جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بل صرح غير واحد بمساواة الواجب البدني له في ذلك أيضا بمعنى أنه لو أوصى بالواجب البدني وغيره من الثلث أخرج أولا الواجب ، وإن متأخرا ثم غيره الأول فالأول إن كان ، بل ربما ظهر من بعضهم نفى الخلاف فيه فضلا عن الأول ، لكن في جامع المقاصد أنه لا فرق بينه وبين سائر الوصايا التي ليست بواجبة في أنه يبدأ بالأول فالأول ، إن كان قد أوصى بها مرتبة إلى آخره.

قلت : يمكن أن يكون دليلهم على ذلك مضافا إلى أهمية الواجب من غيره‌ صحيح معاوية ابن عمار (١) قال : « إن امرأة من أهلي ماتت وأوصت إلى بثلث مالها ، وأمرت أن يعتق عنها ويتصدق ويحج عنها فنظرت فيه فلم يبلغ فقال : ابدأ بالحج فإنه فريضة من فرائض الله سبحانه وتجعل ما بقي طائفة في العتق وطائفة في الصدقة » فإنه وإن كان مورده الحج ، إلا أن التعليل فيه قاض بتقديم البدني وحينئذ يكون الصحيح المزبور دليلا على القسمين.

والانصاف أنه إن تم الإجماع عليه كان هو الحجة ، وإلا أشكل بما سمعته فيما يأتي من الاستدلال على ما تطابق عليه النص والفتوى من تقديم الأول فالأول ، بما يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الواجب وغيره فيبطل المتأخر لعدم متعلق له ، فإن كان واجبا ماليا خرج من أصل المال ، وإن كان بدنيا بطل ، بناء على عدم خروجه إلا من الثلث إذا كان قد أوصى بإخراجه منه ، واحتمال أن ذلك حكم شرعي وإن كان قصد الموصى على خلافه للصحيح على خلافه المزبور المحتمل لكون الوصايا غير مرتبة ، وإن المراد منه الترجيح بذلك ، بل لعل ظاهر التقسيط فيه الذي هو حكم غير المرتب يقتضي عدم الترتيب فيه في غاية الصعوبة ، ضرورة اقتضائه عدم قاعدة « تبعية الاعمال للنيات » و « العقود للقصود » وغيرها من القواعد المحكمة في سائر المقامات.

وعلى كل حال يخرج غير الواجب من الثلث ويبدأ بالأول فالأول وكذا لو كان الكل غير واجب ، بدأ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث وتبطل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٠١

المتأخرة مع فرض عدم إجازة ، لأن الوصية الصادرة أولا نافذة لوقوعها من أهلها في محلها وهكذا ما بعدها إلى أن تبقى المتأخرة بلا موضوع تتعلق به ، فتختص بالبطلان.

ولخبر حمران (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل أوصى عند موته وقال : أعتقوا فلانا وفلانا حتى ذكر خمسة ، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم ، قال : ينظر الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقومون ، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شي‌ء ذكر ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ، وان عجز الثلث كان ذلك في الذي سمي أخيرا ، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك ».

معتضدا ومنجبرا بعدم الخلاف المعتد به بين الأصحاب فيه كما أن اشتماله على التعليل يدفع احتمال اختصاصه بما فيه ، بل منه يعلم عدم الفرق بين الوصية العهدية والتمليكية ، ضرورة كون الموضوع فيه الأولى ، ولعله كذلك سيما بناء على ما تقدم منا سابقا من عدم كون الوصية من العقود ، وإن اعتبر رضا الموصى له في حصول الملك ، لأن كلام منهما سبب في حصول أثر الإيصاء فكل متقدم يترتب عليه أثره فيختص البطلان بالأخير الذي لم يصادق موضوعا ، كما صرح به في الصحيح المزبور ، ومنه يعلم كون المدار على ذلك من غير خلية لقصد الموصى ، بل قد يعلم خلوه عن قصد الترتيب.

نعم لو صرح ارادة الترتيب اتبع ، وإن رتب في اللفظ بأدائه من الفائدة وثم ونحوهما وربما ذكرنا ظهر وجه الفرق بين الوصية ، وإن كانت عهدية وبين أمر السيد عبده مثلا بإعطاء زيد درهما من مال مخصوص وعمروا كذلك وخالدا أيضا الذي لم يرد منه إلا الامتثال ، فلا فرق بين الأول والأخير في صدقة ، فيقع القول على الجميع ، كما في صورة عدم الترتيب في المسألة بخلاف الفرض الذي فيه ترتب آثار للسبب وإن لم يتم ، إلا بالموت والقبول ، بل يستفاد من التعليل كون الحكم كذلك في الوصية بالزائد عن الثلث مع الإجازة وقصور المال.

فإنه يبدأ بالأول فالأول ، ضرورة كون الأخير هي التي لم تصادف محلا فتختص بالبطلان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٠٢

وعلى كل حال فالحكم حينئذ لا اشكال فيه من غير فرق بين العتق وغيره ، ولا بين وقوع الترتيب في زمان واحد عرفي ، وزمانين متباعدين كغدوة وعشية.

خلافا للشيخ والإسكافي ـ حيث قدما العتق وإن تأخر‌ للموثق (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصية ، وكان أكثر من الثلث قال : يمضى عتق الغلام ، ويكون النقصان فيما بقي » وغيره مما هو ظاهر في التنجيز المقدم على الوصية بلا خلاف ولا اشكال ، لا الوصية التي هي محل البحث ـ ولابن حمزة حيث جعل الوصية المتأخرة المتباعد زمانها عن الأولى ناسخة لها ، ومقتضية للرجوع عنها.

للضعيف (٢) « إن ابن أخي أوصى بثلاث وصايا ، فبأيهن آخذ؟ فقال : خذ بأخريهن قلت : فإنها أقل قال : وإن قلت » وهو مع خلوه عن تفصيله ضعيف فاقد لشرائط الحجية فضلا عن أن يصلح معارضا لما عرفت فلا بأس حينئذ بحمله على ارادة الوصايا التي بالتضاد ونحوه يعلم عدم قصد الموصى ارادتها جميعها ، بل يعلم كون المراد واحدة منها ولا ريب حينئذ في أن الحكم للمتأخرة كما هو واضح.

