمثل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ إلى ١٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

٤٣٠

ذلك بحيث لا يجوز له أن يجعل وصايا له عليه ، مع أن المطابق للحق من التركة ، كالخارج عن مال الطفل ، ولعل هذا لا يخلو من قوة ، وإن كان الأول لا يخلو عن وجه والله العالم.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من مطاوي البحث أن الوصاية كالوكالة ، بل قد تزيد عليها بأشياء فحينئذ إذا أوصى بالنظر في شي‌ء معين ، اختصت ولايته به ولا يجوز له أي الوصي التصرف في غيره ، وجرى مجرى الوكيل في الاقتصار على ما يوكل فيه وكذا لو خصها بزمان دون زمان ، أو حال دون حال ، إذ هي كما عرفت شبيهة بنصب الأمراء ، كل ذلك لعموم « ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) » وغيره كما هو واضح. والله العالم.

( مسائل ثلاث‌ )

الأولى : الصفات المراعاة في الوصي من التكليف والإسلام والحرية ونحوها تعتبر حالة الوصية ، وقيل : حين الوفاة ، فلو أوصى إلى صبي مثلا فبلغ ثم مات الموصى صحت الوصية ، وكذا الكلام في الحرية والعقل وقيل : من حين الوصية إلى حين الوفاة ، وقيل : إلى حين نفوذ الوصية وانتهائها ، وقيل : من حين الوفاة إلى حين الانتهاء.

والأول أشبه عند المصنف والأكثر كما في المسالك قضاء للشرط المعتبر تقدمه على المشروط ، أو مقارنته ، فإذا كانت هذه شرائط لصحة الوصية ، ولم تكن موجودة حال إنشائها وقت الوصية عن التفويض إلى من ليس بالصفات ، والنهي المتوجه إلى ركن المعاملة يقتضي فسادها كما هو مقرر في محله ، ولأنه يجب في الوصي أن يكون بحيث لو مات الموصى كان نافذ التصرف ، مشتملا على صفات الوصاية ، وهو هنا منتف ، لأن الموصى لو مات في هذه الحالة لم يكن الوصي أهلا له.

والجميع كما ترى مشترك في كونه مصادرة على المطلوب ، ضرورة أن كون هذه الشروط شروطا للنصب حال إنشائه أول البحث ، وكذا كونه منهيا وقت ذلك عن النصب ، بل وكذا الأخير ، مع أنه نظر فيه في المسالك بأنه من يكتفي بوجودها حالة الموت يحصل على مذهبه‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

٤٣١

المطلوب ، فإن الموصى إذا فرض موته بعد الوصاية بلا فصل قبل أن يتصف الوصي بالصفات لا يكون نافذ التصرف ، من حيث أن الموصى قد مات وهو غير جامع لها ، وذلك كاف في البطلان وإن كان قد يدفع بأن مراد المستدل اعتبار كون الوصي جامعا لها حال الوصية بحيث لو مات الموصى حالها كان نافذ التصرف ، فالشرط أهليته لذلك حال النصب.

وعلى كل حال فمن ذلك يظهر لك قوة القول الثاني الموافق لمقتضى عمومات الوصية المقتصر في تخصيصها على ما تيقن من شرطية هذه الأشياء في الوصي ، بمعنى المتلبس بالولاية ، وأول آنات تلبسه بذلك مع الإطلاق من حين الوفاة ، فتعتبر الشرائط ذلك الوقت ، إذ هو قبل ذلك ليس بوصي بمعنى تحقق الولاية ، بل أقصاه وقوع العبارة التي تقتضي نصبه حين الوفاة إذا جمع غيرها من الشرائط ذلك الوقت ، ففقدها قبل تلبسه بالولاية غير ضائر ، بعد شمول عموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) » ونحوه له ، وليس في أدلة الشرائط كما عرفته سابقا ما يقتضي اشتراطها حال إيجاد عبارة النصب ، بل ربما كان فيها ما يقتضي خلاف ذلك ، كنصب الصبي وصيا بعد بلوغه منضما أو مطلقا ، على البحث السابق ، بل هو ظاهر فيما ذكرناه ، من كون المدار على وجود الصفات حال الوفاة ، فإن الصبي مثلا قد يبلغ بعد الوفاة ، وكذا المجنون لو أوصى إليه مريدا حال إفاقته كما سمعته سابقا.

