جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على إيجابها وقبولها لا يفيد الملك ، بل مجرد الإباحة ، حتى لو كان جارية لم يحل الاستمتاع بها ، لأن الإباحة لا تدخل في الاستمتاع ».

قال الشيخ في المبسوط : « وإن أراد الهدية ولزومها وانتقال الملك منه إلى المهدي إليه الغائب ، فليوكل رسوله في عقد الهدية معه ، فإذا مضى وأوجب له وقبل المهدي إليه وأقبضه إياها لزوم العقد ، وملك المهدي إليه الهدية » ونحوه قال في الدروس ، وجعل عدم اشتراط الإيجاب والقبول احتمالا.

واختلف كلام الفاضل ، ففي القواعد جزم باعتبار الإيجاب والقبول والقبض فيها وفي محكي التحرير قرب في أول الباب استغنائها عن الإيجاب والقبول ، عملا بالإذن المستفادة من العادة ، وقال في آخر كلامه نحو ما في المبسوط ، ثم قال : « ولو قيل : بعدم اشتراط القبول نطقا كان وجها ، لقضاء العادة بقبول الهدايا من غير نطق ».

وظاهر المحكي عن التذكرة عدم احتياجها إليهما ، لأنه حكى عن قوم من العامة أنه لا حاجة في الهدية إلى ذلك ، بل البعث من المهدي كالإيجاب ، والقبض من المهدي إليه ، كالقبول ، لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كسرى وقيصر وسائر الملوك فيقبلها ، ولا لفظ هناك ، واستمر الحال من عهده إلى هذا الوقت من سائر الأصقاع ، ولهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتد بعباراتهم ـ ثم قال ـ ومنهم من اعتبرهما ، كما في الهبة ، واعتذروا عما تقدم بأن ذلك إباحة لا تمليك ، وأجيب بأنه لو كان كذلك لما تصرفوا فيه تصرف الملاك ، ومعلوم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتصرف فيه ويملكه غيره ، ويمكن الاكتفاء في هذا الأطعمة بالإرسال والأخذ ، جريا على العادة بين الناس ـ إلى أن قال : ـ والتحقيق مساواة غير الأطعمة لها ، فإن الهدية قد تكون غير طعام ، فإنه قد اشتهر هدايا الثياب والدواب من الملوك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن مارية القبطية أم ولده كانت من الهدايا ».

وفي جامع المقاصد إنه قوي متين ، وفي المسالك هو حسن ، لكن قال : « ومع ذلك يمكن أن يجعل ذلك كالمعاطاة يفيد الملك المتزلزل ، ويبيح التصرف والوطء ، ولكن يجوز‌

١٦١

الرجوع فيها قبله ، عملا بالقواعد المختلفة ، وهي أصالة عدم اللزوم مع عدم تحقق عقد يجب الوفاء به وثبوت جواز التصرف فيها ، بل وقوعه ، ووقوع ما ينافي الإباحة وإعطاؤه الغير ، فقد‌ « وقع ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مارية القبطية أم ولده (١) ، وقد كان يهدى إليه الشي‌ء فيهديه لزوجاته وغيرهن » (٢) ، « وأهدى إليه حلة فأهداها لعلي عليه‌السلام من غير أن ينقل عنه قبول لفظي ، ولا عن الرسل إيجاب كذلك مقارن له ، » وهذا كله يدل على استفادة الملك في الجملة ، لا الإباحة ، ولا ينافي جواز الرجوع بها ما دامت العين باقية.

قلت : قد عرفت القول بمشروعية المعاطاة في الهبة وغيرها من العقود إلا ما خرج فضلا عن الهدية ، وأنها تفيد مفاد العقد في الملك ، لاندراجها في الاسم وإن لم تكن عقدا ، إلا أنهم اعتبروا فيها جميع ما يعتبر في العقد سوى اللفظ ، وحينئذ يشكل في الفرض دعوى كونها منها ، ضرورة عدم المقارنة بين الفعلين المنزلين منزلة الإيجاب والقبول ، المقصود بهما الإنشاد.

نعم بناء على التوسع بالنسبة إلى ذلك في المعاطاة فيتجه كونها حينئذ منها ، بل وكذا في معاطاة كل عقد ، أما على عدمه فلا محيص حينئذ عن دعوى مشروعيته قسما آخر من الهداية مثلا مستقلا برأسه ، خارجا عن العقد والمعاطاة ، لمكان السيرة القطعية التي هي الأصل في مشروعية المعاطاة ، فالفرض مثلها حينئذ ، ولعله أومأ إليه بقوله كالمعاطاة ، بل ينبغي التزامه في غير المقام ، حتى البيع وشبهه ، بناء على اندراج هذا القسم وإن لم يكن معاطاة في اسمه.

وأما إذا فرض مشروعيته بالسيرة ، وعدم اندراجه في الاسم ، فلا بد من القول باستقلاله بنفسه ، وإن شابه معاطاة كل عقد في المفاد ، ولزومه وجوازه يتبع الأدلة من استصحاب الملك ونحوه.

وإنما الكلام في أصل مشروعيته ، وترتب الأثر عليه من الملك وغيره ، فهو كذلك في الهدية وغيرها ، ومن الغريب ما في ظاهر الرياض من عدم مشروعية المعاطاة في الهبة ، لشبهة الاتفاق المزبور ، ومشروعيتها في خصوص الهدية لما عرفت ، وكأنه لم يسرح نظره في أطراف المسألة ،

__________________

(١) البحار ج ٢٢ ص ١٩٣ المغني لابن قدامه ج ٦ ص ٢٢٩ الى ٢٥٢.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ١٩٣ المغني لابن قدامه ج ٦ ص ٢٢٩ الى ٢٥٢.

١٦٢

بل اقتصر على بعض الكلمات الموهومة لذلك في المقام ، وفي غيره ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

وعلى كل حال فـ ( لا يصح العقد ) أو ما يقوم مقامه الا من بالغ كامل العقل جائز التصرف على حسب ما مر غير مرة من تفصيل الحال في ذلك كله بالنسبة إلى غيره من العقود فلاحظ.

ولو وهب ما في الذمة ، فإن كانت لغير من عليه الحق لم يصح على الأشبه بأصالة عدم الانتقال وغيرها ، والأشهر بل المشهور لأنها مشروطة بالقبض وما في الذمة يمتنع قبضه ، ودعوى ـ إمكانه ـ بقبض أحد جزئياته ـ يدفعها أن الموهوب الماهية ، وهي غير الجزئيات قطعا ، وصحة بيعه مع معلومية اشتراط صحته بالقدرة على التسليم ، لمعلومية الاكتفاء فيها بما تتحقق به المعاوضة وتحققها يكفى فيه القدرة على تسليم بعض أفراد الماهية المعدود أحد العوضين ، ويدخل في ملك المشتري من غير توقف على قبض ، ثم يستحق المطالبة بالإقباض.