وعلى كل حال فمن ذلك ما لو أوصى لشخص بثلث أولا ولآخر بربع ثانيا ولم تجز الورثة اعطى الأول لمصادفة الوصية ثلث الموصى فهي ممكنة النفوذ وبطلت الوصية لمن عداه بعدم اجازة الوارث المتوقفة صحة الوصية في الفرض عليها إذ ليس للموصى إلا الثلث الذي قد تعلقت به الوصية الأولى التي لم يعلم رجوعه عنها فيستصحب حكمها وما وقع من الوصية بالربع والسدس بعدها أعم من ذلك قطعا ، وكذا لو أوصى بنصف ولآخر بخمس ولثالث بربع ، أو للأول بجميع المال ولآخر بثلث ولثالث بسدس ، فإن الأول ، يعطى في الجميع الثلث ويبطل الزائد مع عدم الإجازة لما عرفت من البدء في مثل ذلك بالأول فالأول ، لكن فيما حضرني من المسالك في نسختين ابدال السدس في المثال الثاني بالنصف ، وبذلك يقتضي بقاء سدس للأول لا ثلث.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٧ وفيه أن أبي إلى آخره.

٣٠٣

وعلى كل حال فما عن بعضهم ـ من أن الوصية بالربع والسدس في نحو مفروض المتن رجوع عن الأول ـ واضح الضعف بعد الإحاطة بما قدمناه بل قيل : أنه غير معروف القائل بل عن التحرير وغيره نسبة أصل الحكم إلى علمائنا.

نعم لو أوصى بثلثه الراجع إليه لواحد ، وبثلثه كذلك لآخر كان ذلك رجوعا عن الأول إلى الثاني للتضاد في متعلق الوصية الذي قد فرض اتحاده واختلاف الموصى له فليس إلا الرجوع نحو الوصية بعين مخصوصة لزيد ، ثم الوصية بها نفسها لعمرو ونحوه ما كان بمعناه مما يحصل به التضاد صريحا أو ظاهرا ، أما لو قال : ثلث مالي لزيد ، ثم قال : ثلث مالي لعمرو لم يكن رجوعا لعدم العلم والظن بالاتحاد اللهم إلا أن يكون عرف أو قرينة تدل على ارادة الثلث الراجع إليه من ذلك ، فإنه يكون رجوعا أيضا ، كما أنه لو كان عرف أو قرينة تقضى بأن المراد من « ثلثي » لو فرض الاقتصار عليه في الوصية ثلث المال ، لا الراجع إليه خاصة ، لم يكن رجوعا لعدم التضاد حينئذ بل يعطى الأول ثلثه الراجع إليه الذي صادفته الوصية الأولى ، ويتوقف في الثانية على الإجازة.

لكن المعروف بين الأصحاب أنه بإضافة الثلث إلى نفسه يكون رجوعا ، بل عن خلاف الشيخ أن إجماع الفرقة وأخبارهم على الرجوع في ثلث ماله الذي لا ريب في أولوية المفروض منه كما عن التحرير نسبته إلى علمائنا ، بل اعترف به أيضا في جامع المقاصد.

فما عن المهذب والمختلف والإيضاح ـ من أنه ليس رجوعا لعدم الصراحة في إرادة ثلثه الراجع إليه ، إذ هو ما دام حيا جميع المال في قبضته ومنسوب إليه ، ولعله لذا توقف فيه في القواعد ، بل ومحكي التحرير ، وان نسبه الى علمائنا ـ ضعيف ، ضرورة كفاية الظهور في الرجوع كالتصريح ، لصلاحية كل منهما لقطع الاستصحاب ودعوى عدم الظهور أيضا كما ترى ضعيفة ، ومع تسليمها فالأمر سهل ، ضرورة رجوع النزاع إلى مفهوم عرفي يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.

وقد ظهر لك من ذلك أن موضوع المسألة الأولى التي قلنا يبدأ بالأول فالأول فيها ، تعدد الوصايا مع عدم التضاد بينها ، وإن امتنع العمل بها جميعها ، لقصور الثلث أو المال ، بخلاف‌

٣٠٤

الثانية التي قلنا أن الثانية تكون رجوعا عن الأولى ، فإن موضوعها المتضادان اللذان لا يمكن جمعهما في الخارج في حد ذاتهما ، لا للقصور كما هو واضح.

من غير فرق بين كون الوصية بمقدار أو عين أو كسر ، فإن المدار على ما ذكرنا من الحكم بالرجوع مع التضاد صريحا أو ظاهرا وعدمه مع عدمه.

ولعله هذا أولى مما في السرائر من تنقيح ذلك فإنه بعد أن ذكر أن للموصى الرجوع في وصيته ما دام حيا عاقلا قال متصلا بذلك ـ وإذا أوصى الإنسان بثلث ماله لشخص ثم بعد ذلك أوصى بثلث ماله لغير ذلك الشخص كان الثلث لمن أوصى له أخيرا ، وكانت الوصية الأخيرة ناسخة للأولى ورافعة لحكمها ، لأن الإنسان لا يستحق من ماله بعد وفاته إلا ثلث ماله ، فإذا أوصى به لإنسان ثم أوصى به بعد ذلك لإنسان آخر فقد نقل الثلث الذي يستحقه من الأول إلى الثاني ، لأنه يعلم أنه لا يستحق إلا الثلث ، فإذا أوصى به بعده فقد رجع عن الوصية الأولى ، وللإنسان أن يرجع عن وصيته ويبدلها ويغير أحكامها ما دام حيا ثابت العقل فليلحظ ذلك ، فهذا قول أصحابنا ، وما يوجد في الكتب أنه إذا أوصى للإنسان بوصية ثم أوصى بأخرى فإن أمكن العمل بهما جميعا وجب العمل بهما ، وإلا كان العمل على الأخيرة ، دون الأولى ، وأما إذا أوصى بشي‌ء ولم يذكر الثلث ، ثم أوصى بشي‌ء آخر ولم يذكر الثلث ، فإن مذهب أصحابنا أن يبدأ بالأول فالأول ، ويكون النقصان إن لم يف الثلث داخلا على من ذكر أخيرا ، لأنه لما أوصى للأول ما قال : أوصيت له بثلثي ، وكذلك الثاني والثالث فظن أن ثلثه ـ يبلغ مقدار جميع ما ذكره ولم ينقل عن الأول ما أوصى له به وكذلك الثاني ، فلو علم أنه قد استوفي ثلث ماله لمن أوصى له به ، لم يوص بعده بشي‌ء آخر ، فإذا استوفاه يكون النقصان على من ذكره أخيرا ، فهذا الفرق بين المسألتين فلا يظن ظان أن المسألتين واحدة ، وأن بينهما تناقضا ، وأن مذهب أصحابنا أن الوصية الثانية ناسخة للأولى في جميع المواضع ، ولا أن الواجب بالأولى في الجميع ، إلى أن قال : ويدل على ما قلناه قول الشيخ في المبسوط ، ونقل ما تسمعه عن من العبارة المشتملة على ما تعرف من الغرائب على ما حكاها في المختلف ، وأغرب من ذلك ما حكاها هو عنه ، ولعل نسخ المبسوط مختلفة ، فلا حظ وتأمل.