لا يقال : إن العمومات تقتضي أيضا وصية الجامع لها حال الوصية ، وإن فقدها قبل الوفاة ، ثم تجددت بعدها ، فيتجه حينئذ كون الشرط أحد الأمرين ، حال الوصية ، أو حال الموت ، لأنها نقول ـ مع كون ذلك خرقا للإجماع على الظاهر ـ مناف لما دل على اعتبار الصفات في الوصي المقتضي لعدم قابلية المجنون والكافر والمملوك ، للولاية ، فإن دليل شرطيتها يقتضي ذلك ، فينافي العمومات المزبورة ، بخلاف الفاقد لها حال النصب الجامع حال الوفاة ، فإن دليل الشرطية لا ينافي شمول العمومات له لعدم كونه وليا حينئذ ، ودعوى تحقق ولاية الوصي حال نصبه ، وان تأخر تصرفه إلى ما بعد الموت ، فهو كالوكيل فعلا المشروط عليه تأخر التصرف وإلا لزم التعليق المبطل ، وحينئذ فلو قال : أنت وصيي بعد موتى ، على معنى كونك‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

٤٣٢

وليا بعد الموت بطل ـ واضحة الفساد ، ضرورة عدم شركة أحد الأبوين الكاملين حال حياتهما في الولاية ، على أن معنى الوصاية نقل الولاية بعد الموت ، وهو الذي أراده الموصى ، بل لو صرح بإرادة غيره مما يقتضي تحققها قبل الموت ، بطل على الظاهر ، والتعليق فيها غير مناف ، لأن بناءها عليه ، وقد شرعت على الوجه المزبور ، كما لا ينافيه في تعليق الوصية التمليكية ، بل هما عند التأمل من وارد واحد ، وان اختلفا في بعض الأحكام لكنهما متحدان في أن الوصاية نقل الولاية ، والوصية نقل الملك مثلا ، والتزام حصول الملك المتزلزل للموصى له حال الوصية ، مما لا يجوز نسبته للمتفقه فضلا بعد الوفاة ، عن الفقيه ، خصوصا بعد أن كان المعلوم من حال كل موص أن قصده حصول الأثر سواء كان ملكا أو ولاية ، وبذلك كله يظهر ضعف بقية الأقوال المشتركة في اعتبار الشرائط من حين الوصية ، الذي قد عرفت عدم الدليل عليه.

نعم يبقى الكلام في اعتبار استمرار الشرائط من حين الوفاة إلى حين الانتهاء في استمرار الوصاية وعدمه ، أما احتمال اشتراط الاستمرار في أصل الوصاية ـ على معنى انكشاف فسادها بالعروض في الأثناء ، كما هو مقتضى إطلاق بعضهم شرطيته ـ فواضح الفساد ، وإلا لاقتضى فساد تصرفاته جميعها قبل العروض ، ومن المعلوم ضرورة بطلانها ، كما أن من المعلوم عدم كونه وليا متصرفا حال عروضها.