بخلاف المقام الذي لا شك في مدخلية الإقباض في حصول الملك فيه ، فلا بد أن يقبض الواهب الدين ، ثم يقبضه المتهب ، فامتنع نقله إلى ملك المتهب حين هو دين ، وكذا بعد تعيين المديون له قبل قبض الواهب ، لانتفاء الملك ، وبقبض الواهب يحدث الملك له ، فيمتنع تقدم إنشاء الهبة عليه ، إذ يكون هبته حينئذ جارية مجرى هبة ما سيملكه ببيع وغيره ، وذلك غير جائز قطعا ، وإلا لصحة تمليك ما سيشتريه ويحتط به ويحتشيه ، ومن ثم لم يصح هبة موصوف في الذمة ، وصح بيعه.

ولكن قد يناقش في ذلك كله بمعلومية كون التحقيق في محله أن وجود الكلي الطبيعي عين وجود أفراده ، وبذلك جاز نقله بالبيع ، المشروط بالقدرة على التسليم ، وغيره من النواقل التي منها الهبة ، ولا يقدح الفرق باستحقاق المبيع من دون القبض ، بخلاف الهبة ، لأنا لا نحكم بصحة الهبة حينئذ إلا بعد القبض ، كما لا نحكم بصحتها لو تعلقت بعين خاصة إلا بعد قبضها ، وهو ممكن بقبض بعض أفراد الماهية الذي وجوده عين وجود الكلي.

١٦٣

وقبض الواهب له إنما يفيد تعيينا له من بين الأفراد ، لا أنه يحدث ملكا جديدا ، بل التأمل الصادق يقتضي عدم الفرق بين المقام ، وبين هبة المشاع الذي هو كلي أيضا فلو وهبه كذلك ، ثم عينه الواهب ودفعه إلى الموهوب له لم يكن إشكال في صحته ، لعموم الأدلة فكذلك المقام.

هذا كله مع إرادة قبض الشخصي فيه ، أما إذا وهبه كليا ، لأنه مال مملوك له متحقق ، ولذا جاز جريان غير الهبة عليه من النواقل ، ثم أراد إقباضه على كليته بأن إذن للموهوب بقبضه على وجه التقابض بينه وبين من عليه الدين ، إذا فرض كون الموهوب مديونا لمن عليه الذين بقدرة ، ولا قائل بالفرق ـ فلا إشكال فيه حينئذ. كل ذلك مضافا إلى ما يشعر به‌ صحيح صفوان (١) « سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لولده ، فذكر له الرجل المال الذي له عليه ، فقال له : ليس عليك فيه شي‌ء في الدنيا والآخرة ، يطيب ذلك له؟ وقد كان وهبه لولد له؟ قال نعم وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا » ـ من صحة هبته ، وإنما جاز له نزعه منه لعدم حصول القبض وإطلاق لفظ النزع باعتبار إيجاد عقد الهبة الذي هو جزء السبب الملك.

ومن ذلك يظهر لك أن حمل الخبر على ما ذكرنا أولى من طرحه ورميه بالندور أو تأويله بإرادة المجاز من إطلاق الهبة ، بمعنى العزم عليها ونحو ذلك ، كما أنه ظهر لك منه قوة القول بالصحة ، كما عن المبسوط والسرائر والمختلف وغيرها ، وفي المسالك أنه متجه ، بل عن المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا ، ولعله لذا ترك الترجيح في محكي التذكرة والإيضاح والدروس.

هذا كله في هبة الدين لغير من هو عليه وإن كانت له صح بلا خلاف أجده فيه ، بل في بعض كتب مشايخنا ظاهر هم الاتفاق عليه ولعله لصحيح معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يكون له على الرجل دراهم فيهبها له ، إله أن يرجع فيها؟ قال : لا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ١.

١٦٤

ولا ينافيه‌ صحيحه الآخر (١) عنه أيضا « رجل كانت عليه دراهم لإنسان فوهبها له ثم رجع فيها ثم وهبها له ثم هلك قال : هي الذي وهب له » إذ الرجوع بعد الهبة إنما كان في كلام السائل مضافا إلى عموم الأدلة التي لا ينافيها ما دل على اعتبار القبض في الهبة ، إذ الموهوب هنا مقبوض للموهوب له ، باعتبار كونه في ذمته ، فهو حينئذ كهبة ما في يده بل أقوى.

ولذا لم يجز الرجوع فيها ضرورة اقتضاء صحتها سقوط المال عن ذمته لعدم تعقل ملك الإنسان على نفسه شيئا نحو غيرها من أسباب النقل كبيع الدين على من هو عليه ، وغيره ، فيكون ذلك بمنزلة تلف المال الموهوب الذي هو ملزم للهبة.

ومن هنا قال المصنف صرفت إلى الإبراء على معنى اتحادها معه في المفاد لا أن المراد بلفظ الهبة الإبراء ، فإن ذلك خارج عن المقام الذي هو هبة ما في الذمة ، ومن المعلوم أنها من أسباب التمليك كالبيع ونحوه لا الإسقاط ولكنها تفيد مفاد الإبراء بالطريق الذي عرفت.

ومن هنا كان المتجه اعتبار القبول فيها وإن قلنا إنه لا يشترط الإبراء القبول على الأصح وفاقا للأكثر بل المشهور ، وخلافا للمحكي عن الغنية والسرائر بل والمبسوط وإن كنا لم نتحققه ، بل المحكي عنه التصريح بكون الأقوى عدم الاشتراط ، وإن كان الاشتراط قويا أيضا كالراوندي في فقه القرآن.

وعلى كل حال فالمذهب الأول ، لصدق الاسم بدونه ، ولأنه إسقاط ، ولذا عبر عنه بالعفو في قوله تعالى (٢) ( إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ ) إلى آخره وللنصوص المتكثرة (٣) في إبراء المديون حيا مع عدم حضوره وميتا ، ولغير ذلك.

لكن المقام من العقود التي لا بد فيها من القبول ، وإن كان هي بعد تمامها تفيد مفاد الإبراء ، كالصلح وبيع الدين على من هو عليه ، وبذلك ظهور لك حقيقة الحال على وجه لا يخفى عليك التشويش في جملة من كلماتهم التي بعضها ظاهر في كون البحث في التعبير عن الإبراء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ٢.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الدين.

١٦٥

بلفظ الهبة ومن المعلوم خروج ذلك عما نحن فيه ، إذ هو بحث آخر ، مبنى على عدم اشتراط لفظ مخصوص في الإبراء بل يكفى كل ما دل عليه من حقيقة أو مجاز ، وبعضها ظاهر في أنه من الهبة ، ولكن هذا القسم من الهبة لا يحتاج إلى القبول ، لأنها كالإبراء وهو لا يحتاج إليه.