٣٠٥

لكن لا يخفى عليك أن ما ذكرناه أجود منه ، ضرورة إمكان وصيته بثلث آخر اعتمادا على إجازة الوارث ، فلا يكون علمه بأنه ليس إلا ثلث قرينة على اتحاد الموصى به ، لكن من الشخصين بثلث ماله ، بل ما ذكره أيضا ـ من أن الموصى لم يرد إلى الوصية ، بمقدار ثلثه ، وإن اشتبه في سعته ـ واضح المنع ، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.

وعلى كل حال فلا يتوهم هنا إعمال قاعدة الإطلاق والتعميم ، والتخصيص في المقام ، حتى يتوجه أنه لو أوصى بثلث المال ثم بجميعه أو بالعكس ـ تخصيص الجميع بما عد الثلث ، فيعطى ذو الجميع مع الإجازة الثلثان لو كان متأخرا ، أما لو كان هو المتقدم نفذ له الثلث ، وتوقف الثلث الثاني والثلث الموصى به للمتأخر على الإجازة ، ولو قال : ثلثي لزيد ، ثم قال : جميع المال لعمرو ، توقف الوصية الثانية على الإجارة ، وكذا لو عكس ، ولا يكون رجوعا عن مقدار الثلث ، لأنه بما عرفت يكون المراد من جميع المال ما عدا ثلثه ، إلى غير ذلك مما يتفرع على هذا التقدير.

لكن الذي يظهر عدم مراعاته ، ولعله لأن المفهوم عرفا في أمثال المقام عدم التقييد والتخصيص ، وأنه كالخاص أو المقيد بعد حضور وقت العمل بالعام والمطلق ، أو كالاخبارات التي لا يجوز نحو ذلك فيها بعد الفراغ من التشاغل بها ، لأن وقت حاجتها حال وقوعها ، أو لأن المراد بها إنشاء تمليك ، ومثله لا يجري فيه الإطلاق والتقييد ، أو لغير ذلك ، وأما احتمال التزام الأصحاب ذلك كله فيما سمعت وغيره ، فإنه يأباه ملاحظة كلماتهم.

ومن الغريب بعد ذلك كله ما وقع للكركي في المثالم من أن الأصل في الوصية أن تكون نافذة ، فيجب حملها على ما يقتضي النفوذ بحسب الإمكان ، وإنما تكون الثانية نافذة إذا كان متعلقها الثلث الذي يجوز للمريض الوصية به ، فيجب حملها عليه ، كما يجب حمل إطلاق بيع الشريك النصف على استحقاقه ، حملا للبيع على معناه الحقيقي وحينئذ فيتحقق التضاد في مثل ما لو قال : أوصيت بثلث لزيد ، وبثلث لعمرو ، فيكون الثاني ناسخا للأول ، فيقدم وأولى منه ما لو قال : ثلث مالي ، ثم فرع عليه : أنه لو أوصى لزيد بثلث ، ولعمرو بربع ، ولخالد بسدس وانتفت القرائن ، أن يكون الوصية الأخيرة رافعة للأول ، مع اعترافه لمخالف لما‌

٣٠٦

صرح به جميع الأصحاب ، والحامل له على ذلك ما فهمه من أن إطلاق الوصية محمول على النافذة.

وأنت قد عرفت مما حققناه سابقا أن الإطلاق في الوصية وغيرها من العقود إنما يقتضي إرادة معنى ما تعلق به العقد لكن إذا صادف ذلك ما يمكن نفوذه فيه نفذ ، لوجود المقتضى وارتفاع المانع ، وإن لم يصادق ذلك كان عقدا موصوفا بالصحة القابلة للنفوذ وعدمه بسبب رفع المانع ، أو تحقق الشرط الشرعي وعدمهما ، ففي البيع إذا علقه على النصف من غير تعرض لكون المستحق له ، أو المشاع بينه وبين شريكه اقتضى نقل النصف في نفسه ، وله محل ينفذ فيه ، باعتبار استحقاق العاقد المخاطب بالوفاء بعقده نصفا ، فينفذ وينزل عليه تنزيلا شرعيا لا قصديا ، بمعنى كون العاقد قد قصد ذلك وكذا ما نحن فيه ، فإن الموصى إذا أوصى لزيد بثلث لم يقصد إلا تمليك الثلث في نفسه ، إلا أنه لما كان يمكن تنفيذه باعتبار استحقاق الموصى ثلثا ، نفذت الوصية به ، فإذا أوصى بعد ذلك بثلث أيضا لم يصادف ذلك محللا ينفذ فيه ، لسبق السبب الأول ، وإنما صادف محلا ينفذ فيه مع الإجازة ، فيتعلق حينئذ كذلك ، على حسب ما صادف كما هو واضح ، ولا يسمى مثله باطلا ، بل هو صحيح خصوصا بعد بناء الأصحاب في المقام من كون الإجازة تنفيذا ، لا ابتداء عطية ، كما عرفت ، فتصرف الموصى حينئذ يقع في ماله ، إلا أنه كان متوقفا على إجازة الوارث ، وبها يتم تصرفه في ماله ، لا أنه يكون التصرف من الوارث ، فلا دلالة في الوصية الثانية على الرجوع عن الأولى لعدم التضاد بينهما بخلاف ما لو علقها بما علق الأولى ، فإنه يحصل التضاد فليس إلا الفسخ والرجوع ويكون الثاني كالوارد على الأول فينسخه ، ضرورة كونه حينئذ كالدليل الوارد على الأصل ، إذ لا معارض للثانية إلا استصحاب صحة الأولى المعارض بما وقع من نفس الوصية الثانية ، ومن هنا حكمنا بنسخ الأولى للثانية ، دون العكس ، وكذا لو قال ثلث لزيد ثم قال ثلثي لعمرو ، فإنه رجوع بخلاف العكس.

وبما ذكرنا يظهر لك الحال فيما ذكره جملة من الأصحاب في المقام ، فإنه كما في المسالك قد اختلاف اختلافا كثيرا حتى من الرجل الواحد في الكتب المتعددة بل الكتاب الواحد ، بل فيها‌

٣٠٧

أنه اتفق لشيخ الطائفة غرائب في المسألة حيث قال في الخلاف : « إذا أوصى بثلث ماله لإنسان ، ثم أوصى بثلث ماله لغيره ولم يجز الورثة كانت الوصية الثانية رافعة للأولى ، وناسخة لها ، ثم استدل عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وبأنه لو قال : العبد الذي أوصيت به لفلان ، قد أوصيت به لفلان ، فإنه يكون رجوعا عن الأولى ، فكذا إذا أطلق ، وادعى عدم الفرق بين المقيد والمطلق ، ثم قال فيه أيضا لو أوصى لشخص بماله ، ولآخر بثلثه ، وأجازوا بطل الأخير ، ولو بدئ بالثلث وأجازوا أعطي الأول الثلث والأخير الثلثين » وهذا ظاهر المنافاة للسابق الذي ادعى عليه الإجماع ، لأن الثلث في المسألة الثانية مضاف إليه ، فهو أقوى في إرادة ثلثه الخاص به ، من ثلث ماله في السابق الذي جعله رجوعا ، وكون السابق في الثانية جميع ماله ، لا يؤثر في دفع المنافاة ، لأن جميع ماله متضمن للثلث الذي أوصى به ثانيا ، وما احتج من الأخبار لم نقف عليه أصلا ، إلا من حيث عموم ما دل منها على جواز الرجوع عن الوصية ، وذلك لا يفيده ، لمنع تناوله للمتنازع ، وأما عدم فرقة بين المطلق والمقيد فغني عن الجواب.