إنما البحث في انفساخ الوصية بعروض ذلك بعد الوفاة ـ فلا تعود حينئذ ، وعدمه ـ وإن كان لا تصرف له حينئذ ، بل أقصاه قيام الحاكم مثلا مقامه ، فإذا زال العارض عادت ولايته ، كالأب الذي اعتراه الجنون ثم زال ، فإنه لا تنقطع بذلك ولايته على ولده الصغير ـ احتمالان : بل الثاني منهما لا يخلو من قوة ، وإن ظهر من بعضهم المفروغية من بطلان الوصاية بذلك ، حتى أنه حمل قول القائل باشتراطها حال الوفاة ، ومن حين الوصية إليها ـ على ذلك ، تجنبا عن التزام عدم بطلانها بذلك ، والظاهر أنه اشتباه ، فإن أقصى ما يمكن القطع به ، عدم صحة تصرفاته مع عروض العارض ، لعدم العقل ونحوه ، لا بطلان الوصاية من رأس ، بل يمكن دعوى عدم القطع ببطلانها كذلك بعروض العارض قبل الوفاة بعد الوصية وان استمر إليها عند القائل باعتبار الصفات حال الوصية ، وان ادعاه القائل المزبور‌

٤٣٣

أيضا محتجا بمعلومية كون الوصاية لها حكم العقد الجائز إن لم تكن منه ، ولا ريب بانفساخه بعروض الجنون ونحوه ، مع أنه خلاف ظاهر من تعرض لذلك الأقوال ، حيث أنهم يجعلونه ، والقول باعتبارها حال الوفاة مقابلا للقول بالاستمرار حين الوصية إلى حين الوفاة ، كما في الدروس ويمكن القول بعدم جريان حكم الجائز عليه بالنسبة إلى ذلك ، كما لو اعترى الموصى الإغماء والجنون ، على أن الشرائط غير منحصرة في العقل ونحوه مما ينفسخ العقد بفقده ، كما أنه يمكن القول بأن الانفساخ بعروض العارض لا يقتضي القول باشتراط الاستمرار في أصل الصحة ، بل أقصاه اشتراط استمرار الصحة باستمرار ذلك ، لأن أصل الصحة مشروطة بالاستمرار ، بحيث لو زال انكشف الفساد ، ولعله يلتزمه القائل باعتبار الصفات من حين الوصية إلى حين الوفاة ، بل ولا الفسخ بحيث لو عاد لم يعد حكم السبب السابق الذي اقتضى ولايته حتى لو قلنا بانقطاعها ، باعتبار عدم قابليته ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الفسخ ، نحو العقد الجائز ، وإلا لاقتضاه بالإغماء ونحوه ، فالتحقيق رجوعه إلى ولايته نحو الأب والمجتهد ، وإن ولايتهما من الشرع ، إلا أن المفروض بعد مشروعيته صار النصب منه كالنصب من الشارع بل العبارة عنهما واحدة ، وكون ولايته من حيث الأبوة المحققة بعد زوال العارض لا يصلح فارقا بينهما ، ضرورة إمكان دعوى أن وصاية الوصي من حيث كونه زيدا أو ابنا مثلا وهو متحقق ، وان انقطعت ولايته بالعارض لكن قد عرفت أن ذلك لا يقتضي انفساخ سبب الوصاية الذي لا مانع من دعوى تأثيره على هذا الوجه ولا يقدح فيه حصول المانع ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع في المقام وغيره ، وبذلك ظهر لك الحال في المقام ، بل وما في كلام غير واحد من الأصحاب حتى ثاني الشهيدين منهم في المسالك وإن كان لم يأل جهدا في تحقيق المسألة ، وأرجع الأقوال الأربعة أيضا الشرائط ، أحدهما : الاعتبار من حين الوصية إلى حين الانتهاء ، والثاني من حين الوفاة إلى حين الانتهاء ، واختار هو الأول منها ، لكن من تأمل الانتهاء ، والثاني من حين الوفاة إلى حين الانتهاء ، واختار هو الأول منها ، لكن من تأمل كلامه ، يجده أيضا غير محرر وغير منقح باعتبار عدم اشتماله على الفرق بين اشتراط أصل الصحة بالاستمرار ، وبين اشتراط الاستمرار بالاستمرار ، وعدم الدليل على ما ادعاه من معلومية الانفساخ بمجرد عروض فقدها ، وغير ذلك ، مما لا يخفى على المتأمل ، والتحقيق ما عرفت ، وبناؤه على عدم تحقق الولاية قبل الوفاة ، وعلى تنقيح ما تقتضيه أدلة الشرائط ،

٤٣٤

وعلى مراعاة مقتضى العمومات ، فإن ملاحظة جميع ذلك تقتضي ما ذكرناه.