وفيه أن ظاهر النص والفتوى كون الهبة قسما واحدا ، وأنها من قسم العقود وثالث جعلها من قسم الإبراء ، وبنى مسألة القبول على احتياج الإبراء إليه وعدمه ، وقد عرفت تحقيق الحال في ذلك.

ولا حكم للهبة من ملك وغيره ما لم يقبض الموهوب على ما هو المعروف من مذهب الأصحاب كما في جامع المقاصد ، وعليه المتأخرون إلا الفاضل في المختلف والشهيد في الدروس ، والأكثرون من علمائنا في محكي السرائر ، والمشهور في محكي إيضاح النافع ، بل عن التذكرة بعد ان حكى القول بان القبض شرط في اللزوم ، لا الصحة عن ظاهر الشيخين.

وجماعة قال : « لا يحصل الملك بدونه عند علمائنا أجمع » والإيضاح : عليه إجماع الإمامية ، ونص الأئمة ، ونهج الحق : ذهبت إليه الإمامية ، بل لعله مقتضى التدبير في المحكي عن الخلاف ، وإن قال فيه لا تلزم إلا بالقبض مستدلا عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم ، إلا أن الظاهر إرادة الصحة من اللزوم فيه.

بل في الدروس لعل الأصحاب أرادوا باللزوم الصحة فإن في كلامهم اشعارا به ، فإن الشيخ قال : لا يحصل الملك إلا بالقبض وليس كاشفا عن حصوله بالعقد مع أنه قائل بأن الواهب لو مات لم تبطل الهبة فيرتفع الخلاف ، ونظر فيه المسالك بأن العلامة في المختلف نقل القولين ، واحتج لهما ثم اختار الثاني ، فكيف يحمل على الآخر.

نعم كلام الشيخ الذي نقله متناقض ، وليس حجة على الباقين ، فإن الخلاف متحقق ، ثم قال : وفي التذكرة اتفق ما هو أعجب مما في الدروس فإنه قال : الهبة والهدية والصدقة لا يملكها المتهب والمهدي إليه والمتصدق عليه بنفس الإيجاب والقبول إذا كان عينا إلا بالقبض ، وبدونه لا يحصل الملك عند علمائنا أجمع ، وهذا ظاهر في دعوى الإجماع على أن القبض شرط‌

١٦٦

في الصحة إجماعا ، وهو يؤيد ما في الدروس ، وينافي ما في المختلف ويمكن أن يحمل على أنه لا يحصل بدونه الملك التام ، وهو اللازم فيكون أعم من الصحة وعدمها لئلا ينافي فتواه في المختلف ، ونقله الخلاف ، وإن كان خلاف الظاهر.

قلت : الظاهر أن مراده في المختلف من الصحة الحاصلة بدون القبض صحة العقد من حيث كونه عقدا لا صحته بمعنى ترتب الملك عليه فيكون المراد عدم مدخلية القبض في مفهوم الهبة باعتبار أنها عطية ، وهي كذلك بل تصدق الهبة ، وتتحقق بالعقد ، وإن توقف الملك مع ذلك على القبض كما يشهد لذلك جوابه عن مرسل أبان ـ بعد أن ذكره دليلا للمخالف ـ بانا نقول بموجبه بأن الهبة بنفسها لا تنقل الملك بل مع القبض.

نعم العقد صحيح لكنه ليس لازما ، وهو ظاهر فيما قلناه إن لم يكن صريحا وكأنه أراد بقوله ليس لازما الرد على ما حكاه عن الشيخ وابن البراج بعد مسائل من أنه إذا مات الواهب قبل الإقباض لا تبطل الهبة ، وقام الوارث مقامه كالبيع في مدة الخيار لأنه بعد أن حكى عنهما ذلك قال : والأقرب البطلان لنا أنها عقد جائز قبل القبض فانفسخ بالموت كالوكالة والشركة ، وخبر داود بن الحصين الآتي.

قلت : وبه يظهر ما في المسالك وغيرها من جعل ذلك من ثمرات الخلاف فتأمل ثم قال : والفرق ظاهر بينه وبين بيع الخيار لأنه نوع معاوضة بخلاف الهبة خصوصا والشيخ رحمه‌الله ذكر خلافا في المبسوط إن الملك هل يحصل من حين القبض أن من حين العقد ، ويكون القبض كاشفا ، واختار الأول وجعله الصحيح عنده ، وهو الذي سمعت من الدروس وحكايته عن الشيخ مستظهرا منه إرادة الصحة من اللزوم فيها ، وربما يؤيده أيضا ما عن الخلاف والمبسوط من التصريح بأنه إذا قبض بغير إذن الواهب كان القبض فاسدا بناء على أن ذلك من لوازم كون القبض شرطا في الصحة لا اللزوم ، كما عن فخر الإسلام وأبي العباس الاعتراف به بل زاد الثاني منهما البطلان لو مات أحدهما قبل القبض بل عن المبسوط إنه فرع على ما اختار من حصول الملك بالقبض فساده بدون الإذن هذا ، ولكن المحكي عنه في الخلاف والمبسوط إنه قال : إذا وهب لغيره عبدا ولم يقبضه حتى هل شوال ثم قبضه فالفطرة على الموهوب له لأن الهبة تنعقد‌

١٦٧

بالإيجاب والقبول وليس من شرط انعقادها القبض وسنبين ذلك في باب الهبة ، وإذا ثبت ذلك ثبت هذه لأن أحدا لم يفرق بينهما وفي أصحابنا من يقول القبض شرط في صحة الهبة وعلى هذا لا فطرة ، وتلزم الفطرة ـ الواهب ، وهو كالصريح في حصول الملك الموجب للفطرة بالهبة قبل القبض ، اللهم إلا أن يدعى أن عنوان وجوب الفطرة « الموهوب » وإن لم ، يكن ملكا ، إلا أنه كما ترى ، والتزام اختلاف كلام الشيخ لبعد المسافة بينهما أولى