قلت : ومضافا إلى ذلك أنه إذا حمل المطلق على إرادة ثلثه ، لم يتجه اشتراط عدم اجازة الوارث في الفسخ والرجوع ، ضرورة عدم مدخلية ذلك فيه والمتجه فيما ذكره من المثال الثاني بناء على المختار الرجوع في مقدار ثلثه ، للتضاد فيه ، فمع الإجازة يعطى ذو الوصية بجميع المال الثلثين ، ويختص الآخر بثلث الميت ، من غير حاجة إلى إجازة ، ومع عدمها يختص البطلان بالوصية الأولى التي قد رجع عن الوصية بثلثه فيها ، وأما صورة العكس فالمتجه فيها مع الإجازة اختصاص الثاني بالمال كله ، لأنها مضادة للأولى في ثلث الميت ، فتكون رجوعا ، فتتوقف في الباقي على الإجازة ، ومع عدمها يختص بالثلث ، وتبطل في الثلثين.

وعلى كل حال تبطل الأولى ، وكأنه رحمه‌الله قد استعمل هنا قاعدة الإطلاق والتقييد التي قد عرفت الحال فيها ، فقال في المحكي من مبسوطة ، بعد أن ذكر ما سمعته من الخلاف : رجل أوصى بثلث ماله لأجنبي وبثلث ماله للوارث ، قد بينا مذهبنا فيه ، وهو أن يمضي الأول ، فإن اشتبه استعمل القرعة فجزم في هذه بتقديم الأولى ناسبا له إلى مذهبنا ، ثم قال بعد ذلك : إذا أوصى رجل لرجل بثلث ماله ، ثم أوصى لآخر بثلث ماله فهاتان وصيتان بثلثي‌

٣٠٨

ماله ، وكذا إذا أوصى بعبد بعينه لرجل ، ثم أوصى لرجل آخر بذلك العبد بعينه ، فهما وصيتان وتكون الثانية رجوعا عن الأولى ، ومنهم قال : لا يكون رجوعا فمن قال : أنه ليس برجوع لها إن أجاز الورثة يكون لكل واحد منهما ثلث ماله ، وكذا يقول من قال هو رجوع ، ولو رد أحدهما فعلى ما قلناه من أن الثاني رجوع عن الأولى ينظر فإن رجع الأول فلا تأثير لرجوعه ، لأن الوصية له قد بطلت بالوصية للثاني ، فإن رجع الثاني ولم يقبلها رجع المال للورثة ، لأن الوصية للأول كان قد بطلت بالوصية للثاني ، وهذا ظاهر التنافي ، إذ لا فرق بينهما إلا بالوارث والأجنبي اللذين لا مدخلية لهما في ذلك عندنا ، خلافا للعامة ، مضافا إلى ما سمعته من الخلاف من الإجماع على النسخ في نحو الفرض الذي قد جزم فيه بتقديم الأولى ، وإلى ما في قوله فهاتان وصيتان بثلثي ماله من الإشكال ، ضرورة كونه على تقدير الرجوع ليس إلا وصية بثلث واحد ، كالعبد الذي فرضه مثالا ، بل وإلى ما في قوله بعد ذلك « وكذا يقول من قال هو رجوع » من الإشكال أيضا ، ضرورة أن القائل بالرجوع يقول ليس إلا الثلث للثاني ، كما هو واضح.

وقد حكاها فيما حضرنا من السرائر عن المبسوط بطريق آخر أشكل من ذلك ، ولعله نسخ المبسوط مختلفة فلا حظ وتأمل ، والضابط في المسألة ما عرفت ، وبمراعاته تعرف كثيرا من نحو ذلك في كلامهم ، والظاهر عدم الفرق في تحقق الرجوع بالتضاد بين كون متعلق الوصية ثلث الميت ، وكون متعلقها ثلثي الوارث وفائدة الرجوع فيهما عدم الصحة المنسوخة حتى لو أجاز الوارث ، لبطلانها بالرجوع ، فلا تنفع الإجازة.

ولا يتوهم أن تعدد الوصايا فيهما لتعدد العقد من الفضولي الذي يخير المالك في إجارة ما شاء من العقدين ، أو العقود ، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين بما عرفت من أن الإجازة هنا تنفيذ لا هبة بمعنى رضى الوارث أن لا يكون وارثا ، فيكون التصرف من الموصى ، بخلاف الفضولي في البيع مثلا كما هو واضح بأدنى تأمل.

وعلى كل حال فـ ( لو اشتبه الأول ) الذي يستحق الوصية ، أو رجع عنه استخرج بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل ، باعتبار عدم اندراجه في قاعدة من قواعد الشرع ، فيكتب حينئذ اسم أحدهما وأنه السابق ، أو المتأخر في رقعة ، وفي أخرى‌

٣٠٩

كذلك ثم يخفيان ثم يخرج أحدهما ، ويعمل عليها ، وهكذا مع التعدد كما أنه يرجع إليها أيضا لو اشتبه الحال في وجود الأول وعدمه ، ثم على تقديره ففي تعيينه ، وإن كان كيفيتها حينئذ باستخراج وجود أول وعدمه أولا ، فإن خرج أن فيها أول ، استعملت في إخراجه حينئذ بالكيفية السابقة.

ولو أوصى بوصايا تزيد على الثلث ، فلم يجز الوارث شيئا معينا منها ، ولكن لم يعلم أنها على الترتيب على الوجه يكون المعين الذي لم يجزه الوارث هو الزائد على الثلث أو كانت الوصايا دفعة ، أقرع أولا لبيان أنها دفعة أو مرتبة ، فإن كان الأول ، أقرع أيضا لإخراج ما يختص بعدم الإجازة منها ، فإن الظاهر عدم الخيار للوارث في ذلك لأن أقضى ماله عدم إجازة الزائد ، وأما تعيينه بعد فرض تعلق حق الوصية في الجميع فبالقرعة ، وإن كان الثاني ، جعل جميع المحتملات سهاما متعددة ، واستخرج أحدها وعمل عليه ، وبالتأمل في نحو ذلك يظهر لك الحال في فروع متعددة ، والله العالم.