وأما بناء بعض أفراد المسألة ولو بالنسبة إلى بعض الأقوال على مسألة ما لو أوصى إلى عدل ففسق ، التي قد عرفت الاتفاق فيها على الانفساخ من القائلين باشتراط العدالة وعدمه ففيه أن ذلك مبني على تعرف حال الموصى وقصده ، وإرادة تقييده الولاية وعدمها ومحل البحث الآن في كيفية اشتراط الشرائط شرعا. وذلك لا دخل له في قصد الموصى ، ومنه ينقدح خروج تصريح الموصى بالإيصاء إلى مجنون بعد عقله ، وإلى صبي بعد بلوغه ونحو ذلك من محل النزاع في المقام بما عرفته ، من أن الوصاية أشبه شي‌ء بنصب الامارة ، فلا يقدح فيها تعليق ولا غيره لعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) وغيره مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه ، والتصريح به من بعض على وجه المفروغية منه ، فمحله حينئذ ما لو أوصى مطلقا للوصية ، فهل يكفي جمع الوصي الشرائط حال الإيصاء أو لا بد من الجميع حال الوفاة؟ أو من حين الإيصاء إلى حين الوفاة على حسب ما عرفت ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة الثانية قد عرفت فيما تقدم أنه تصح الوصية على كل من للموصى عليه ولاية شرعية بحيث يصح الإيصاء بها كالولد وان نزلوا بشرط الصغر أو البلوغ مع عدم الكمال ، وعدم ولي إجباري فلا يندرج في ذلك ، ـ ولو بملاحظة ما تقدم سابقا ـ أحد الأبوين ، مع وجود الآخر ، والوصي الغير المأذون والحاكم ، لما تقدم من عدم ولاية لهم على التولية بعد الوفاة.

وعلى كل حال فلو أوصى بالولاية على أولاده الكبار العقلاء ، أو على أبيه أو على أقاربه لم تمض الوصية عليهم لعدم الولاية له على ذلك ولو أوصى بالنظر في المال الذي تركه لهم لم يصح له التصرف في شي‌ء منه ، لأنه من الولاية عليهم أيضا بل ولا في ثلثه منه لأنه لا ولاية له عليه مع عدم الوصية به ، وعدم إخراجه عن إرث الوارث ، فلا تصح الولاية عليه مع كونه ملكا للوارث كما في نظائره.

نعم لو أوصى به وأخرجه عن إرث الوارث جاز له نصب ولي عليه ، لكن‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

٤٣٥

حينئذ يكون شريكا للوارث ، فليس له الاستقلال بتمييزه إلا إذا نص الموصى على ذلك ، فإن الظاهر الصحة ، لأن له مثل هذه الولاية التي هي أولى من حصره ثلثه في عين معينة ، فإنه مع عدم ضرر على الوارث ينقص في ماله لم يكن له معارضة ، بل قد تقدم سابقا عند البحث في صحة الوصية بالمضاربة في التركة ما يقتضي جوازها بالنظر في المال مع عدم الضرر على الوارث في ذلك ، مثل الوصية ببيع التركة مثلا بثمن المثل وغيره مما تقدم ، وحينئذ يشكل ما سمعته من المصنف.