وعلى كل حال فكلام القائلين بكونه شرطا للزوم غير منقح ، وخصوصا بعد ما ستعرفه من الإجماع على جواز الهبة بعد القبض أيضا إلا في مواضع خاصة ، وحمل كلام القائل عليها ـ بمعنى أنه لا جهة للزوم قبله ـ بخلاف ما بعده فإنه قد يلزم ـ واضح الفساد ، بل الظاهر أن اللزوم في المواضع المخصوصة ، لخصوصها ، لا للقبض الذي هو كما أنه حاصل فيها حاصل في غيرها ، ولو كان سببا في اللزوم لاقتضاه في الجميع كما هو واضح ، اللهم إلا أن يقال كما ستعرف فيما يأتي أن المراد بجواز الرجوع بالهبة مالا ينافي اللزوم ، باعتبار عدم كونه فسخا لعقد الهبة ، وإنما هو ناقل للملك من المتهب ، وحينئذ يكون العقد لازما بالقبض ، بمعنى عدم جواز فسخه ، وإن جاز الرجوع بالهبة ، بخلاف ما قبل القبض ، فإن له فسخ العقد ، وعليه ينطبق حينئذ ما في بعض النصوص من أن له الخيار ما لم يقبض ، فإنه لا خيار له في نفس العقد بعد القبض ولكنه أيضا مناف لظاهر ما سمعته منهم من كون الرجوع بالهبة بعد القبض فسخا لعقدها لا ناقلا مستقلا ، وإن ذهب إليه بعض الشافعية فلا حظ وتأمل ، وحينئذ تتم المنافاة المزبورة ، بل هو أيضا مناف للإجماع إن لم يكن المحصل على مدخلية القبض في الهبة مطلقا في الجملة ، وعلى التقدير المزبور ليس للقبض حينئذ في أكثر أفراد الهبة مدخلية لا في صحة ولا في لزوم.

وبذلك كله يظهر ضعف القول المزبور ، بل لم أتحقق قائلا به على الوجه المحرر عند المتأخرين الذي ذكروا له الثمرات ، وإن نسب إلى جماعة كظاهر الشيخين وبني حمزة والبراج وإدريس ولم يحضرنا كلام بعضهم ، ولعله كغيره مما حضرنا لا صراحة فيه أو غير منقح.

كل ذلك مضافا إلى دلالة النصوص على المشهور أيضا كخبر أبي بصير (١) المنجبر بما عرفت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات ـ ٧.

١٦٨

عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها والصدقة جائزة عليه » فإن نفى الصحة أقرب من غيره إلى نفي الماهية ، وموثق داود (١) « الهبة والنحلة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها قال : هو ميراث ، فإن كانت لصبي في حجره أو أشهد عليه فهو جائز » فإن الظاهر منه بقاؤها على الملكية ولذا كان ميراثا ، لا أنه كان عقدا جائزا انفسخ بالموت وصار ميراثا ، كما التزم به الفاضل في المختلف فإنه وإن كان محتملا إلا أنه مخالف للظاهر ، ولا داعي له لما ستعرف من عدم المعارض المقتضى لارتكاب خلاف الظاهر.

وبذلك يظهر وجه الدلالة أيضا‌ في مرسل أبان (٢) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « النحلة والهبة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها ، قال : هي بمنزلة الميراث » إذ هو كالسابق ، وان اختلف معه بلفظ المنزلة المراد منه من جهة تعلق عقد الهبة المفيد للتهيؤ وإن لم يكن ناقلا.

كل ذلك مضافا إلى فحوى ما تقدم في الصدقة التي لا فرق بينها وبين الهبة إلا باشتراط قصد القربة وعدمه ، كما أومأت إليه النصوص سابقا ، وإلى عدم دليل صالح لمعارضة ما سمعت سوى العمومات التي يجب الخروج عنها ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه مضافا إلى المناقشة في نحو ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) منها وإن كان فيها ما فيها.

وسوى‌ صحيح أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسمت أو لم تقسم ، والنحل لا تجوز حتى تقبض وإنما أراد الناس ذلك فاخطأوا » الذي ليس بواضح الدلالة.

ضرورة كون المظنون مساواة المراد به لخبره الآخر (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صدقة ما لم يقسم ولم يقبض فقال : جائزة إنما أراد الناس النحل فأخطأوا » بل عن بعضهم احتمال اتحاده معه ، والتعبير بالهبة من الراوي أو النساخ ، وقد فسر في الوافي خبر الصدقة بأنهم أرادوا الفتوى بالمنع من ذلك في النحل فأخطأوا ، فمنعوا منه في الصدقات ، وذلك لأنهم أطلقوا الصدقة وأرادوا به النحلة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات ـ ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات ـ الحديث ـ ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٢.

١٦٩

وعلى كل حال يكون الموضوع فيهما حينئذ هبة ما لم يقبض للواهب ولم يقسم كذلك وهو غير ما نحن فيه مضافا إلى ما في التنقيح ـ من أنه لا دلالة في الرواية على المدعى ، وإنما هي حكاية قول الناس وخطأهم فيه وتبين فيها الحق ـ وإلى ما فيها من مخالفة الإجماع من الفرق بين الهبة والنحلة وإلى احتمال كون المراد في الصدر بيان حكم هبة ما لم يكن مقبوضا للواهب من أملاكه كميراث لم يصل إلى يده أو قبل أن يقسمه ، وفي ذيله بيان عدم جوازها بدون قبض الموهوب ، والتعبير بالنحلة ، لا للفرق بينها وبين الهبة ، بل تفننا في التعبير وإلى غير ذلك مما يقطع ببعضه بسقوط دلالته على المطلوب فضلا عن جميعه.

ومن ذلك يعلم الكلام في دعوى دلالة‌ خبر عبد الرحمن بن سيابة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا تصدق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة ».

ضرورة إمكان إرادة الواهب من الصاحب لا الموهوب ، بل ربما احتمل فيه وفي غيره إرادة اللزوم من الجواز كما في كثير من النصوص فيكون حينئذ خارجا مخرج التقية ، وإن كان هو بعيدا في مثل الخبر الأول الذي ذكر التعريض بهم وفيه ، وإرادة أصل المشروعية بمعنى عدم وقوع عقد الهبة باطلا بحيث لو جاءه القبض بعد ذلك لم يصح وغير ذلك فلا محيص حينئذ عن القول باعتبار القبض الصحة على وجه لا يترتب عليه ملك قبلها إلا على احتمال الكشف الذي هو قوى في نفسه ، وقد قررناه في نظائره غير مرة إلا ان الإجماع بحسب الظاهر هنا على خلافه. وأما الاستدلال بما في بعض النصوص (٢) من الخيار في الرجوع وعدمه قبل القبض لا بعده فلا خيار ، ففيه مؤولة عند الفريقين بإرادة الكراهة ونحوها للاتفاق على الجواز بعد القبض من الجميع.

ولو أقر الواهب بالهبة والإقباض ، حكم عليه بإقراره‌ لعموم « إقرار العقلاء » ولو كانت في يد الواهب لعدم المنافاة بعد جواز إقباضه إياها ثم ردها إليه إلا مع العلم بكذبه ولو أنكر بعد ذلك لم يقبل بلا إشكال ولا خلاف بل ليس له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ٦ و ٨.

١٧٠

اليمين على الموهوب ، لأن الغرض ثبوت الهبة والإقباض شرعا.

