جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

البيع في بحث اشتراط القدرة على التسليم ما يستفاده منه صحة الهبة لغير المقدور على تسليمها حال الهبة إذا اتفق الإقباض بعد ذلك.

فما عن المبسوط والتحرير والتذكرة من اشتراط صحة هبة المغصوب لغير الغاصب بالقدرة على الانتزاع بل عن الأخير التصريح بفسادها ، وفساد هبة الآبق والضال لامتناع الإقباض كما ترى لا دليل عليه فيما كان إقباضه ممكنا ، وإن كان غير مقدور الآن فيصح حينئذ ، ويتم بالإقباض كما أوضحنا في البيع الذي فرق واضح بينه وبين المقام من حيث المعاوضة وعدمها.

نعم هي نحوه إذا كان فيها عوض ، ويكون المدار على ما يعد سفها في أنظار العقلاء.

ولو وهب لاثنين شيئا مثلا فقيلا وقبضا ، وملك كل واحد منهما ما وهب له ولو مشاعا لوجود المقتضى من العمومات وارتفاع المانع فإن قبل أحد هما وقبض ، وامتنع الآخر ، صحت الهبة للقابض منهما لاجتماع شرائط صحتها فيه دون الآخر ، وليس ذا من تبعيض العقد ، فإنه باعتبار تعدد القابل كان بمنزلة عقدين كما لو اشتريا دفعة ، فإن لكل منهما حكم نفسه في الخيار ونحوه كما في المسالك وغيرها.

قلت : وعليه يجوز للواهب الرجوع بهبة أحدهما دون الآخر ، وكذا الحال فيما لو تعدد الواهب ، واتحد القابل.

نعم لو تعدد المال الموهوب قد يشكل جواز الرجوع بأحد هما دون الآخر ، بناء على أن رجوعه فسخ للعقد ، لاقتضائه التبعيض في العقد الواحد ، وليس كالواقع من أصله مبعضا نحو أن يهب ماله ومال غيره ، أو ما تصح هبته وما لا تصح هبته.

وكان الوجه في ذلك معلومية عدم اعتبار الوحدة في متعلق العقد ، بل هي كغيرها في اقتضائه ، بخلاف تعدد القبول أو الإيجاب ، فإنه في قوة التعدد ، وإلا لاقتضى مشروعية عقد واحد متعدد إيجابه ، ويتحد قبوله ، وبالعكس وهو غير معهود ، بل المعهود خلافه ، من أن العقد هو الإيجاب والقبول فلا بد حينئذ من جعل إيجاب ، ولو تنزيلا مقابلا للقبول مع فرض تعدده ، وبالعكس ، وربما كان العرف يشهد لذلك أيضا ، ومع الإغضاء عن ذلك‌

١٨١

كله وجعل التعدد في الإيجاب والقبول كالتعدد في المتعلق بالنسبة إلى إطلاق مصداق العقد اتجه حينئذ الواحدة في الفرض ونظائره ، وأشكل الفسخ حينئذ في بعض دون آخر فتأمل جيدا والله العالم.

ويجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية بلا خلاف معتد به أجده فيه بل الإجماع بقسيمه عليه ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص به أو القطع به منها مضافا إلى أصول المذهب وقواعده ، فما عساه يظهر من المحكي عن ابن الجنيد من حرمة ذلك وتعديته إلى باقي الأقارب مع التساوي في القرب في غاية الضعف ، بل مسبوق بالإجماع وملحوق به.

ويمكن أن يريد به الكراهة ، فإنه وإن قلنا بالجواز لكنه على كراهية كما هو المشهور ، بل في محكي التذكرة نفي الخلاف فيه ، ولعله كذلك ولا ينافيه إطلاق نفي البأس عن ذلك في محكي المقنعة المحتمل إرادة بيان الجواز بل مقتضى إطلاق الفتاوى ومقعد نفي الخلاف عدم الفرق في ذلك بين حالي الصحة والمرض ، والعسر واليسر ، خلافا لما عن المختلف من قصرها على حال المرض أو الإعسار ، وعن بعض نسخه « عليهما ».

وفي محكي النهاية ويكره في حال المرض إذا كان الواهب معسرا ، وإن كان موسرا لم يكن به بأس ، ولعله لإطلاق النصوص في الجواز ، وأنه قد فعل ذلك الأئمة عليهم‌السلام على كثرتها حتى عقد لها في الوسائل بابا (١) ، وليس في شي‌ء منها إشارة إلى كراهة ، سوى‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « وقد سأله عن الرجل يخص بعض ولده بالعطية قال : إن كان موسرا فنعم ، وإن كان معسرا فلا ».

وموثق سماعة (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عطية الوالد لولده فقال : إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء ، فاما في مرضه فلا يصلح ».

وخبر جراح المدائني (٤) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام « عن عطية الوالد لولده يبينه قال : إذا أعطاه في صحته جاز » مع أن الأخيرين ليسا في التفضيل ، بل وإن كان الولد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الهبات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١٤.

١٨٢

واحدا ، ومحتملان إرادة بيان عدم مضى ذلك من الأصل إذا كان في مرض الموت فلم يبق إلا خبر أبي بصير.

لكن لما كان الحكم الكراهة التي يتسامح فيها ، ويكفى فيها بعض ما سمعت ، مضافا إلى‌ النبوي العامي (١) « إنه قال : لبشير أبي النعمان لما نحل ابنه النعمان غلاما ، أكل ولدك نحلتهم مثل هذا؟ فقال لا ، فقال : اردده » في رواية وفي أخرى « أرجعه » ، وفي ثالثة « اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم » وفي رابعة « لا تشهدني على جور » وإلى ما في ذلك من مثار والشحناء والبغضاء والحسد وجب حمله على شدة الكراهة الواضح وجهها باقتضاء ذلك حرمان الوارث أو النقض المضر به خصوصا بعد إمكان حمل ما في نصوصهم عليهم‌السلام من وقع التفصيل منهم على المزية في الفضل ، أو النقض في المفضل عليه بناء على زوال الكراهة بذلك كما في محكي التحرير والحواشي والروضة وجامع المقاصد ، ونفى عنه البأس في المسالك.

وعلى كل حال فالأمر سهل بعد أن كان الحكم من السنن والله العالم.

وإذا قبضت الهبة بالإذن فإن كانت للأبوين لم يكن للواهب الرجوع إجماعا محكيا مستفيضا أو متواترا ومحصلا ، وخلاف المرتضى فيهما وفي الأولاد وغيرهما من الأرحام منقرض ولذا لم يعتدوا بخلافه ، وأن نسبه إلى إجماع الإمامية وكذا لا يرجع ان كان الموهوب ذا رحم غيرهما ولكن فيه خلاف حتى في الولد في الجملة وإن حكى الإجماع عليه في محكي كشف الرموز والمختلف والمهذب البارع وغاية المرام والدروس في الصغار ، والمختلف في هبة الأب ولده ، وظاهر الوسيلة والتذكرة.