وعلى كل حال من ذلك وغيره يعلم أيضا أنه تصح الوصية في إخراج الحقوق عن الموصى كالديون والصدقات الواجبة ، ولو بأن يعين أشياء مخصوصة لذلك ويجعل لها وصيا ، وليس حينئذ للوارث معارضة الوصي ، وإن قلنا بكونها ملكا له بالموت ويستحق نماؤها ، إلا أنها انتقلت إليه على هذا الوجه الذي تقتضي عمومات أولويته بماله جواز هذه الوصية ، لأنها ليس مما خرج عن الموصى بالدليل الشرعي ، وهو النقص في الثلثين قهرا على الوارث ، وأحقيته بأعيان التركة من الديان وغيره إنما هو إذا لم يوص الموصى ، وإذا تبرع ووفى دين الديان بالرضا منه كانت الأعيان له ، وليس له إلزام الوصي بأخذها ، وان بذل مقدار الدين مع فرض وصاية الموصى بالوفاء كما هو واضح.

بل لو أوصى وصيا على وفاء دينه مصرحا بأن له ولاية التشخيص بما شاء من الأعيان لم يكن للوارث معارضته أيضا على الظاهر ، لعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) » وغيره مما لا معارض له في مثل ذلك.

نعم لو أوصى وصيا على قضاء دينه وأطلق لم يكن له معارضة الوارث لو أراد بذلك الدين من نفسه ، أو من بعض أعيان التركة ، لأحقيته بأعيانها من غيره ، أما لو امتنع عن الوفاء أجبره الحاكم ، أو يأذن للوصي في البيع عليه ، ودعوى كون الإطلاق في الوصاية يقتضي الوصية بالتخيير له في الأعيان فلا يعارضه الوارث ، وكذا الوصي على الثلث يمكن منعها ضرورة أعمية الإيصاء بذلك من ذلك ـ والله العالم.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

٤٣٦

المسألة الثالثة : يجوز لمن يتولى أموال اليتيم بوصية ونحوها أن يأخذ أجرة المثل من نظره في ماله كما عن الإسكافي والشيخ في آخر باب التصرف في أموال اليتامى ، بل هو خيرة جماعة من المتأخرين كالفاضل في القواعد والمحقق وغيره ، بل عن مجمع البيان أنه الظاهر من روايات أصحابنا.

وقيل : والقائل الشيخ في المحكي عن نهايته وابن إدريس يأخذ قدر كفايته ، وقيل : والقائل الشيخ أيضا في المحكي من خلافه وتبيانه يأخذ أقل الأمرين إن كانت كفايته أقل من أجرة المثل ، فله قدر الكفاية دون أجرة المثل وإن كانت أجرة المثل أقل من الكفاية فله الأجرة دون الكفاية ، ونحوه عن المبسوط لكن قيد ذلك بالفقر ، فقال : « الولي إن كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقل الأمرين ، كفايته أو أجرة مثله » ومع ملاحظة الإطلاق السابق ، وتقييده يكون الأقوال أربعة بل خمسة مع زيادة القول بأخذ أجرة المثل إن كان فقيرا وإلا لم يجز له أخذ شي‌ء منه ، كما هو خيرة ثاني الشهيدين في المسالك.

وعلى كل حال فـ ( الأول أظهر ) من غير فرق بين الغنى والفقير ، وبين الوصي والحاكم وأمينه وعدول المؤمنين وغيرهم ما لم يوجد المتبرع الجامع للشرائط فلا يجوز للحاكم مثلا أن يجعل النظر إلى غيره ممن يريد الأجرة ، بلا مصلحة لليتيم وبين العمل الواجب على الأمين فعله من حيث الامانة ، وبين غيره مما لم يجب عليه ، كالتنمية ، بناء على عدم وجوبها ، لأصالة احترام فعل المسلم كما له ، ووجوبه عليه ـ كوجوب بذل المال في المخمصة بالقيمة ـ لا ينافي أخذ العوض عليه ، مع إمكان وجوب المباشرة بنفسه ، فله حينئذ استيجار من يحفظه مثلا بشي‌ء منه ولو نفسه.

ولعله إلى ذلك أومى‌ صحيح هشام بن الحكم (١) الذي هو دليل آخر للمسألة أيضا قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن تولى مال اليتيم ماله أن يأكل منه فقال : ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم ، فيأكل بقدر ذلك ».