ولو أوصى بعتق مماليكه ، دخل في ذلك من يملكه منفردا ، ومن يملك بعضه بناء على صدق اسم المملوك على الكل والبعض ، وإن كان لا يخلو من شي‌ء في عرف هذا العصر ، وعمومية الجمع المضاف ، إنما هي فيما يصدق عليه مفردة ، لكن ليس محل البحث هنا من هذه الجهة ، إذ يمكن بحيث يتناول ذلك ولو بالقرينة.

إنما الكلام في أنه إذا فعل ذلك أعتق نصيبه حسب كما هو المعروف بين الأصحاب بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، لأصالة عدم السراية ، ولأن العتق إنما حصل بعد الموت ، ولا مال بعده للموصى كي يقوم عليه ، أوكما قيل : والقائل الشيخ في نهايته وتبعه الفاضل في المحكي من مختلفه يقوم عليه حصة شريكه ، ان احتمل. ثلثه ذلك ، وإلا أعتق منهم ما يحتمله الثلث خاصة وبه رواية فيها ضعف كما في المسالك ، لكن في الفقيه روايته عن البزنطي عن أحمد ابن زياد المزبور ، وهو من أصحاب الإجماع ، بل قيل : أنه لا يروي إلا عن ثقة (١).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢ الفقيه ج ٤ ص ١٥٨ وفيه فكتب عليه‌السلام ( بدل فقال ).

٣١٠

قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل تحضره الوفاة ، وله مماليك لخاصة نفسه وله مماليك في شركة آخر فيوصي في وصيته مماليكي أحرار ، ما حال مماليكه الذين في الشركة؟ فقال يقومون إن كان ماله يحتمل ثم هو أحرار » إلا أنه ـ مع عدم جمعه شرائط الحجية ما خلا مماليكي الذين في الشركة ، وحينئذ يخرج عما نحن فيه ، ويراد بالتقويم منه بالنسبة إلى الثلث ـ محتمل أو ظاهر في التنجيز الذي يطلق على نحوه أنه وصية ، إذا كان في مرض الموت وحينئذ سراية العتق مع احتمال الثلث متجهة ، لحصول الشرط ، أو يحمل على الوصية ، لكن يفرض أن الميت له مال بقطع رأسه بعد موته ، فإن لديه له دون الوارث ، أو أنه قد أوصى بثلثه على وجه يكون له ، فإنه يصح ، ويصرف في مصالحه فإنه قد يقال بالسراية حينئذ ، باعتبار كون الميت له مال فيحصل الشرط ، بخلاف ما إذا لم يوص ، فإنه لا ثلث له حينئذ ، فلا يكون له مال ، فلم يوجد سبب السراية.

ودعوى كون الوصية التي هي سبب السبب قد وقعت في حال الحياة وله مال يدفعها أن السبب العتق لا الوصية ، والفرض وقوعه في حال لا مال له فيه فلا يترتب عليه مسببه الذي هو السراية ، ضرورة تخلف المسبب عن السبب إذا لم يحصل الشرط كما هو واضح.

ولو أوصى بشي‌ء واحد لاثنين على وجه لا ترتيب بينهما ، بأن كان بلفظ واحد مثلا ، كما لو قال : لزيد وعمرو مائة ، أو قال : لزيد وعمرو الدار الفلانية ، لكل واحد نصفها ، بل وكذا لو قال : لهما الدار لزيد البيت الفلاني منها ، والباقي لعمرو ، لأن تفصيله وقع بيانا لما أجمله أولا ، وقد أوصى به دفعة.

نعم لو اقتصر على التفصيل كان وصيتين.

وعلى كل حال فإذا أوصى لهما بوصية واحدة على التخصيص أو الإشاعة وهو أي الموصى به يزيد عن الثلث ولم يجز الورثة كان لهما ما يحتمله الثلث ويبطل الباقي ، لأنها وصية واحدة وأما لو جعل لكل واحد منهما شيئا مرتبا في وصيته لكل واحد منهما بوصية مستقلة ، كما لو قال : لزيد مائة ، ولعمرو خمسون بدو بعطية الأول وكان النقص على الثاني منهما بلا إشكال في شي‌ء من ذلك ، ولا خلاف ، ضرورة‌

٣١١

كونها في الثاني وصيتين متعاقبتين ، وقد عرفت سابقا حكم الوصايا المتعددة المتعاقبة ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة ، ثم قالوا : ظننا أنه قليل ، قضى عليهم بما ظنوه ، وأحلفوا على الزائد فلو قالوا ظننا أنه ألف درهم فظهر ألف دينار قضى عليهم بصحة الإجازة في خمسمائة درهم ، وأحلفوا على نفى ظن الزيادة ، أو عدم إجازتها ، لموافقة دعواهم لأصل عدم الإجازة ، ولأصل عدم العلم بالزائد ، المستند إلى أصل عدم الزيادة مضافا إلى أن المال مما يخفى ، وإلى أن دعويهم يمكن أن تكون صادقة ، ولا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبلهم ، لأن الظن من الأمور النفسانية ، فلو لم يكتف باليمين لزم الضرر ، لتعذر إقامة البينة على دعواهم.

وهذا الحكم وإن ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا صريحا ، وإن قال المصنف هنا فيه تردد لكنه محتاج إلى تفصيل ، ضرورة كون الظن المزبور تارة يكون ، من المقارنات ، بحيث لا يكون مقيدا للإجازة ، وأخرى يكون كذلك بأن يرجع إلى إجازة ما ظنوه أنه نصف ماله.

أما الأول فلا ريب في تأثير الإجازة فيما تعلقت به ، سواء كان المجيز ظانا لمصداق خاص أو قاطعا به ، أو مجردا عن ذلك ، ضرورة عدم مدخلية الحال المزبور في ذلك.

وأما الثانية فلا ريب في تقييد الإجازة باللفظ الذي له معنى في الواقع ، إنما الكلام في قبول دعوى ذلك منهم بعد فرض تعلق ما صدر منهم من الإجازة باللفظ الذي له معنى في الواقع ، ويجب الأخذ به في الإقرارات ، والنذور ، والوصايا ، والعقود ، وغيرها ، والأصل عدم ظنه قلة المال ، وعدم ظن كثرته ، ولو سلم فالأصل عدم تقييد الإجازة بذلك ، ومجرد وجود الظن أعم من ذلك كما عرفت ، فقبول الدعوى في أصل الظن وفي تقييد الإجازة بالمظنون مع ظهور ما أفادها في خلافه للضوابط الشرعية ، كما هو واضح.