وفي المسالك الظاهر أن الاتفاق حاصل فيه ، وعن التنقيح ، وظاهر جامع المقاصد أنه لا خلاف فيه ، بل عن الآبي إني سألت المصنف عن الإخلال بذكر الأولاد مع أن الإجماع حاصل منهم أيضا فقال كان زيغا من القلم ، لكن عن موضوع من المبسوط يصح الرجوع ان وهب أولاده الكبار دون الصغار وبه جمع بين الاخبار في المحكي من موضع من التهذيب والاستبصار.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٧٦.

١٨٣

اللهم إلا أن يحمل ما في المبسوط على ما قبل القبض ، وما في كتابي الاخبار على أنه احتمال للجمع لا مذهب.

وعلى كل حال فالحكم في المقامين واحد ، بل التذكرة لا فرق بين الولد وولد الولد وإن نزل الذكور والإناث عند علمائنا ، لا صلاة اللزوم ، وإطلاق ما دل من النصوص على عدم جواز الرجوع في الهبة بعد القبض المقتصر في تقييدها على غير المقام وخصوص ما مر من النصوص في الأولاد الصغار هنا وفي الصدقة وغير ذلك.

وأما باقي الأرحام فالمشهور نقلا وتحصيلا أنهم كذلك أيضا ، بل في الرياض عليه عامة من تأخر ، بل قيل قد يظهر من التحرير الإجماع عليه ، بل عن الغنية دعواه صريحا وهو الحجة بعد ما سمعت ، وبعد.

صحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « الهبة والنحلة يرجع فيهما صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم ، فإنه لا يرجع فيها ».

وصحيح ابن مسلم (٢) بن أبي عبد الله وعبد الله بن سليمان « قالا سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب عن هبته ويرجع في غير ذلك ».

خلافا للمحكي عن أبي علي وموضع من السرائر ، وما سمعته من علم لهدي فجوز الرجوع فيها ، وفي محكي الخلاف إذا وهب لأجنبي أو لقريب غير الولد فإن الهبة تلزم بالقبض وله الرجوع ، وادعى عليه في الأول إجماع الفرقة وأخبارهم ، وبه جمع بين الاخبار في المحكي عن تهذيبه وكأنه أراد‌ موثق داود (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، « وأما الهبة والنحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة » ومثله صحيح المعلى بن خنيس ومرسل ابان ، لكن لا يخفى عليك أن مقتضى قواعد الفقه طرحها في مقابلة ما عرفت ، لعدم المكافاة من وجوه أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الهبات ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الهبات ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الهبات ـ ٢ ـ ١ ـ ٣.

١٨٤

تأويلها بجعل قوله عليه‌السلام « وإن » إلى آخره قيدا لقوله ( أو لم يحز ) على معنى جواز الرجوع بها قبل القبض ، وإن كانت لذي قربى ، أو غير ذلك.

ومن الغريب ما في الكفاية من حمل تلك النصوص على الكراهة ، وأغرب من ذلك حملها عليها مع قطع النظر عن هذه النصوص لمعارضتها إطلاق ما دل على جواز الرجوع قال : « لأنه أولى من التقييد ويشهد له هذه الاخبار الثلاثة » وهو كما ترى لا يستأهل ردا والله الهادي لنا وله.

والمراد بالرحم في هذا الباب وفي الصلة وغيرهما مطلق القريب المعروف بالنسب وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه ، وفي المسالك « أنه موضع نص ووفاق » مضافا إلى آية (١) ( أُولُوا الْأَرْحامِ ) والصدق العرفي وغير ذلك ، فما عن بعضهم من اختصاصه بمن يحرم نكاحه شاذ محجوع بما عرفت والله العالم.

وإن كان الموهوب أجنبيا فله أى الواهب الرجوع ما دامت العين باقية ، فإن تلفت فلا رجوع بلا خلاف معتد به في شي‌ء من ذلك ، بل عن الغنية والسرائر وكشف الرموز والتذكرة وظاهر التنقيح الإجماع عليه ، بل لم يحك الخلاف فيه إلا من المرتضى فجوز الرجوع على كل حال ولعله لا يقول به في الفرض الذي هو تلف العين ، وخروجها عن قابلية الرجوع بها ، والرجوع إلى ضمان قيمتها لا دليل عليه ومناف لأصل البراءة وغيرها.

وفي صحيح جميل والحلبي أو حسنهما (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله ان يرجع فيها ، وإلا فليس له » مضافا إلى إطلاق ما دل على جواز الرجوع بها من المعتبرة المستفيضة المقتصر في الخروج منها على المتيقن.

نعم الظاهر ما هو صريح بعض بل عن المهذب البارع الإجماع عليه ، عدم الفرق في ذلك بين كون التلف من الله تعالى شأنه أو من غيره ولو المتهب بل في المسالك وعن جامع المقاصد‌

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ـ ٧٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

١٨٥

والكفاية عدم الفرق بين تلف الكل أو البعض وإن كان قد يشكل ذلك فيما يصدق عليه قيام الهبة بعينها كتلف الظفر ونحوه ، ولعلهم لا يريدونه ، كما يشهد له التعليل في المسالك لما ذكره بان العين مع تلف جزء منها لا تعد قائمة بعينها بل لعلهم لا يريدون أيضا تلف بعض الموهوب المتعدد كعبدين ونحوهما ، اللهم إلا أن يقال : إنه وإن تعدد فهو هبة واحدة ، والمدار على قيامها.

وفيه ان الأصل جواز الرجوع ، والفرض محل شك ـ فيبقى على مقتضاه اقتصارا في الخارج منه على المتيقن والله العالم.

وكذا لا رجوع بها إن عوض عنها ولو كان العوض يسيرا بلا خلاف أجده فيه حتى من المرتضى بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر مضافا إلى‌ صحيح عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا عوض صاحب الهبة فليس له أن يرجع ».

وصحيح عبد الرحمن وعبد الله بن سليمان (٢) المتقدم سابقا ، بل ظاهر إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في العوض بين أن يكون في نفس العقد أو بعده بأن أطلق في العقد ثم بذل العوض بعد ذلك.