نعم لو ادعى المواطاة على الإقرار ، وأن مخبره لم يكن واقعا توجه له اليمين عليه على حصول القبض كما في الدروس والمسالك ومحكي المبسوط والمهذب ، أو على عدم المواطاة كما في محكي الحواشي المنسوبة إلى الشهيد وجامع المقاصد ، والأقوى الأول لأنه هو المقصود في الدعوى والمواطاة إنما ذكرت لبيان دعوى العلم بفساد ما وقع مع الإقرار الذي هو أمارة في الظاهر ، ومثلا الإقرار بالبيع ، وقبض الثمن ثم أنكر وادعى المواطاة أو الاقتراض وادعاها.

ولو مات الواهب أو الموهوب بعد العقد بل والاذن وقيل القبض كانت ميراثا على المشهور بل في محكي التذكرة نسبته إلى علمائنا لعدم اجتماع شرائط الصحة ، وتلفيق السبب من الوارث والمالك لم يثبت مشروعيته بعد انسياق العمومات والإطلاقات إلى خلافه.

ومن هنا كان الحكم عاما في جميع شرائط الصحة مضافا إلى ما سمعته من الخبرين السابقين المحكوم فيهما بكونها ميراثا إلا أنه مع ذلك كله حكى عن الشيخ وابن البراج القول بعدم بطلانها بموت الواهب وأنه يقوم مقامه كالبيع في مدة الخيار من حيث إن الهبة عقد يؤول إلى اللزوم فلا تنفسخ وهو كأنه اجتهاد في مقابلة النص ، بل والقواعد.

ولذا جزم الفاضل بكونها ميراثا مع قوله بعدم كون القبض من شروط الصحة على أن المحكي عن الشيخ رحمه‌الله في هبة ذي الرحم إذا مات قبل قبضها كان ميراثا كما أن المحكي عنه ما سمعته من أن الملك يحصل بالقبض ، وليس هو كاشفا عن حصوله بالعقد ، فكلامه لا يخلو من تهافت كما أومأنا إليه سابقا ، ولا فرق في الحكم المزبور بين الاذن قبله وعدمها لبطلانه ، بالموت ، وهو واضح كوضوح الحكم فيما لو أرسل هدية إلى انسان فمات المهدي أو المهدي إليه قبل وصولها ، إذ هو من المفروض في الحقيقة فليس للرسول حينئذ دفعها إليه ولا إلى وارثه للبطلان بالموت ، والله العالم.

١٧١

ويشترط في صحة القبض الذي هو شرط في صحة الهبة على ما عرفت اذن الواهب كما في غيره مما اعترف فيه القبض بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى أنه مقتضى أصل عدم ترتب الأثر ، وأصل عدم الانتقال مع عدم إطلاق يوثق به في تناوله مثله بل لعل ما دل على شرطيته ظاهر في خلافه بناء على قراءاته يقبضها من باب الافعال أو التفعيل كما هو واضح.

وحينئذ فلو قبض الموهوب لو من غير إذنه لم ينتقل إلى الموهوب له لعدم حصول الشرط إلا مع الإجازة بناء على جريانها في مثله ، ولا فرق في ذلك عندنا بين المجلس وغيره ، ودعوى ظهور العقد في الاذن بذلك في المجلس دون غيره ـ كما عن بعض العامة ، بل أبي حنيفة منهم ـ واضحة الفساد مع فرض عدم القرينة.

نعم قد يتوجه عدم اعتبار الاذن على القول بتحقق الملك قبله لقاعدة « تسلط الناس على أموالها » وإن كان لا يترتب عليه لزوم في حق الواهب في موضوعه كهبة الرحم ونحوها لبعض ما سمعته من الأدلة على القول الأول مع احتماله هذا.

وربما استفيد من إطلاق اعتبار الاذن عدم اشتراط كونه بنية الهبة فلو إذن فيه مطلقا صح ، بل في الرياض أنه الأشهر ، وعليه عامة من تأخر ، وفي الكفاية أنه المشهور لكن قد عرفت الكلام فيه في الوقف لم نتحقق ما ذكراه من الشهرة بل صرح الفاضل في القواعد هنا باعتبار إيقاع القبض للهبة.

وفي المسالك هنا بعد ان حكى عن بعض الأصحاب اعتبار ذلك لصلاحية مطلق القبض لها ولغيرها فلا بد من مائز ، وهو القصد قال تبعا لجامع المقاصد ، وهو حسن حيث يصرح بكون القبض لا لها ، لعدم تحقق القبض المعتبر فيها ، أما لو أطلق فالاكتفاء به أجود لصدق اسم القبض وصلاحيته للهبة ، ودلالة القرائن عليه ، بخلاف ما لو صرح بالصارف ».

ولا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة عدم كون البحث في الحكم الظاهري إنما الكلام في أصل تحقق الشرط بالقبض الخالي في الواقع عن قصد كونه للهبة ، سواء كان بقصد غيرها أولا ، ولا معنى لصرف مثل ذلك إليها بعد فرض تشخصه في الخارج ، ودعوى ـ تحقق الشرطية‌

١٧٢

بذلك دون المقصود به غير الهبة ـ واضحة المنع ، ولا ريب في أن الأصل عدم ترتب الأثر بعد فرض عدم إطلاق يوثق به في تناول مثله لتحقق الشرط المعلوم اشتراطه ويقبل قول كل من الواهب والمتهب في تشخيص القصد ، فلو خالفه الآخر قدم بيمينه ، لأنه أعلم بقصده ، هذا كله في هبة غير المقبوض للموهوب له.

وأما لو وهب ما هو في يد الموهوب له صح ، ولم يفتقر إلى إذن الواهب في القبض ، ولا أن يمضي زمان يمكن فيه القبض بلا خلاف أجده بين من تأخر عن المصنف ولا إشكال.

نعم ربما صار الى ذلك بعض من تقدمه من الأصحاب كالشيخ رحمه‌الله ويحيى بن سعيد فاعتبرا الاذن في القبض ، ولو من إقراره له ومضى زمان يمكن فيه القبض ، قال أولهما في المحكي عن مبسوطة : إذا وهب له شيئا في يده مثل أن يكون في يده وديعة فيهبها له نظر ، فإن أذن له في القبض ومضى بعد ذلك زمان يمكن القبض فيه لزوم العقد ، وإن لم يأذن له في القبض فهل يلزم القبض بمضي الزمان الذي يمكن فيه القبض أو لا بد من الاذن في القبض ، والأقوى أنه لا يفتقر الى الاذن في القبض ، لأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على رضاه بالقبض.