بل لعله المراد بالمعروف في الآية الشريفة (٢) بل وفيما جاء من تفسيرها‌ في موثق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ـ ٥.

(٢) سورة النساء الآية ـ ٦.

٤٣٧

سماعة (١) عن أبي عبد الله فيها « من كان يلي شيئا لليتامى ، وهو يحتاج له ما يقيمه ، فهو يتقاضى أموالهم ، ويقيم في ضيعتهم ، فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كان ضيعتهم لا تشغله عما يعالج نفسه ، فلا يرزأن من أموالهم شيئا ».

وصحيح عبد الله بن سنان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « أنه سئل وأنا حاضر عن القيم لليتامى والشراء لهم والبيع فيما يصلحهم إله أن يأكل من أموالهم؟ فقال لا بأس أن يأكل من أموالهم بالمعروف كما قال عز وجل ( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) وهو القوت » وصحيحه الآخر (٣) عنه أيضا « المعروف هو القوت » وأنما عنى الوصي والقيم في أموالهم ما يصلحهم.

وخبر أبي الصباح (٤) عنه عليه‌السلام أيضا فيها « فقال : ذلك لرجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا ».

ونحوه خبرا سماعة وأبي أسامة (٥) المرويان عن تفسير العياشي عنه أيضا فيها وكذا‌ خبر أبي بصير (٦) المروي في التفسير المزبور عنه أيضا فيها « قال : هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ، ويشغل فيها نفسه فليأكل منه بالمعروف وليس له ذلك في الدنانير والدراهم التي عنده موضوعة ».

وخبر زرارة (٧) المروي فيه أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام فيها « سألته عنها فقال ذلك إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف لنفسه ، فليأكل بالمعروف من مالهم » بناء على أن ذلك أجرة مثله لغلبة عدم زيادة احتراف الناس على ما يحتاجونه في أقواتهم.

بل لعله ذلك هو المراد أيضا من‌ مضمر محمد بن مسلم (٨) المروي عن تفسير العياشي « سألته عن رجل بيده ماشية لابن أخ يتيم في حجره أيخلط أمرها بأمر ماشيته؟ فقال : ان كان يليط حياضها ويقوم على مهنتها ويرد شاردها فليشرب من ألبانها غير مجهد ولا مضر بالولد ثم قال :

__________________

(١ ,٢ ,٣ ,٤ ,٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ـ ٤.

(٥) المستدرك ج ٢ ص ٤٥٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ـ ٩.

(٧ ,٨) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ـ ١٠.

٤٣٨

وان كان غنيا » إلى آخره.

وموثق حنان (١) « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : سألني عيسى بن موسى عن القيم للأيتام في الإبل ما يحل له فيها؟ فقلت له : إذا لاط حوضها وطلب ضالتها ، وهنأ جريانها ، فله أن يصيب من لبنها من غير نهك لضرع ، ولا فساد لنسل » بناء على أن ذلك أجرة مثله عرفا أو أقل ، فإنه من المعروف أيضا ، ضرورة كون المراد أن الأكل من مال اليتيم لا يكون إلا في مقابلة عمله له فيما له ، وإلا كان من الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما.

نعم أعلى أفراد الأكل بالمعروف شرعا وعرفا أجرة المثل ، فان نقص عنها زاد في المعروف وقد أحسن إلى اليتيم ، بل ان لم يأخذ شيئا ، فقد زاد في الإحسان ولم يكن من الأكل بالمعروف الذي قد رخص فيه في مقابلة العمل للفقير ، دون الغنى الذي أريد منه الاستعفاف عن ذلك ، مع عمله لليتيم في ماله ، فالمراد حينئذ أن الفقير إن أراد الأكل ، فلا يأكل إلا بالمعروف ، وهو أن يكون في مقابلة عمل له في مال اليتيم وأن لا يزيد على أجرة المثل ، وكلما نقص عن ذلك فهو من المعروف.