نعم صرح جماعة باعتبار بذله على أنه عوض ، وقبول الواهب له على ذلك ، إذ هو حينئذ هبة جديدة ، ولا يجب عليه قبولها ، ولا بأس به اقتصارا في الخروج عن أصل الجواز على المتيقن ، ومنه يعلم المناقشة فيما في القواعد وبعض من تأخر عنها ، من الاكتفاء بها ولو كان من بعضها ، بل المتبادر من المعاوضة هو كون أحد العوضين غير الآخر ، والا لزم صدق المعاوضة بدفعها جميعها إليه ، ومن المعلوم كون مثله ردا لا معاوضة ، كما هو واضح.

وهل تلزم الهبة بالتصرف في الموهوب غير المتلف لعينه؟ قيل : والقائل الشيخ والقاضي وأبو الصلاح وصاحب الرائع وابن حمزة في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

١٨٦

الواسطة وابنا إدريس وسعيد والآبي والفاضل وولده والشهيدان والمقداد نعم تلزم بذلك بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن الخلاف نسبة ذلك في قصر الثوب ـ فضلا عن غيره من التصرف ـ إلى إجماع الفرقة واخبارهم.

وفي محكي المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا ، وأنه الذي يقتضيه مذهبنا ، وعن السرائر وكشف الرموز الإجماع عليه ، وهو الحجة مضافا إلى أصالة اللزوم وخصوص إطلاق ما دل عليه في الهبة بالقبض ، وإن خرج عنه ما خرج.

وصحيح الحلبي (١) المشترط جواز الرجوع ببقاء الهبة بعينها قائمة بناء على انتفاء ذلك بمطلق التصرف وإلى منافاة الرجوع القواعد في خصوص التصرف الناقل للملك خصوصا إذا كان على وجه اللزوم ، فإن التسلط على فسخه مناف لما دل على لزومه ، وإلزام المتهب بالقيمة مناف لقاعدة البراءة والضرر وغيرها ، بل دليل الرجوع لا يقتضي إلا العين وكذا الكلام في التصرف المانع من الرد بالخيار فضلا عن المقام.

ولكن مع ذلك كله قيل لا تلزم بالتصرف وهو الأشبه عند المصنف خاصة وان حكى عن المفيد وأبي الصلاح وابني حمزة وزهرة لكن في المقنعة الأول وكذا إذا أحدث فيها حدثا لم يكن له سبيل إلى الرجوع ، وفي محكي الكافي للثاني في الهدية التي هي من الهبة وله الرجوع فيها ما لم يتصرف من أهديت إليه وعن الواسطة للثالث موافقة المشهور ، بل في كشف الرموز أنه حكى المشهور عن الشيخين وأتباعهما ، وابن البراج وصاحب الرائع ، وصاحب الواسطة.

نعم ربما كان ظاهرا المحكي عن المراسم والغنية ، ولأنه قال في الأول : « إن هبة الأجنبي على ضربين هبة ما يستهلك ، وهبة غيره ، فما كان مما يستهلك كالمواكيل واستهلك فلا رجوع ، وما لم يكن من ذلك فعلى ضربين ، معوض عنه وغير معوض عنه فما عوض عنه لا يجوز الرجوع فيه ، وما لم يعوض يجوز الرجوع فيه ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

١٨٧

وفي الثاني قد جعل الضرب الذي لا يجوز الرجوع فيه ما استهلكت فيه الهبة أو تعوض عنها ، وكانت لذي رحم ، أو كان الموهوب له ممن يصح التقرب بصلته إلى الله تعالى وقال : الضرب الثاني ما عدا ما ذكرنا ، ويدل على ذلك الإجماع وهو الحجة بعد استصحاب الجواز وخصوص إطلاق ما دل عليه من المعتبرة المستفيضة المتقدمة سابقا التي لا يقدح في دلالتها على ذلك خروج ما خرج منها بدليله ، بعد ما تحرر في الأصول « أن العام المخصوص حجة في الباقي ».

وفيه أن بعض ما سمعت يكفي في الخروج عن ذلك ، فضلا عن جميعه ، إذ العام لا يعارض الخاص ، والمطلق لا يعارض المقيد ، فضلا عن مثل المقام الذي قد عرفت اعتضاد أدلته مع اعتبارها في نفسها بالشهرة العظيمة والفرض عدم معارضة شي‌ء لها عدا مطلقات ، حتى إجماع الغنيمة ، فإن معقده عام فلا يعارض ما عرفت من الإجماعات الخاصة وغيرها.

ومن الغريب ما في الرياض من جعله العمدة في دليل هذا القول ، حتى أنه مال إليه بعد شدة اضطراب في آخر كلامه ، وأغرب من ذلك كله التمسك في هذه المسألة للقولين بعمومات ومطلقات ونحوهما ، مع أن العمدة إنما هو صحيح الحلبي (١) ، بل لا دليل على اللزوم بالتلف الذي اتفقوا عليه إلا هو ، بل ربما كان ظاهر من خص الحكم بالتلف ، دون باقي التصرف أنه فهم منه منافاته خاصة للقيام بعينها ، وإن كان هو كما ترى ، ضرورة أنه كما يدل على غيره مما لا يصدق عليه شرط الرجوع الذي هو على الظاهر بقاء نفس عين الموهوب قائما في يد المتهب بالهبة السابقة ليستحق الرجوع به ، فمتى تصرف فيه تصرفا منافيا لذلك لم يجز الرجوع ، لانتفاء شرطه ، ويمكن إرادة القائل باللزوم به التصرف الذي هو كذلك لا مطلقه الذي لا ينافي شيئا من ذلك ويصدق معه بقاء نفس العين قائمة في يد المتهب ، وإلا لم يبق لأخبار جواز الرجوع في الهبة على كثرتها موضوع ، ضرورة صدق التصرف بوضعه بعد قبضه ويسقى الدابة وعلفها ولمسها وركوبها ونحو ذلك كما أنه يمكن إرادة المصنف عدم اللزوم بمطلقه لا ما كان منه نحو التلف في انتفاء شرط الرجوع. وحينئذ تلتئم كلمة الجميع ، وتذهب متعبة ثاني الشهيدين وأطنابه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