ولعل تردد المصنف فيه من ذلك ، وإليه أو بعضه يرجع ما وجهه به في المسالك فإنه جعله مما سمعته أولا ، ومن تناول اللفظ للقليل والكثير ، والاقدام على ذلك مع كون المال مما يخفى ، فالرجوع إلى قولهم رجوع عن لفظ متيقن الدلالة على معنى يعم الجميع ، إلى دعوى ظن يجوز كذبه ولكن مع ذلك قال « الأقوى القبول ».

٣١٢

وكيف كان فحيث تنزل الإجازة على المظنون ولو للقرائن يدفع للموصى له نصف ما ظنوه وثلث باقي التركة ، لنفوذ الوصية في ثلثه ، وعدم الإجازة إنما أبطل الوصية في الزائد عليه ، بالنسبة إليه خاصة بخلاف ما ظنوه ، فإن الوصية نفذت في ثلثه ، والزائد عليه للإجازة كما هو واضح.

هذا كله إذا أوصى بجزء مشاع أما لو أوصى بعبد أو دار فأجازوا الوصية ثم ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك بقدر الثلث ، أو أزيد بيسير ، لم يلتفت إلى دعواهم لأن الإجازة هنا تضمنت معلوما لا مجهولا كالنصف والثلث فلا تسمع دعواهم التي هي مخالفة للبناء على أصل قلة المال ، وعدم كثرته ، فهي كأنها مخالفة للأصل ، وبذلك فرقوا بين المسألتين.

لكن مال في الدروس إلى التسوية بينهما في القبول وجعله في محكي التحرير وجها وفي القواعد احتمالا ، ووجهه أن الإجازة وإن وقعت على معلوم ، إلا أن كونه بمقدار الثلث أو ما قاربه مما يتسامح فيه ، إنما يعلم بعد العلم بمقدار التركة ، والأصل عدم علمهم بمقدارها ، وبناؤهم على الظن فكما احتمل ظنهم قلة النصف في نفسه يحتمل ظنهم قلة المعين بالإضافة إلى المجموع ، وإن لم يكن قليلا في نفسه ، ومخالفة الأصل هنا ، بظنهم كثرة المال مع أن الأصل عدمه ، لا يؤثر في دفع الظن عنه ، واعتقاد كثرته ، بل يمكن عدم ظهور خلاف ما اعتقدوه من الكثرة ، ولكن ظهر عليه دين قدم على الوصية ، فقل المال الفاضل عنهما ، وهذا موافق للأصل كالأول ، وأيضا عمدة المقتضى للقبول في الأول ، إمكان صدقهم في الدعوى ، وتعذر إقامة البينة بما يعتقدونه ، وهو متحقق هنا ، لأن الأصل عدم العلم بمقدار التركة ، وذلك يقتضي جهالة القدر المعين من التركة كالمشاع ، ومن ذلك قال في المسالك « لعل القبول أوجه » لكنك خبير بعد الإحاطة بما ذكرناه في السابقة أن عدم القبول هنا أوجه وأولى ، بل لو سلم لهم ظن ذلك لم تتقيد به الإجازة ، وهو واضح ، والله العالم.

وإذا أوصى بثلث ماله مشاعا كان للموصى له من كل شي‌ء ثلثه على حسب ما أوصى به الموصى ، فيكون شريكا للوارث بالمقدار المعلوم وإن أوصى بشي‌ء معين وكان بقدر الثلث فقد ملكه الموصى له بالموت والقبول لما عرفته سابقا من أن له حصر ثلثه في عين‌

٣١٣

معينة ، لعموم أدلة الوصية السالم عن المعارض وحينئذ فـ ( لا اعتراض فيه للورثة و ) لا حاجة إلى إجازتهم ذلك.

نعم لو كان له مال غائب أخذ له من تلك العين ما يحتمله الثلث من المال الحاضر إن كانت قابلة للقسمة ، وإلا ملك المقدار المزبور من غير اعتراض لوارث عليه.

وعلى كل حال يقف الباقي حتى يحصل من المال الغائب ما يحتمله لأن الغائب معرض للتلف فلو دفع جميع العين للموصى له ، ثم تلف المال دخل الضرر على الوارث ، بخلاف ما قابل المال الحاضر ، فإنه لا ضرر عليه أصلا ، ومن هنا يتجه جواز التصرف للموصى له فيما أخذه من العين في مقابلة ثلث المال الحاضر ، لعموم (١) « تسلط الناس على أموالهم » ولا ضرر على الوارث ، وإن اختلف تصرفه في ذلك بالنسبة إلى ما انتقال إليه من العين من حيث الإشاعة وعدمها ، فإنه يتصرف على حسب المال المنتقل إليه.

واحتمال أن تسلطه على ذلك مشروط بتسلط الوارث على ما قابل الباقي من المال الغائب لا دليل عليه ، فما وقع من الإشكال فيه من بعضهم في غير محله ، ولقد أجاد في المسالك في رده « بأن مجرد الاحتمال لا يقوم دليلا على منع المالك المستقر ملكه على الثلث ، مع كون الباقي غير خارج عن ملكه ، بل استقر ملكه له موقوف على حصول الغائب وإلا فأصل الملك حاصل بالوصية والقبول ، والخروج عن الثلث في الجملة ، ومن ثم لو حفر الغائب كما نماء العين أجمع للموصى له ، ومراعاة حق الوارث باحتمال تلف المال تحصل بإيقاف ما زاد على الثلث إلى أن يظهر الحال » قلت : بل إن لم يقم إجماع أمكن أن يقال : للموصى له التصرف في تمام العين الموصى بها مجرد سعة ثلث المال لها ، وإن كان غائبا ، لإطلاق أدلة الوصية ، وإن كان للوارث الرجوع عليه لو تلف المال قبل قبضه فإنه ينكشف حينئذ عدم ملك الموصى له تمامها ، أو ينفسخ ملكه به ، ولعله المتجه بناء على ما سمعته من المسالك ذلك ، لأن عدم الاستقرار لا ينافي تصرف المالك في ملكه للعمومات.

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢.

٣١٤

لكن لما كان مرجع ذلك إلى الحكم بملكية الموصى له إلى أن يحصل التلف ، لإطلاق أدلة الوصية ، فيكون هو كالمانع عن بقاء الملك ليحصل الفسخ به ، المعارض باحتمال أن المال على ملك الوارث إلى أن يحصل ما يقابل الموصى به ، لعدم ملك الموصى غير الثلث المشاع مع الوارث ، فلا يملك الموصى له العين إلا مع حصول ضعفه من ثلثه للوارث ، ولعله لعدم ظهور الأدلة في شي‌ء من ذلك حكم المصنف وغيره بالإيقاف في يد مؤتمن إلى أن يظهر الحال ، كما يوقف نصيب الحمل والمال الذي باعه مالكه لآخر فضولا إلى حصول الولادة والإجازة ، ولأن أصالة عدم التلف معارض بأصالة عدم القبض والله العالم.