وثانيهما في المحكي عن جامعه إذا أذن له في قبضه ومضى زمان يمكن فيه القبض صحت الهبة ، وفيه منع تناول دليل الشرطية لمثل الفرض فيبقى أصالة استقلال العقد بتسبيب الملك بحاله ، وإلا لوجب إرجاعه ثم قبضه جديدا ، لتحقق صدق القبض للهبة حينئذ حقيقة ، فإن استدامة القبض ولو مع الاذن ومضى الزمان ليست قبضا حقيقة ، ولو سلم فيكفي الاذن ولا يحتاج إلى مضي زمان قطعا ، ووجهه في المسالك بأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على رضاه بالقبض ، فيكون ذلك كتجديد الإقباض فيعتبر مضي زمان يمكن فيه القبض ، كما لو لم يكن مقبوضا بيده فأقبضه إياه فإنه يعتبر مضى زمان يكون فيه القبض ، فكذا هنا ، ثم أجاب عنه بما حاصله أن إيجاب العقد وإقرار يده على العين بعده دليل على رضاه بقبضه لها وليس هو إقباضا بل هو متحقق قبله ، وإنما هو علامة وأمارة على رضاه بالقبض السابق ، وينزله منزلة الإقباض.

١٧٣

وفيه ما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم الدليل على الشرطية في الفرض وعلى تقديره فالمتجه عوده ثم قبضه ، ولو سلم كفاية الاذن في الاستدامة في تحقق مسماه ، فيمكن منع دلالة الإيجاب والإقرار على مقتضى القبض السابق على ذلك ، وإلا لاتجه كلام أبي حنيفة المتقدم سابقا ، على أنه لا يتم فما لو فرض خلو الواهب عن ذلك المشمول لإطلاق المصنف وغيره.

ومن هنا ناقش في الرياض في أصل الدليل بعد أن حكاه عنهم : « بأن دعوى حصول القبض المشترط أول البحث » لعدم عموم يدل على كفاية مطلقه لا من إجماع ولا من غيره للخلاف ، وظهور النصوص المشترطة له بحكم التبادر في القبض بعد العقد فاللازم في غيره الرجوع إلى حكم الأصل الدال على عدم الصحة ، أو اللزوم إلى أن يتحقق القبض المتيقن إيجابه لهما ، وليس إلا المجمع عليه وهو القبض الخاص به ، أو المأذون فيه ثانيا للهبة ، ولعله لذا اعتبر بعض الأصحاب ما أسقطه الأكثر ، وهو أظهر ، إن لم يكن إجماع المتأخرين على خلافه انعقد ، إلى أن قال : ويحتمل قويا المصير إلى مختار الأكثر لما مر في الوقف وسيأتي في هذا البحث من الاكتفاء بقبض الولي الواهب مع سبقه على العقد ، للنصوص الدالة عليه ، المعللة بعضها له بحصول القبض ، من دون أن يذكر فيها ما مر من القيود ، وهذا التعليل جار في المفروض والعلة المنصوصة يتعدى إلى غير المورد كما تقرر في الأصول ».

وإن كان فيه مواضع للنظر لمن أحرز ما قدمناه في الوقف وفي المقام ، وما يأتي ، وقد تقدم نظير هذه المسألة في الرهن وفي الوقف فلاحظ وتأمل كي تعرف الحال في القبض الغصبي أيضا الذي قد صرح هنا غير واحد بعدم الفرق بينه وبين غيره ، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما عساه يظهر من ثاني الشهيدين في الروضة من المسيل إلى الفرق بينه وبين غيره ، وباعتبار أنه لا يدل للغاصب عليه شرعا ، بل ظاهره أنه قول البعض ، وإن كنا لم نتحققه ، بل لا وجه معتد به له بناء على حصول الاذن من العقد فيه ، إذ لا فرق في اقتضائها تغيير الاستدامة عن الابتداء بين الجميع كما أن الوجه عدم الفرق أيضا على ما ذكرناه وهو واضح والله العالم.

وكذا الحال لو وهب الأب أو الجد للولد الصغير ولو أنثى ما هو في يده لزم بالعقد بلا خلاف أجده فيه لنحو ما سمعته فيما تقدم ولذيل‌ موثق داود (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ٢.

١٧٤

المتقدم « فإن كانت لصبي في حجره وأشهد عليه فهو جائز » مضافا إلى فحوى ما تقدم في الوقف من‌ قوله (١) « وإن كانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم ».

والتعليل‌ في الصحيح الآخر (٢) « لأن والده هو الذي يلي أمره » وفي خبر علي بن جعفر عليه‌السلام (٣) « إذا كان أب يتصدق على ولد صغير فإنها جائزة ، لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا » وغير ذلك ، إنما الكلام في اعتبار قصد القبض عن الطفل بعد الهبة ليتمحض القبض بها وعدمه.

في المسالك تبعا لغيره ينبغي ذلك عند من يعتبر إيقاع القبض للهبة كالعلامة لأن المال المقبوض في يد الوالي له ، فلا ينصرف إلى الطفل إلا بصارف ، وهو القصد ، وعلى ما اخترناه من الاكتفاء بعده القبض لغيره هنا ، وينصرف الإطلاق إلى قبض الهبة ، ويلزم ذلك.

قلت : قد عرفت تحقيق الحال هنا وفي باب الوقف وأنه بناء على الشرطية في الفرض وكفاية القصد في الاستدامة في تحقق مسماه لا بد من حصوله ، وإلا يكن قبضا ، ومع الإطلاق لا ينصرف اليه قطعا إذا الفرض خلوه في الواقع خصوصا في قبض الولي الذي كان قبضا لنفسه.

على أنه مع فرض عدم التجديد يكون ناويا للخلاف ، ضرورة لحوق الاستدامة بالابتداء ما لم يجدد لها قصدا يفصلها عن الابتداء ، والنصوص السابقة إن لم تكن ظاهرة فيما ذكرناه من تجديد القصد المزبور ، فهي مبنية على سقوط الشرط في الفرض نحو ما ذكرناه في المسألة السابقة ، وربما كان قول المصنف ، « وكذا » إشارة إلى ذلك ، ولا ينافيه التعليل بقوله لأن قبض الولي قبض عنه الذي يمكن إرادة بيان الوجه في سقوط الشرط بذلك منه.

وعلى كل حال فالمراد من المتن وغيره ممن أطلق ما قيدنا به العبارة من كون الموهوب في يده ، أما لو فرض خروجه عنها كميراث لم يصل إليه ، أو مبيع لم يقبضه فلا ريب في افتقار صحة هبة إلى قبض.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الهبات الحديث ـ ٥.

١٧٥

نعم في المسالك وغيرها عدم خروج الوديعة عن اليد لأن يد المستودع كيده وفي العارية وجهان أجودهما خروجها عن يده فيفتقر إلى قبض جديد من الولي أو من يوكله فيه ، ولو وكل المستعير فيه كفى.