١٨٨

ترجيح خيرة المصنف وبطلان القول الآخر حتى ذكر له أدلة عشرة ، وردها أجمع ولكن قد ذكرها على وجه يدخل بعضها في بعض ويسهل الجواب عنها أجمع وظن أن ذلك أقصى ما يقال لهم ، ولا يخفى عليك أنه أطناب في غير محله ، وإنما الأصل في المسألة الصحيح المزبور (١) الذي لا اشكال فيه من حيث السند لأنه وإن عد من قسم الحسن إلا أنه كالصحيح ، بل أعلى من بعض أفراده وتحرير أنه الأصل في الهبة اللزوم ، أو الجواز الذي ستسمعه في المسألة الآتية فمن خص مفهومه بصورة التلف ، اقتصر في اللزوم عليه ، ومن جعل مفهومه أعم من ذلك كما هو الواقع ضرورة كونه أعم منه كما عرفت ، تعدى من التلف إلى غيره مما يدخل في المفهوم المزبور ، بل إليه نظر القائل بالتفصيل الذي نسبوا إلى الدروس وابن حمزة وجماعة ، وهو اللزوم بالخروج عن الملك ، أو تغيير الصورة كقصارة الثوب ونجارة الخشب والوطء للأمة وعدمه بدون ذلك كالركوب والسكنى واللبس ، بل عن ابن حمزة زيادة ولا يقدح الرهن والكتابة بل قيل : ان مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين العود إلى ملك الواهب وعدمه ، مع أن غير واحد من الأصحاب جعل في المسألة قولين لا غير ، بل قد سمعت احتمال كون القول فيه واحدا لبعد التزام القول باللزوم بمطلق التصرف كبعد التزام اللزوم في خصوص التلف ، مع أن الصحيح المزبور شامل لغيره قطعا ، ولعله لذا جعل في الدروس التصرف بالخروج عن الملك خارجا عن محل الخلاف كالتلف لكن في المسالك ان التفريع على القول بالجواز مطلقا واضح فيما لا يحصل مع التصرف نقل الملك ، ولا مانع من الرد كالاستيلاد ، أما معهما فمقتضى كلام القائل به جوازه أيضا من غير استثناء ، وعموم الأدلة يتناوله وحينئذ فلا يتسلط على رد العين ، الانتقال الملك إلى غير الموهوب في وقت كان مالكا ، فوقع التصرف صحيحا ، ولكن يرجع إلى قيمة العين ، وفي اعتبار قيمته وقت الرجوع أو وقت النقل وجهان أجودهما الأول ، لأنه وقت انتقال الملك له الموجب للقيمة جمعا بين الحقين ».

وهو من غرائب الكلام ضرورة عدم تعقب الهبة المجانية الضمان المنافي لأصول المذهب وقواعده ، ولعله التزام القائل بفسخ العقد المترتب عليها مع بقاء العين لأنه انتقل إليه ملك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

١٨٩

جائز ، أولى من ذلك ، وإن كان فيه أن الأدلة إنما اقتضت فسخ الهبة من حينها ، لا البيع الذي مقتضى دليله اللزوم ، فلا محيص حينئذ عن القول باللزوم وان الرجوع بالهبة إنما هو عيني لا عقدي ، كالخيار ، بل قد يحتمل كون الرجوع غير فاسخ ولا ناقص لعقدها ، كما عن بعض الشافعية ، وانما هو سبب شرعي لانتقال العين من المتهب إلى الواهب إذ النصوص إنما أفادت الرجوع الذي هو أعم من فسخ العقد الذي مقتضى العقد لزومه ، ولعل هذا يكون وجها للقول بكون القبض فيها شرطا للزوم ، مع قوله بأن له الرجوع ، على معنى أن له فسخ العقد قبله ، لا بعده ، وإن جاز له الرجوع المقتضى لانتقال العين من المتهب إلى الواهب ، إلا أن هذا الرجوع مشروط بقيام العين نفسها في يد المتهب بالهبة التي كانت السبب في ذلك على الحال الذي انتقلت إليه ومن هنا لم يكن له الفسخ بعد موت المتهب على الأصح لانتقال الملك فيها إلى الوارث الذي لم يثبت سببية الرجوع به ، بل بناء على أن الرجوع فسخ ، يتجه اشتراطه حينئذ بذلك للصحيح المزبور ، الكاشف عن أن حق الرجوع بالهبة إنما هو الرجوع بها نفسها من حيث كونه ملكها بالهبة.

ومن هنا يظهر لك النظر فيما في المسالك من التفريع على القول باللزوم ، قال : « ولو نقلها عن ملكه نقلا لازما فقد قطعوا بلزومها حينئذ وإن فرض عودها إلى ملكه بعد ذلك بإقالة أو غير ذلك من وجوه النقل المتجدد ، لبطلان حق الرجوع بذلك ، فعود يحتاج إلى دليل ، ولو كان عوده بخيار أو فسخ لعيب ونحوهما مما يوجبه من حينه فكذلك ، لتحقق انتقال الملك مع احتمال عود الجواز ، نظر إلى ارتفاع العقد ووجوب سببه من حين العقد ، ويضعف بأن الملك منتقل على التقديرين وإن كان متزلزلا ، وقد صدر عن مالك وعوده إليه لم يبطل ذلك الملك ، وإنما تجدد ملك آخر ، ومن ثم كان النماء المتخلل لمن انتقل إليه دون المتهب ».

إذ لا يخفى عليك ما فيه من الفرق بين الإقالة والفسخ بالخيار أولا ، ومن دعوى سببية ملك جديد بالفسخ ثانيا ، مستدلا عليه بالنماء ، مع معلومية أن الملك إنما هو الأول ولكن عاد جديدا وتبعية النماء لذلك ، وإنما الكلام في ظهور الصحيح المزبور باشتراط الرجوع ببقاء ملك الهبة على حاله الذي انتقل به وعدمه ، كما أن الكلام في غير ذلك من محل الشك بالنسبة إلى الشرط المزبور كوطئ الأمة ورهن العين ومكاتبة العبد ونحو ذلك مما يرجع فيه إلى الأصل المزبور ،

١٩٠

مع فرض الشك في تحقق الشرط فيها فلا يلتفت هنا إلى ما يقال من اقتضاء ما قلناه ونحوها الخرق للإجماع المركب بإحداث قول جديد ضرورة عدم القطع بالمسألة حتى يترتب عليه ذلك ، بل مدارها على الاجتهاد في مفاد جديد الصحيح المزبور ، وفي تأسيس الأصل المذكور ، وقد بينا لك الحال بعد أن دفعنا إليك القسطاس المستقيم فزن به مستعينا بالله الرؤوف الرحيم ، ومنه يظهر لك ما في جملة من الكلمات المتأخرة عن المسالك ، والله هو العالم والهادي.