بل لعل ذلك هو المراد من النصوص سيما‌ المرسل في كنز العرفان (٢) قال : إن رجلا قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال : بالمعروف لا مستأصل مالا ولا واق » أى غير مستأصل للمال ، ولا واق بماله مالك.

نعم لو لم يكن لفعله أجرة في العادة كوضع الدراهم والدنانير عنده ، أو كان المال قليلا غير محتاج إلى عمل له أجرة يعتد بها عرفا لم يأخذ شيئا ، على ما أومأ إليه في بعض النصوص السابقة ، كما أنه ينبغي له التعفف لو كان غنيا غير محتاج كي يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن قوته وقوت الواجبي النفقة ، فإن الآية وان اشتملت على الأمر الظاهر في الوجوب خصوصا في أوامر الكتاب ، لكن المادة تشعر بالندب ، فيضعف الظن بإرادته منه على وجه يعارض ما سمعته من القاعدة والصحيح وغيرهما ، سيما في الأعمال التي لا يجب عليه مباشرتها ، كالتنمية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ـ ١.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٥٤.

٤٣٩

ونحوها ، فدعوى أن له بذلك الأجرة للغير دون نفسه واضحة الفساد ، بل هي كذلك في كل عمل كان له ذلك فيه ، ضرورة عدم الفرق بينه وبين غيره في ذلك ، بل لعله أولى باعتبار بقاء نظره على مال الطفل واحتياطه عليه.

ومن ذلك يظهر لك ضعف التفصيل بين الفقير والغنى الاستحقاق وعدمه كما أن منه يظهر لك ضعف مستند الأقوال البقية التي وجهها الأخذ بالآية ، وما ورد في تفسيرها في خصوص الفقير ، أو الجمع بينها وبين ما دل على وجوب الأجرة بأخذ الأقل منهما الذي هو الأحسن في مال الطفل المنهي عن القرب إلى ماله ( إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) ، ولأن الكفاية ان كانت أقل من الأجرة فمع حصولها يكون غنيا يجب عليه الاستعفاف ، وإن كانت الأجرة أقل فهو لا يستحق الأزيد في البالغ ، فضلا عن اليتيم ، واستجوده في المسالك لو تحقق للكفاية معنى مضبوط ، قال : « لأنه إن أريد بالأكل بالمعروف المتعارف كما يظهر من الآية والرواية وجعل مختصا بالولي لا يتعدى إلى عياله ، فلا منافاة بين الفقر وحصول الكفاية منه بهذا الاعتبار حينئذ ، لأن حصول القوت محتاج إلى مؤنة السنة من نفقة وكسوة ومسكن وغيرها حتى يتحقق ارتفاع الفقر ، إذ لم يشترط حصول ذلك في بقية عياله الواجبي النفقة وحينئذ فقولهم في الاستدلال مع حصول الكفاية يكون غنيا غير صحيح ، وإن أريد به مطلق السرف كما هو المراد من قوله تعالى (٢) ( وَلا ـ تَأْكُلُوها إِسْرافاً ) الى آخره وقوله تعالى (٣) ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) وقوله تعالى (٤) ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) الى آخر الآية وغير ذلك ، فقيد المعروف في « غير ذلك » غير واضح المراد يعتبر معه أقل الأمرين ، لأن التصرف على هذا الوجه مختلف باختلاف الأشخاص والحاجة ، وربما أدى ذلك إلى الإضرار بمال اليتيم ، وقوله في الرواية هو القوت تخصيص لمعنى الأكل إلا أنه ليس بصريح في اختصاصه بأكله بنفسه لما عرفت من أن الأكل مستعمل لغة فيما هو أعم من ذلك ».

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ـ ١٥٢.

(٢) سورة النساء الآية ـ ٦.

(٣) سورة البقرة الآية ـ ١٨٨.

(٤) سورة النساء الآية ـ ١٠.

٤٤٠