لكن لا يخفى ما في الفرق بين الوديعة والعارية ، سواء كان ذلك من حيث كونهما كذلك أو من حيث أفرادهما ، كما أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم الخروج بالاستيداع مطلقا عن اليد ، ضرورة عدم صدق كونه في يده ، وتحت قبضته في جملة من أفراد الوديعة وإن حكى عن الإيضاح الإجماع عليه في الوديعة ، وأنها كالمال في يد الوكيل ، فإن تم كان هو الحجة ، وإلا كان مشكلا.

وفي القواعد ، ولو كان مغصوبا أو مستأجرا أو مستعارا على اشكال ، افتقر الى القبض بخلاف ما في يد وكيله ، والظاهر اختصاص الإشكال في العارية ، كما عن الإيضاح التصريح بذلك ، مدعيا الإجماع على الافتقار في الأولين ، وجعل وجه الإشكال فيها من عدم كونها بحق لازم فكانت كقبض الوكيل ، ومن أنه إنما قبضه لنفسه فكانت اليد له لا للمعير فكان كالمستأجر.

وفيه : أنه لا مدخلية للأول في صدق القبض وإلا لكان المغصوب مقبوضا أيضا كما عن الشهيد الإشكال فيه أيضا لذلك حاكيا له عن بعض النسخ المقروءة على المصنف إلا أنه كما ترى مناف للصدق العرفي الذي عليه المدار ، حتى في مثل الإجارة التي يمكن حصولها مع فرض كون العين في يد المؤجر ، وحينئذ لا ينافي القبض المزبور الذي هو في كل شي‌ء بحسبه بمقتضى العرف فتأمل جيدا.

وخرج بقوله « الصغير » الكبير الذي لا ولاية لهما عليه في مثل ذلك ذكرا كان أو أنثى ، وإن بقيت ولايتهما على الأنثى في النكاح عند بعض ، لدعوى الدليل عليه بالخصوص لا مطلقا ، فإن الرشيدة إذا تصرفت بمالها ببيع وهبة لم يتوقف على الولي اتفاقا‌ لعموم « الناس مسلطون » وغيره لكن عن الإسكافي إلحاق الإناث وإن رشدن بالصغار في كون قبض الأب قبضا لهم ، ولا ريب في ضعفه ، إلا أن ينزل على الوكالة والاذن في ذلك كما هو واضح.

١٧٦

ولو وهبه غير الأب والجد لم يكن له بد من القبض عنه سواء كان له ولاية أو لم تكن ، ويستولي ذلك الولي أو الحاكم بلا خلاف ولا إشكال في ذلك ، إذا كان الواهب غير الولي ، ضرورة كونه حينئذ أجنبيا ، فلا يكون قبضه حينئذ عن الطفل قبضا إنما الكلام في قول المصنف ( سواء ) إلى آخره فإن مقتضاه كون الوصي أجنبيا أيضا ، فلا يقوم قبضه عنه ، من غير فرق بين كونه هو الواهب أو غيره ، كما عن المبسوط التصريح بذلك ولم نعرفه لغير هما صريحا ، محتجا بأنه لا يصح له أن يبيع له شيئا من نفسه ، ولا أن يشترى منه كذلك فينصب الحاكم أمينا يقبل منه هبة الصبي ويقبضها له.

وفيه : أن ولاية الوصي عامة كالأب والجد بالنسبة إلى ذلك ، بل ولايته في الحقيقة من ولايتهما ، بل لعل التعليل المزبور في الخبر المتقدم سابقا يقتضي ذلك بل قد يشكل ولاية الحاكم الذي هو ولى له في الفرض المزبور الذي وصى أحد الأبوين فيه موجود ، ودعوى ولايته في خصوص هذا التصرف كما ترى ، بل التزام عدم جواز هذا التصرف حينئذ أولى.

وأولى منه ما اخترناه من عموم ولايته ، بل هي ولاية الأبوين في الحقيقة ، كما أن عموم ولاية الحاكم التي هي من ولاية اولى الحقيقي أولى ، فمن الغريب موافقة المصنف هنا لما سمعته عن الشيخ الممنوع أصلا وتفريعا ، ولو حمل كلام المصنف على أن ذلك منه بناء على التردد في مسألة اتحاد الموجب والقابل بالنسبة إلى غير الأب والجد كما سمعته منه في الوقف ـ ففيه أن الذي استظهره بعد التردد هناك الاكتفاء بقبض الوصي ، فكان المناسب هنا ذكر الحكم كذلك هذا.

وفي المسالك « قول المصنف : ويتولى » إلى آخره يمكن فرضهما مع كون الواهب غير ولي ، وأما إذا كان وليا كالوصي فلا يفرض فيه إلا تولى الحاكم ، لأن الوصي لا يتحقق مع وجود الأب والجد له كما سيأتي ، فلم يبق إلا الحاكم ، وفي معنى الحاكم منصوبه لذلك مطلقا.

قلت : وأما لو كان الواهب الحاكم ، والفرض عدم ولي غيره ، فلا بد من التزام قبض حاكم آخر عنه ، وقد عرفت التحقيق الخالي عن مثل هذه الالتزامات والله العالم.

١٧٧

وهبة المشاع جائزة عندنا بل عن الغنية ونهج الحق الإجماع عليه ، بل في جامع المقاصد لا خلاف بين أصحابنا في صحة هبة كلما صح بيعه من الأعيان سواء كان مشاعا أو مقسوما من الشريك وغيره ، وعن التذكرة تصح هبة المشاع كما يصح بيعه على الحد الذي يجوز بيعه عند علمائنا أجمع ، وهو الحجة مضافا إلى العمومات ، وفحوى ما دل عليه من النصوص الكثيرة التي يمكن دعوى تواترها في الصدقة.

وخصوص‌ موثق أحمد بن عمر (١) الحلبي « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دار لم تقسم فتصدق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار ، قال : يجوز قلت : أرأيت إن كان هبة؟ قال يجوز ».

وصحيح أبي بصير (٢) المتقدم سابقا ، بل قد يستفاد من المروي في طرق العامة فضلا عن الخاصة‌ كالنبوي (٣) « زن وأرجح » بناء على أن الراجح هبة مشاع ، وقوله عليه‌السلام لوفد هوازن لما جاء وأ يطلبون منه أن يرد عليهم ما غنمه منهم (٤) : « ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم » ولكن مع ذلك كله والمحكي عن أبي حنيفة أن هبة المشاع الذي يمكن قسمته لا تجوز لغير الشريك والذي لا تمكن قسمته لا تجوز هبته مطلقا ، وعن مالك المنع من هبة المنقسم بين اثنين مستندين إلى أن وجوب القسمة يمنع من صحة القبض وتمامه وهو كما ترى تهجس واستحسان يندفع بوجوب تسليمه أجمع ثم أنه يقسم.