وتستحب العطية لذي الرحم وإن لم يكن فقيرا بلا خلاف ، ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، وتتأكد في الوالد والولد الذين هم أولى من غيرهم من الأرحام ، لأنها من صلة الرحم المعلوم ندبها كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا بل لعله من الضروري بل في المسالك « وإنما تستحب عطية الرحم حيث لا يكون محتاجا إليها بحيث لا تندفع حاجته بدونها وإلا وجبت كفاية إن تحققت صلة الرحم بدونها ، وإلا وجبت عينا ، لأن صلة الرحم واجبة عينا على رحمه ، وليس المراد هنا مجرد اجتماع البدن ، بل ما يصدق معه الصلة عرفا ، وقد يتوقف ذلك على المعونة بالمال ، حيث يكون الرحم محتاجا ، والآخر غنيا لا يصره بذلك ذلك القدر الموصول به ، بل قد تتحقق الصلة بذلك ، وإن لم يسع إليه نفسه ، كما أن السعي إلى زيارته بنفسه غير كاف فيها مع الحاجة على الوجه المذكور ، وتبعه على ذلك في الكفاية.

ولكن قد يشكل ذلك فيما لا يرجع إلى وجوب الإنفاق ، لمنافاته للأصول وعدم عدادهم له في الواجبات ، وعدم بيان مقداره غير ذلك ، اللهم إلا أن يفرض تحقق قطع الرحم بدونه ، وقلنا بحرمته بالنسبة إلى ذلك ، وهو كما ترى ، والله العالم.

وكذا تستحب التسوية بين الأولاد في العطية بلا خلاف فيه بين العلماء كما في محكي التذكرة ، بل في محكي الخلاف ، لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى بإجماع الفرقة وأخبارهم ، مضافا إلى ما سمعته من الأمر بالنسوية في النبوي المتقدم سابقا في كراهة التفضيل والمنساق من التسوية جعل الأنثى كالذكر ، وان تفاوتت معه في الإرث لا كما يحكي عن شريح وأحمد ومحمد بن الحسن من‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ـ ١ ، وسورة الأنفال الآية ـ ٧٥ ، وسورة محمد الآية ـ ٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصدقة.

١٩١

جعل الذكر ضعف الأنثى ، ويكره الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها ، والزوج لزوجته عند الأكثر في المفاتيح وعندنا في محكي المبسوط بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه وقيل : والقائل الفاضل وفخر الإسلام والمقداد والقطيفي وثاني المحققين والشهيدين والخراساني والكاشاني بجريان مجرى ذوي الرحم في اللزوم بل عن التذكرة حكايته عن جماعة ، كما عن التحرير والحواشي للشهيد حكاية عن الشيخ وكأنه مال إليه أول الشهيدين والأول أشبه عند المصنف لإطلاق ما دل على الرجوع بها ، وخصوص‌ صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام « أنه سئل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال : هي عليك صدقة فقال : إن كان قال ذلك لله فليمضها ، وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها » والإجماع المحكي.

وفيه : أن الإطلاق المزبور معارض بإطلاق ما دل على المنع فيها من النصوص وغيرها ، والصحيح معارض بصحيح عبيد بن زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا ينبغي لمن أعطى لله تعالى أن يرجع فيه وما لم يعطه لله وفي الله ، فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة حيزت أو لم تحز ولا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته ولا المرأة فيما تهب لزوجها ، حيز أو لم يحز ، أليس الله تعالى يقول ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) وقال ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) وهذا يدخل فيه الصداق والهبة » المؤيد بصحيح ابن بزيغ (٢) « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها ، من غير طيب نفسها من خدم أو متاع أيجوز ذلك له؟ قال : نعم ، إذا كانت أم ولده » بناء على أن المراد بالشرط مملوكته ، لعدم صحة الهبة لها ، فيدل بمفهومه حينئذ على عدم الجواز إذا كانت زوجته ، وإجماع الشيخ موهون بمصيره نفسه إلى خلافه ، على ما حكى عنه ، وحمل الصحيح المزبور على الكراهة ليس بأولى من حمل الصحيح الأول على فساد الصدقة ، بخلوها عن القربة ، بل هذا أولى ، إن لم يكن متعينا وترجيح الأول بمخالفته لمذهب أبي حنيفة معارض بموافقة الثاني للكتاب ، بل منه يستفاد كون الآية (٣) دليلا مستقلا لا يصلح لمعارضتها حينئذ ما سمعت ، فضلا عن أن يحمل ما فيها من النهي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ٢.

(٣) سورة النساء الآية ـ ٢٠.

١٩٢

على الكراهة بعد التصريح في الخبر بتناول ذلك للصداق والهبة ولعل هذا هو الذي دعا صاحب الكفاية إلى القول بعدم الجواز هنا مع قوله بالجواز في هبة ذي الرحم فما أطنب في التعجب منه في الرياض حينئذ في غير محله.

والمناقشة ـ في الصحيح المزبور باشتماله على ما لا يقول به أحد من لزوم الهبة قبل القبض ـ يدفعها عدم خروجها بذلك عن الحجية في غيره ، مع أن الصحيح الأول في الصدقة التي تنزيلها على الهبة مع عدم القصد بكونها لله ليكون مما نحن فيه ليس بأولى من حملها على الصدقة غير لازمة أو غير صحيحة ، بناء على اشتراط القربة في صحتها أو لزومها ، بل هذا أولى لما فيه من بقاء الصدقة على حقيقتها ، ومع التنزل عن ذلك كله فلا أقل من الشك ، والأصل اللزوم ، ولو لاستصحاب الملك وقوله (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ودعوى أن الهبة من العقود الجائزة ، وإن اعتراها اللزوم في بعض أفرادها بل هذا أولى ، لأن اللازم قد يعتريه الجواز حتى البيع الذي فيه خيار المجلس ، والعيب ، والغبن ، وغيرها ، وأما العقد الجائز فلزومه إنما يكون بأمر خارجي كشرط ونحوه على أنه قد ذكروا في غير مقام الإجماع على انفساخ العقد الجائز بالجنون والإغماء والموت ومن المعلوم هنا خلافه ، وذلك كله دليل على أن الهبة من العقد اللازم ، وإن اعتراها الجواز في بعض أفرادها بل قد يقال : إنه وإن اختلف إطلاق النصوص في ذلك باعتبار إطلاق الرجوع في بعضها ، وعدمه في آخر ، بل ربما كان دلالة بعضها على الجواز أظهر ، لذكر الفرد اللازم على جهة الاستثناء ، إلا أن الأصل في العقد اللزوم ، للاستصحاب بل والآية (٢) فتأمل جيدا فإنه نافع في غير المقام أيضا والله العالم.

النظر ( الثاني : في حكم الهبات )

وهي مسائل : الأولى : لو وهب فأقبض ثم باع مثلا من آخر فإن كان الموهوب له رحما ، لم يصح البيع على وجه يترقب عليه أثره ، بل يكون‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٢) سورة المائدة الآية ـ ١.