( فرع )

لو أوصى بثلث عبده المملوك له في ظاهر الحال فخرج ثلثاه مستحقا ، انصرف الوصية إلى الثلث الباقي ، تحصيلا لإمكان العمل بالوصية الذي يجب مراعاته ما دام ممكنا ، ولا ينزل ذلك على الإشاعة حتى يصح ففي ثلث الثلث خاصة كالإقرار كما عن بعض العامة لما عرفته سابقا من أن الوصية متى صادفت محلا قابلا للنفوذ نفذت وهو في الفرض متحقق ، وكذا البيع على الأصح وجواز الفضولي فيه أو فيها ، أيضا لا ينافي ذلك ، فما هي المسالك من بناء هذه المسألة على ذلك في غير محله فحينئذ إن وسع المال أعطي الموصى له تمام الثلث ، وإن لم يكن له سواه نفذت الوصية في ثلث الثلث أو وقف في الباقي على الإجازة كما هو واضح.

ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم للاشتراك لفظا أو معنى انصرف إلى المحلل ، تحصينا لقصد المسلم عن المحرم ولكلامه عن اللغو أو المنهي عنه شرعا ، ولوجوب تنفيذ الوصية فلذلك وجب صرفه إلى المحلل ، وذلك كما أوصى بطبل من طبوله كان منها المحلل والمحرك بل أو بعود من عيدانه بناء على عدم انصرافه إلى اللهو ، وإلا بطلت الوصية فيه ، كما في كل لفظ ظاهر في المحرم ، ولو للقرينة ، لأن أصالة الصحة لا تعارض ظاهر اللفظ ، وإنما أقصاها تعيين ما لا يظهر فيه من الألفاظ بخلافها ، وإلا كان مقدما عليها ، لعموم ما دل على العمل بظاهره ، وترتيب الأحكام عليه ، كما هو مبين في‌

٣١٥

محله.

ولو لم يكن له عود إلا عود اللهو وأمكن تحويله إلى الصفة المحللة مع بقاء اسم العود عليه قيل : تبطل الوصية ، لأنها بغير المشروع وقيل تصح ويزال عنه الصفة المحرمة وهو الأقوى ، لإطلاق أدلة الوصية ، وكونه على صفة محرمة لا يخرجه عن الملكية ، والفرض عدم الوصية به مقيدا ببقائه على تلك الصفة ، كي يكون الوصية به من غير المشروع.

نعم لو توقف زوالها على كسره المخرج له عن اسم العود ، اتجه البطلان حينئذ ، لعدم التمكن من إنفاذها على وجهها ، إذ شراء عود له ذي صفة محللة خروج عنها ، والفرض عدم غيره عنده ، وأن إزالة الصفة المحرمة متوقعة على إخراج اسمه القاضي ببطلان الوصية به.

ودعوى أنه إذا انتقل إلى الموصى له ، فله أن يفعل به ما شاء ، ومن جملته كسره بل هو واجب حيث يتوقف زوال الصفة المحرمة عليه ، فلا يقدح ذلك في جواز الوصية يدفعها أن صحتها موقوفة على كسره فيدور ، ولو قيل : إنه يمكن كسره من غير الموصى له قبل دفعه إليه ليندفع الدور ، جاء فيه ما تقدم من زوال اسم العود الذي هو متعلق الوصية ، فلا يكون كسره موصى به ، فلا يحصل بدفعه إلى الموصى له الامتثال.

وإلى ما ذكرنا يرجع قول المصنف أم لو لم يكن فيه منفعة إلا المنفعة المحرمة بطلت الوصية وإن قال في المسالك : إطلاق العبارة يقتضي أن زوال الصفة المحرمة مع بقاء المنفعة لو تحقق بكسره الانتفاع بخشبه في بعض المنافع المحللة كفى في الصحة على هذا القول ، ثم أشكله بما عرفت.

لكن قد يقال : إن مراد القائل الإزالة التي لا تخرجه عن اسم الموصى به ، والأمر سهل والله العالم.

وتصح الوصية بالكلاب المملوكة ككلب الصيد ، والماشية ، والحائط ، والزرع وبالجرو القابل للتعليم ، لما عرفته مفصلا في كتاب البيع ، بل لعل الأقوى جواز‌

٣١٦

الوصية بها ، وإن لم ينقل بملكها ، وجواز بيعها لثبوت الاختصاص الكافي في صحة الوصية بها.

نعم لا تصح الوصية بالكلب الذي لا يجوز اقتناؤه ، لعدم ثبوت يد اختصاص عليه ، بخلاف ما تثبت يد الاختصاص فيه ، بل يقوى جواز الوصية به وإن لم يكن في التركة لوجوب تنزيلها على تحصيله بمعاوضة الصلح مع التركة ونحوه ، وتعذر البيع خاصة لا يبطلها ، فما في المسالك من أن الأقوى البطلان واضح الضعف والله العالم.

( الطرف الثاني : في الوصية المبهمة )

لغة وعرفا من أوصى بجزء من ماله ففيه روايتان أشهرهما رواية العشر وفتوى السبع وفي رواية ثالثة لم نجد العامل بها سبع الثلث ولعل الأقوى الأول.

لقول أبي جعفر عليه‌السلام في حسن أبان بن تغلب (١) « الجزء واحد من عشرة ، لأن الجبال عشرة والطيور أربعة ».

وصحيح عبد الله بن سنان (٢) على ما في الإستبصار والمختلف والدروس « أن امرأة أوصت إلي وقالت : ثلثي تقضي منه ديني ، وجزء منه لفلانة فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى؟ فقال : ما أرى لها شيئا ما أدري ما الجزء فسألت عنه أبا عبد الله عليه‌السلام بعد ذلك ، وخبرته كيف قالت المرأة وما قال ابن أبي ليلى ، فقال : كذب ابن أبي ليلى ، لها عشر الثلث ، إن الله عز وجل أمر إبراهيم عليه‌السلام فقال ( اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) وكانت الجبال يومئذ عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي‌ء ».

ورواه في التهذيب عن عبد الله سنان عن عبد الرحمن بن سيابة ، وحينئذ لا تكون الرواية صحيحة كما أطنب به في المسالك ، لأن ابن سيابة مجهول ، وفيه منع اتحاد الرواية ، إذ يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢ و ٣ و ٨ و ٩.

٣١٧

رواية ابن سنان تارة بواسطة ، وأخرى بدونها ، على أن ابن سيابة يمكن استفادة عدالته من توكيل الصادق عليه‌السلام إياه قسمة الألف دينار عيال من قتل مع عمه زيد وغير ذلك.

وخبر معاوية بن عمار (١) « وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال : جزء من عشرة ، قال الله عز وجل » ( ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) » إلى آخره.