وكيف ما كان فـ ( قبضه ) فهو كقبضه في البيع ضرورة اتحاد معناه عرفا فيهما وفي غير هما فيجري فيه حينئذ القولان ، وهما الاكتفاء بالتخلية مطلقا كما هو المختار ، والتفصيل بها في غير المنقول وبالنقل وما في معناه فيه بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن القاضي منا وبعض الشافعية من غيرنا من الفرق بينهما : بأن القبض في البيع مستحق ، وللمشتري المطالبة ، فجاز أن يجعل بالتمكين قابضا ، بخلاف الهبة فإن القبض غير مستحق فاعتبر تحققه ، ولم يكتف بمطلق التخلية في المنقول وان كتفينا بها في البيع ، وليس بشي‌ء بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٢.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٤٦٤ جامع الصغير ج ٢ ص ٢٨ الطبع أحمد حنفي.

(٤) البحار ج ٢١ ص ١٨٥ من الطبعة الحديثة ( الآخوندى ).

١٧٨

ما عرفت من اتحاد مفهومه لغة وعرفا ، وما ذكره إنما يقتضي الفرق في حكمه لا في حقيقته ، ثم إن الظاهر تحقق التخلية من دون إذن الشريك لعدم توقف مفهومها على التصرف فيه ، ولو قبضه في يده ، إذ هي على ما حققنا كون الشي‌ء تحت يده ، وفي سلطانه على نحو المالك الذي لا إشكال في كون ماله مقبوضا له بمعنى كونه في قبضه ، وإن كان له شريك فيه ، فمتى خلى بينه وبين الموهوب على هذا الوجه تحقق القبض.

وإن كان صريح جماعة وظاهر آخرين عدم اعتبار إذن الشريك في القبض بالمعنى المزبور خلافا في الدروس فاعتبر إذن الشريك أيضا فيها ، ووجه بأن المراد بها رفع يد المالك وتسليط القابض على العين ، وذلك لا يتحقق إلا بالتصرف في مال الشريك فيعتبر إذنه ورفع المانع عن حصة خاصة مع الإشاعة لا يحصل به التسلط المقصود من القبض ، وقبض جميع العين واحد لا يقبل التفرقة ، ومن ثم لو كانت العين مغصوبة بيد متسلط لم تكف التخلية من المالك. وتسليطه عليها مع وجود المانع من التسليم.

وهو كما ترى وإن استحسنه في المسالك ، إذ التسلط لا يتوقف على الدخول في الدار ونحوها ، وفرق واضح بين الفرض وبين الغصب الرافع للتسلط العرفي ، وهو المانع عن صدق كون المال تحت قبضته وسلطانه.

وبذلك كله ظهر لك أنه حينئذ لا بحث على المختار من تحقق القبض بالتخلية مطلقا ، أما على التفصيل فيتحقق في المنقول بتسليم الموهوب الجميع حينئذ كما إذا كان الباقي من الحصة للواهب أو لغيره وقد أذن ، فإن امتنع وكله الموهوب له على القبض عنه ، فإن امتنع مثلا رفع الأمر إلى الحاكم ليقبضه بنفسه أو نائبه.

وعن الفاضل في المختلف الإكتفاء بالتخلية مع امتناع الشريك لعدم القدرة الشرعية منزلة عدمها الحسية في غير المنقول ، وفيه منع عدم القدرة الشرعية مع وجود الحاكم المنصوب لأمثال ذلك ، أما مع عدمه ففي الدروس والمسالك لا بأس به دفعا للضرر والعسر.

وفيه : أن المتجه حينئذ مع فرض عدم قيام غيره من عدول المؤمنين مقامه بقاء الهبة موقوفة ضرورة عدم تغير معنى القبض بذلك ، والفرض اشتراطها به كما هو واضح.

١٧٩

ثم إنه قد صرح غير واحد بعدم وقوع القبض إذا كان من دون إذن الشريك حيث يعتبر ـ لا للنهي الذي لا يقتضي الفساد في المعاملة على ما حرر في محله ـ بل لأن القبض لما كان من أركان العقد اعتبر فيه كونه مراد للشارع ، فإذا وقع منهيا عنه لم يعتد به شرعا ، فيختل ركن العقد ، وقد عرفت أنه قبض واحد لا يقبل التفرقة في الحكم بجعل المقبوض للموهوب معتبرا والنهي عن الحق الغير الخارج عن حقيقة الموهوب.

إلا أنه كما ترى لا يرجع إلى مستند صالح بعد فرض كون النهي لأمر خارج لا يترتب عليه فساد ، ومعلومية كون القبض شرطا في صحة العقد ، وعدم اعتبار ما كان بغير إذن الواهب لظهور الأدلة في اعتبار الإقباض المعتبر في تحققه الاذن كما أومأنا إليه سابقا.

كل ذلك مع أن الفاضل وولده والشهيدين وغيرهم على ما حكي عنهم قد صرحوا في كتاب الرهن بصحة قبض المشاع من دون اذن الشريك ، وترتب أثر الراهنة عليه ، وإن تعدى به معللين له بأن النهي إنما هو لحق الشريك لا للاذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعا ، وكونه قبضا واحدا لا ينافي الحكم بالوقوع لاختلاف الجهة ، ومثله آت في المقام إذا لا فرق بينهما بعد فرض كون القبض شرطا في الصحة فيهما.

ومن ذلك يعلم الحال أيضا في هبة المرهون وإقباضه بدون إذن المرتهن وان استشكل فيه في القواعد ، بل عن الإيضاح وغيره عدم الصحة لما سمعته من التعليل المزبور الذي عرفت ما فيه.

نعم قد يقال : بعدم الحكم بحصول الملك فعلا حتى يقع الفك له ، وإلا انكشف فساد الهبة ، ولعله المراد من قوله في القواعد فإن سوغناه لم يحصل الملك ، فإن فك صحت الهبة أو يقال بحصول الملك له بذلك ، ولكن حق الرهانة على تعلقها ، ولا يمنع ذلك من التسلط على بيعه وإن انتقل إلى غير الواهب إذ هو كانتقاله إلى الوارث مثلا.

نعم تبقى الصحة مراعاة لو وهبه المرهون ولم يقبضه ، فإن بيع ظهر البطلان ، وإن انفك فللراهن الخيار في الإقباض وعدمه بعد ما ستعرف من عدم اشتراط فورية القبض.

ومن ذلك يعلم أيضا الكلام في هبة المستأجر ولغير المستأجر ، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع ، وقد تقدم في كتاب الرهن ماله نفع تام في أمثال هذه المباحث كما أنه تقدم في كتاب‌

١٨٠