١٩٣

فضولا ، وكذا إن كان أجنبيا وقد عوض أو نحو ذلك مما تكون الهبة به لازمة ، ضرورة وقوع البيع حينئذ على مال الغير ، أما لو كان أجنبيا ولم يعوض فلا إشكال في زوال ملك المتهب بل في المسالك وعن ظاهر المحكي عن التذكرة الاتفاق عليه.

وإنما الكلام في صحة البيع وفساده ، وإليه أشار المصنف بقوله قيل : والقائل الشيخ والقاضي ويحيى بن سعيد على ما حكى عنهم يبطل البيع لأنه باع ما لا يملك ولأن الشي‌ء الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد ، ولذا كان المصلي يخرج بتكبيرة الإحرام الثانية من الصلاة ، ولا يدخل بها فيها ، ولأن البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ ، المتأخر عن البيع ، باعتبار كونه سببا فيه ، والسبب متقدم على المسبب ، فلو كان الفسخ سببا في صحته لزوم الدور.

وقيل : يصح لأن له الرجوع ولكن لم أعرف القائل به ممن تقدم على المصنف نعم هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه وولده والشهيد في الحواشي والمحقق الثاني والشهيد الثاني والخراساني على ما حكى عن بعضهم لعموم (١) ( أَوْفُوا ) ولأن العقد يدل على تحقق إرادة الفسخ ، قبل العقد ، فيكشف العقد عن حصول الفسخ بالقصد إليه قبل البيع ولأنه إذا تحقق الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب فيصير العقد بمنزلة الفضولي ، وقد ملكه من إليه الإجازة ، بل هو أولى ، لأن بايع ملك غيره قد لا يقصد بيعه على تقدير كونه مالكا لها ، بخلاف الفرض فإنه قاصد إلى البيع مطلقا ، ولأن ثبوت الفسخ فرع صحة العقد في نفسه لأنه أثره ، فلو كان البيع فاسدا لم يترتب عليه أثر ولأنه بأول جزء منه تنفسخ الهبة فيكون المحل قابلا لمجموع العقد.

ولكن مع ذلك كله الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده عند المصنف لما عرفت ، إلا أنه قد يناقش فيه بأن المسلم من الأول ما إذا اتحد مورد الفسخ والعقد لا مع التعدد ، كما في الفرض الذي هو فسخ الهبة وانعقاد البيع ، وعدم الانعقاد بالتكبيرة الثانية‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

١٩٤

للنهي عنها ، ولأنها وقعت في صلاة منعقدة ، ولغير ذلك مما قررناه في محله ، والدور إنما هو دور معية كما ستعرف.

كما أنه قد يناقش في أدلة القول الثاني بفقد شرط وقوع البيع فيه وهو الملك لأنه لا بيع إلا فيه ، فلا وجه للتمسك بالعموم مع فقد الشرط المعلوم ، وبما تقدم في إجازة الفضولي والفسخ بالخيار ، من اعتبار اللفظ الدال على ذلك لقوله (١) « إنما يحلل الكلام » أو مطلق الدال ولو فعلا ، وإنه لا يكفى القصد المجرد عن ذلك ، وبالشك في تناول دليل الفضولي لمثله ، على ما تقدم في محله ، وبالمنع من توقف الفسخ على صحة العقد بل حصول لفظ يدل عليه ، وإيقاع البيع على هذا الوجه يدل على إرادة الفسخ فيقتضيه وإن تخلفت صحة البيع من حيث اشتراط تقدم الملك عليه ، وبأن السبب مجموع العقد فلا يكفى ورود ما بقي على المحل بعد انتقاله إليه.

فالأولى من ذلك كله الاستدلال على الصحة بإطلاق ما دل على الرجوع الشامل للأفراد والقولية والفعلية ومنها حينئذ البيع والعتق ونحوهما ، إذ ليس المراد منه تصور معنى الفسخ وإنشائه ، بل ولا تصور معنى الرجوع وإنشائه بلفظه ، وإنما المراد إيجاد ما يدل عليه أو يقتضيه من قول أو فعل ، ومنه المفروض فيكون حينئذ دالا على صحة البيع ، ولو بالتزام إلا الاكتفاء في اشتراط الملك فيه بنحو ذلك ، فيؤثر عقد البيع حينئذ فسخ ملك المتهب ، ورجوع الملك إلى الواهب وانتقاله عنه ، كما أثر عقد بيع الأب على ولده انتقالا من البائع إلى المشتري وتحريرا ، لأنه مقتضى الجميع بين‌ « لا عتق إلا في ملك » (٢) « ومن اشترى أباه انعتق عليه (٣) » وقلنا بكفاية الترتب الذاتي عن الزماني ، جمعا بين الأدلة ، وكذا المقام ، فإنه بعد أن شرع له الرجوع بالبيع لا محيص عن التزام ذلك كله فيه ، كما أنه بعد أن شرع الرجوع بالوطي مثلا ، كان فعله سببا لفسخ الملك عن المتهب مثلا ، مقارنا لدخوله في ملك الواطى ، لكي يقع الوطي في ملك ، فلا يكون أوله محرما وثانيه محلللا والمقام من هذا القبيل عند التأمل ، فلا وجه ، حينئذ لهذه الإشكالات ، التي منها أنه لا وجه لاقتضاء البيع الملك لشخصين في زمان واحد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ١ ـ ٢ ـ ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ١ ـ ٢ ـ ٣.

١٩٥

إذ ليس هو بأعظم من اقتضائه الملك ، والخروج عنه في زمان واحد فيصوره شراء الأب والترتب الذاتي آت هنا ، بان يقال اقتضى الانفساخ والدخول في ملك البائع ومنه إلى المشتري كما هو واضح ، فإن العمدة ثبوت شرعيته المقتضية ذلك كله ، خصوصا بعد معلومية كون الأسباب الشرعية من قبيل الأوضاع الجعلية ، فيجوز ذلك كله فيها ، بعد مجي‌ء الدليل ، لا أنها أسباب عقلية ، والله العالم. هذا كله في الهبة الصحيحة.

وأما لو كانت الهبة فاسدة صح البيع على جميع الأحوال من غير فرق فيها بين هبة الرحم والمعوض عنها وغيرهما ، ضرورة بقاء المال حينئذ على ملك مالكه بل في القواعد الإجماع على ذلك ، بل لعله كذلك في حالي العلم بالفساد والجهل به وإن كان قد يشكل في الثاني مما في المسالك من عدم قصده النقل عن ملكه ، لبنائه على أنه ملك غيره ، والعقود تابعة للقصود ، ولعله لو علم بالفساد وأن المال ماله لم يبعه ، بل على تقدير احتمال إرادته البيع مطلقا ، فمجرد إيقاعه البيع أعم من قصده إليه على تقدير علمه بملكه وعدمه ، والعام لا يدل عليه الخاص ، فالقصد إلى البيع على تقدير كونه مالكا مشكوك فيه ، فلا يكون العقد فيه معلوم الصحة.