وخبر عبد الصمد بن بشير (٢) المروي عن تفسير العياشي عن جعفر بن محمد عليه‌السلام في حديث أنه سئل عن رجل أوصى بجزء ماله؟ فقال : هذا في كتاب الله ، إن الله يقول اجعل » إلى آخره.

ومرسل أبى جعفر بن سليمان (٣) المروي فيه أيضا في حديث « إن رجلا مات وأوصى إليه بمائة ألف درهم أمره أن يعطي أبا حنيفة منها جزء فسأل عنها جعفر بن محمد عليه‌السلام وأبو حنيفة حاضر فقال له جعفر بن محمد عليه‌السلام ما تقول فيها يا أبا حنيفة؟ فقال : الربع ، فقال : لابن أبي ليلى فقال : الربع ، فقال ، جعفر بن محمد عليه‌السلام من أين قلتم : الربع فقالوا : لقول الله تعالى ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ) إلى آخره فقال أبو عبد الله عليه‌السلام من هذا قد علمت الطير أربعة ، فكم كانت الجبال إنما الأجزاء للجبال ليس للطير. قالوا ظننا أنها أربعة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا ولكن الجبال عشرة » إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربعة وغيرها المشتملة على ما هو كالمعجز عن الاستدلال الذي مرجعه أنه لما أوصى بالجزء وقد علم عدم إرادة الموصى العمل بمطلق مسماه الذي يرجع إلى السفه في الوصية به ، كما أنه لأحد معلوم في العرف لأقل ما يصدق به في امتثال الوصية فكشفه عليه‌السلام كما كشف أقل مسمى الركوع ، وأقل المسافة وغير ذلك ، أو أنه حدده بذلك حكما منه عليه‌السلام كما هو الأقوى ، ضرورة صدق الجزء على الأقل من ذلك عرفا ، بخلاف الركوع ونحوه ، فليس حينئذ إلا التحديد منه ، ولو بقطع النزاع.

ولعل اخباره لذلك دون غيره باعتبار إطلاق لفظ الجزء على العشر في كتاب الله ، وليس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٧.

(٣) المصدر نفسه الحديث ـ ٨.

٣١٨

فيه ولا في السنة استعمال مطلقه في أقل من ذلك ، فلا ينافيه حينئذ استعماله في الأكثر ، ضرورة كون المراد التحديد بأقل مصداق استعمل فيه مطلقة ، فيجزي فيه حينئذ كما يجزى الأكثر منه ، وحينئذ فاستعماله في السبع في قوله تعالى (١) ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) لا يقتضي التحديد به ، لكون العشر أقل منه ، ومن ذلك ترجح هذه النصوص التي تضمنت التحديد به.

لصحيح البزنطي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله فقال الجزء من سبعة ، إن الله يقول : لها سبعة أبواب » إلى آخره.

وخبر إسماعيل بن همام الكندي (٣) عن الرضا عليه‌السلام « في رجل أوصى بجزء من ماله فقال الجزء من سبعة ، إن الله يقول : لها » إلى آخره.

والمرسل في المحكي عن إرشاد المفيد (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « في رجل أوصى بجزء من ماله ولم يعينه ، فاختلف الوارث بعده في ذلك ، فقضى عليهم بإخراج السبع من ماله ، وتلي قوله : لها » إلى آخره مضافا إلى قصورها عنها عددا ، بل ودلالة.

فمن هنا حملها الشيخ على استحباب إعطاء السبع للوارث ، ولا بأس به بعد رجحان الأولى عليها ، لما عرفت ، وباتفاقها جميعا على عشر المال بخلاف روايات السبع فإن ما سمعته منها يدل على سبع الأصل.

وخبر الحسين بن خالد (٥) يدل على سبع الثلث قال « سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله قال : سبع ثلثه » ويمكن حمله على معلومية إرادة السائل ثلثه من ماله ، لا جميع المال.

وعلى كل حال فالقول بالعشر هو الأقوى ، وقد عرفت أنه تحديد شرعي لما لم يقصد الموصى خلافه ، أما لو علم قصده ، اتبع لو علم منه إرادة المطلق الشامل للعشر وغيره ، الذي هو بمنزلة‌

__________________

(١) سورة الحجر الآية ٤٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١٣.

٣١٩

التصريح بذلك ، بل التحديد لمن أوصى بالجزء وعلم منه عدم إرادة مطلق مسماه ، وعدم ما ينافي التحديد بالعشر ، والظاهر اختصاص هذا التحديد بالوصية ، ولا يسرى منها إلى غيرها ، وإن كان قد يتوهم من النصوص السابقة المشتملة على الاستدلال التقريبي لا التحقيقي ، بل لو أوصى بجزء الجزء احتمل عدم التعدية ، والرجوع إلى مطلق المسمى ، ومع فرض العلم بعدم إرادة يقتصر على ما علم إرادته ، وتمثيل بغيره ، أو ينحصر الامتثال بمظنون الإرادته ، ويحتمل التعدي ، فيحمل حينئذ على عشر العشر عندنا ، أو على سبع السبع على القول الآخر.

وكيف كان فمن الغريب ما عن الصدوق من الجمع بين النصوص بأنه قد جرت العادة في السابق لأصحاب الأموال بتجزية المال تارة عشرة ، وأخرى سبعة فينصرف الجزء حينئذ على حسما وقع من التجزية ، وقال أيضا : إن حمل الجزء على العشر والسبع إنما يصح إذا كانت الوصية من العارف باللغة دون غيره من جمهور الناس ، فإنه لا تصح الوصية منه بذلك ، حتى يبينه.

وهو كما ترى فيه نظر من وجوه تظهر بأدنى ، تأمل مما قدمناه ، وما ذكره من العادة لم نعرف أحدا غيره حكاه ، كما أن من الواضح كون محل البحث حال عدم القرينة لا معها ، ولا وجه للبطلان مع عدمها وقطع النظر عن النصوص بل يرجع إلى مسماه أو إلى أقل ما يصدق عليه مما يتمول ، بعد العلم بانتفاء إرادة مطلق المسمى كغيره من الألفاظ والله العالم.

ولو كان أوصى بسهم كان ثمنا عند الأكثر ، بل المشهور ، بل ظاهر إيضاح النافع الإجماع عليه ، كما عن السرائر أنه المعمول عليه.

لصحيح البزنطي (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أوصى بسهم من ماله فقال : السهم واحد من ثمانية ، ثم قرأ : انما الصدقات » وكذا حسن صفوان (٢) عن الرضا عليه‌السلام وموثق السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وعن إرشاد المفيد نسبة ذلك إلى قضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) « في رجل أوصى عند موته بسهم ، ولم يبينه فاختلف الورثة في معناه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٧.

٣٢٠