لكن قد يدفع أولا : بأن المفروض صدور البيع منه على أنه رجوع بالهبة التي يزعم صحتها على حسب البيع المذكور في المسألة السابقة ، وهذا لا يكون إلا بقصد نقل ملكه ولعله لذا حكم في القواعد الإجماع كما سمعت ، وإن حكى الخلاف فيها فيمن باع مال مورثه فبان موته واستوجه الصحة في كتاب البيع لوضوح فرق بينهما حينئذ.

وثانيا : أن وقوع البيع يقتضي قصد نقل المال إلى المشتري ، وكونه عنه أو عن غيره ليس من مشخصاته ، ولذا لو قصد بيع مال الغير عن نفسه لم يخرج عن الفضولية فكذا لو قصد بيع ماله ـ ولو واقعا ـ عن غيره لم يخرج عن كونه بيعا لازما ، كما أنه يدفع الأخير بأن إيقاع العقد واللفظ الصريح كاف في الدلالة على القصد إليه شرعا ، نحو نظائره من العقود ، إذ لا يشترط في صحته العلم بكونه قاصدا إلى ذلك الشي‌ء حيث يكون شرعيا ، بل يحمل إطلاق لفظه حيث يتجرد عن قرائن عدم القصد على كونه قاصدا بخلاف الهاذل والمكره.

١٩٦

ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما في المسالك من استحسان الرجوع إلى قوله ، بمعنى أنه إن أخبر عن قصده إرادة البيع وان كان مالكا صح ، وإن قصده لكونه فضوليا لم يصح على تقدير ظهور كونه مالكا لعدم توجه قصده إلى البيع اللازم ولأن هذا أمر لا يمكن معرفته إلا منه ، فيرجع إليه فيه كنظائره.

حتى أنه أشكل قول المصنف وكذا القول فيمن باع مال مورثه وهو يعتقد بقاءه الظاهر في أن مفروض المسألة السابقة حال الجهل أيضا بقرينة التشبيه بما قدمه من عدم قصده إلى البيع اللازم ، وإنما قصد الفضولية ، فينبغي أن يعتبر رضاه به بعد ظهور الحال ، خصوصا مع ادعائه عدم القصد على تقدير كونه مالكا ، ثم قال : « ولعله أقوى لدلالة القرائن عليه ، فلا أقل من احتماله احتمالا مساويا للقصد إلى البيع مطلقا ، فلا يبقى وثوق بالقصد المعتبر في لزوم البيع ».

وفيه : ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم تشخيص العقد بذلك وإن قصده ، فيترتب عليه حينئذ ما يقتضيه من الأثر ، إن لزوما فلزوم ، وإن فضولا ففضول ، وحينئذ فلا مدخلية لبيان جمل المطلق على قصد البيع لنفسه وعدمه ، هذا.

وكأن المصنف عطف هذه المسألة على السابقة بقوله « وكذا » مشعرا بالفرق بينهما ، لما ذكرناه أولا من فرض البيع الرجوعي الذي هو المبحوث عنه في أصل المسألة وحينئذ لا إشكال في الفرق بينهما ضرورة قصد البيع لنفسه وقد صادق اجتماع الشرائط في الواقع حتى لو كان جاهلا بالفساد ، بل ولو كان زاعما صحة الهبة ، وكانت لرحم ، لكنه فعل ذلك لزعم جواز الرجوع الذي هو غير مشروع ، وإن كان لا يخلو من اشكال ولعله على ذلك ينزل ما في الدروس فإنه بعد أن حكى عن الشيخ تساوي مسألتي فساد الهبة وبيع مال مورثه في الحكم بصحة البيع ، وإن جهل الحال قال : « وقد يفرق بينهما بالقصد إلى صيغة صحيحة في مال الموروث بخلاف الموهوب » فيسقط عنه ما اعترضه به في المسالك ـ حيث أنه بعد أن حكى ذلك عنه قال : « ولا يخفى عليك فساد هذا الفرق فإن القصد إلى الصيغة الصحيحة بالمعنى المقابل للباطلة حاصل في المسألتين وبمعنى اللزوم منتف فيهما ، ولا فرق بينهما أصلا ـ كما لا يخفى ، إذ‌

١٩٧

قد عرفت من كلامه في الفرض الذي ذكرناه وهو البيع لنفسه ، ولو ظلما بإرادة الرجوع بالهبة اللازمة في ظنه.

نعم قد عرفت أن الأقوى فيه الصحة على التقدير المزبور لعموم الأدلة ، وربما كان في قول المصنف وكذا إذا أوصى برقية معتقة وظهر فساد عتقه إشارة إلى ما قلناه ، فإنه نحو مفروض المسألة ضرورة كونه أوصى برقية يزعم عتقها ، ومن هنا استوجه في المسالك كلام الدروس فيها ، لعدم قصده إلى الوصية الشرعية بل بمنزلة الهاذل والعابث بالنظر إلى ظاهر حاله ، فلا ينفه ظهور ملكه بعد ذلك في نفسه الأمر ، بخلاف من باع مال غيره ، فإنه قاصد إلى بيع صحيح شرعي غايته أنه جائز من قبل المالك ، لكنه لازم من قبل المشتري ، فهو عقد شرعي مقصود إليه ، وإن لم يقصد إلى لزومه مطلقا لكنه كما ترى لا دليل على اعتبار مثل ذلك في الصحة ، بل مقتضى عموم الأدلة وإطلاقها الصحة ولذا كان بيع الغاصب ـ القاصد ترتب الأثر على بيعه معاملا للمغصوب معاملة مال نفسه ولو ظلما ـ من الفضولي ، ودعوى أن ذلك والفرض وأشباههما كالهازل والعابث غريبة ، بل هو قصد صحيح في نفسه كغيره من مقاصد عقلاء أهل الدنيا ، وإن لم يترتب عليه أثر شرعي ، بل من ذلك عقد الكتابية والمخالفة متعة ، فإن الظاهر الصحة وإن زعما الفساد فإن الصحة الشرعية تترتب على القصد العرفي قصدت أو لم تقصد ، بل وإن قصد عدمها بعد فرض حصول سببها الشرعي كما هو واضح. بل لعل السر في ذكر المصنف وغيره المثالين المزبورين إرادة بيان اتحاد الحكم وأنه الصحة على جميع التقادير فتأمل جيدا لكن لا يخفى عليك محال النظر فيما في المسالك وغيرها.

المسألة الثانية : إذا تراخى القبض عن العقد ثم اقبض ، حكم بانتقال الملك لعدم اعتبار الفورية فيه ، بلا خلاف أجده لإطلاق ما دل على شرطيته مما تقدم سابقا : بل لعل مرسل أبان (١) منها ظاهرا في عدم اعتبار الفورية فيه ، بل ينبغي القطع به بناء على أنه شرط للزوم لا الصحة ، كما اعترف به بعضهم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

١٩٨

نعم في القواعد « الإشكال في ذلك ، بناء على أنه شرط للصحة لكونه حينئذ جزء السبب ، فأشبه القبول ، وللاقتصار على المتيقن » وفيه أن كونه جزء السبب لا يقتضي الفورية بعد إطلاق الأدلة ، ووجوبها في القبول باعتبار كونه جوابا للإيجاب ، فيخرج حينئذ مع عدم الفورية عن طريق التخاطب المعتبر في العقود كالعربية ، ولعل الأولى في وجه الاشكال احتمال توقف حقيقة الهبة عليه ، لأنها عطية وإيتاء ، فالعقد بدونه لا يكون هبة كما هو مقتضى الخبر المتقدم « لا تكون الهبة هبة حتى يقبضها » منضما ذلك إلى دعوى ظهور الأدلة في أن الهبة التي يترتب عليها الأثر ليست إلا شيئا واحدا يحصل في زمان واحد مثل البيع والإجارة ونحوهما ، وحينئذ فسبيته الهبة بناء على اعتبار ذلك في مفهومها ينافيها التراخي ، بل لا أقل من الشك في شمول الأدلة لها معه ، وبه يفرق بينه وبين غيره مما اعتبر القبض في الصحة كالوقف ونحوه ، مما هو غير داخل في مفهومه ، وإن اعتبر في ترتب أثر السبب عليه ، لكونه شرطا له.

بل كان ذلك هو السبب في اتفاق القائلين بكونه شرطا للصحة على انتقال الملك به من حين ه‍ أي القبض ، لا أنه كاشف عن حصوله من حين العقد ، وليس كذلك الوصية فإنه يحكم بانتقالها بالموت مع القبول وإن تأخر القبض عنهما لعدم مدخليته في الملك بها لإطلاق الأدلة كما تسمع تحقيق الحال فيه إن شاء الله ، مع أنه مقتضى القواعد ـ التي قررناها غير مرة في نظائره ـ كونه كاشفا ، بناء على أنه من الشرائط فما ذلك إلا لعدم حصول الهبة إلا به ، فلا سبب متقدم عليه حتى يكون هو شرطا كاشفا ، إلا أن الجميع كما ترى ، ضرورة عدم توقف الهبة بمعنى العقد عليه ، وإن توقف بمعنى العطية ، والكلام الآن في الأولى فليس هو حينئذ بالنسبة إليها إلا شرطا ، وكان مقتضى ما عرفت أن يكون كاشفا لكن ظاهر ما دل على شرطيته مع الإجماع حصول النقل به لا قبله والله العالم.

المسألة الثالثة : لو قال : وهبت ولم اقبضه كان القول قوله بلا خلاف أجده فيه بل عن المبسوط والمهذب والتذكرة والتحرير والدروس والحواشي أنه كذلك وإن قال : مع ذلك خرجت منه المراد منه أني آذنت له في قبضه كل ذلك لما عرفت من عدم دخول الإقباض في حقيقة الهبة العقدية ، بناء على انصراف الإطلاق إليها ، ولا يقدح في ذلك كونه شرط‌

١٩٩

للصحة ، فيكون إنكاره كدعوى الفساد المعلوم تقدم دعوى الصحة عليها ، لما في المسالك من الفرق بين الأمرين ، فإن منكر الإقباض لا يدعى فساد الهبة ، وإنما ينكر أمرا من الأمور المعتبرة فيها ، وأنها لم تحقق بعد ، كما لو أنكر الإيجاب والقبول ، وإن اشترك الجميع في عدم صحة العقد بدونه ، وهو تام لو كانت الدعوى من الواهب أما إذا كانت من وارثه التي هي دعوى الفساد بعد إقراره بأن مورثه قد وهب ، ولكنه لم يقبض ، بل قد يشكل ذلك فيه أيضا ضرورة أن مبنى عدم كون الإقرار بالهبة إقرارا بالقبض الذي أحد أركان صحتها دعوى كون المعروف شرعا من الهبة هو الإيجاب والقبول خاصة والقبض وإن كان معتبرا في الصحة إلا أنه خارج عن مهيتها ، وقد تقدم في تعريف الهبة أنه العقد إلى آخره ولا شبهة في أن القبض أمر آخر غير العقد ، فالإقرار بأحدهما لا يقتضي الإقرار بالآخر.

لكن قد يمنع ذلك بناء على ما تقدم غير مرة من دخول المعاطاة في مفهوم هذه الأسماء كالبيع والإجارة ونحوهما وحينئذ فلا تكون أسماء للعقود حينئذ كي يتم الكلام المزبور ، ويدفع بأن يقال إنا وإن قلنا : بعدم كونها أسماء للعقود نفسها لكنها اسم للأثر الحاصل بالعقد ، ومن المعلوم كونه التمليك المزبور ، لا الأثر الحاصل من العقد وشرائطه وليس القبض داخلا في مفهومه وحصوله بالفعل لا يقتضي دخول ما أفاده الفعل من الإقباض في حقيقته بل أقصاه حصول الأمرين به معا.

وحينئذ على كل حال فالإقرار بها ليس إقرارا به ، بل لعله كذلك حتى لو قلنا بأن المعاطاة الفعلية نفسها هبة ، ضرورة تعدد أفرادها ، والإقرار بفرد منها لا يقتضي الآخر ، فعلى مدعيه البينة حينئذ فيتجه ما ذكره المصنف كما أنه قد يدفع الأول : بأن دعوى الوارث عدم القبض ليس دعوى فساد ، وإنما هي قائمة مقام دعوى المورث ، وإن قارن ذلك حصول انفساخ بالموت لكن لا يكون به دعوى فساد على وجه تقدم عليه دعوى الموهوب ، بأنه قد أقبض فتأمل وكيف كان فالإقرار بالهبة ليس إقرارا بالقبض نعم لو قلنا بدخول القبض في مفهومها أتجه حينئذ عدم تقديم قوله ولكن قد عرفت فساد الدعوى المزبور.

نعم للمقر له إحلافه ان ادعى عليه الإقباض لعموم البينة ، أما إذا‌

٢٠٠