جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وثانيا : أنه لا يجدي فيما لو فرض زيادة قيمتها على ما اوصى به لها ، فإنه لا إشكال حينئذ في كون الزائد تركة للورثة ، فيدخل جزء منها في ملك الوالد ، وينعتق عليه ، ويسرى في الغير ، ويتم ذلك بعدم القول بالفصل ، مضافا إلى إطلاق النصوص جعلها في نصيب ولدها.

واحتمال دفع قيمتها مما أوصى به لها وإن انعتقت على الولد بملك جزء منها وجعل الباقي في نصيبه.

يدفعه أيضا معلومية اقتضاء جعلها في نصيب ولدها الانعتاق على الولد ، وأن الغرامة عليه.

وبذلك كله يظهر لك ضعف الأقوال جميعها ، وان شهد للثالث منها‌ المرسل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (١) « في أم الولد إذا مات عنها مولاها ، وقد أوصى لها ، قال : تعتق من الثلث ولها الوصية ».

وصحيح أبي عبيدة (٢) المروي في الكافي وغيره قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له أم ولد وله منها غلام فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو أكثر ، للورثة أن يسترقوها؟ قال : فقال : لا ، بل تعتق من ثلث الميت وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به ، وفي كتاب العباس تعتق من نصيب ابنها ، وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به ».

وكأن المراد أنه قد روى الخبر المزبور في كتاب العباس على هذا النحو ، وحينئذ يكون نصا في المختار ، وبخلافه على النحو الأول ، فإنه يكون مهجورا معرضا عنه بين الأصحاب ، بل لم أجد عاملا به عدا ما يحكى عن الصدوق ، بل عن التنقيح الإجماع على عدم العمل به؟ مع أنه محتمل لأم الولد التي قد مات ولدها ، كما‌ في خبر أحمد بن محمد بن أبي نصر (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قال : نسخت من كتاب بخط أبي الحسن عليه‌السلام : فلان مولاك توفي ابن أخ له ، وترك أم ولد له ليس لها ولد ، فأوصى لها بألف درهم هل تجوز الوصية؟ وهل يقع عليها عتق ، وما حالها؟ رأيك فدتك نفسي ، فكتب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعتق من الثلث ، ولها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٨١

الوصية » وإن كان هو على هذا التقدير محتاجا إلى التأويل ، لما عرفته من حكم الوصية للمملوك الذي منه أم الولد ، مع فرض موت ولدها ، في حياة سيدها قطعا ، فلا بد من تأويله بإرادة العتق من الوصية بالعتق من الثلث ، وتعطى ما فضل منها على تقدير الزيادة ، أو بإرادة عتقها في مرض الموت ، ثم أوصى لها ، أو بغير ذلك هذا.

وفي الرياض بعد أن ذكر الرواية مستدلا بها للقول الثالث ثم حكى الإجماع على الاعراض عنها ، وأنه لا بد من تأويلها بأحد الأمرين ، قال : لكن يرجح حملها على الأول ، دلالة مقابلتها برواية العباس التي هي في آخرها مذكورة ، على كون موردهما واحدا ، ولا ريب في أنه في الثانية هو أم الولد التي لم تعتق بالكلية ، فلتكن مورد الأولى أيضا تلك الجارية ، مضافا إلى شيوع إطلاق الثلث على الوصية ، مع احتمال أن يكون المراد منه تأكيد الحكم الأولى من انعتاقها من الثلث ، وهذا ان لن نقل بكونه ظاهرا من الرواية ليس ببعيد ، كبعد الحمل الآخر بلا شبهة ، فيمكن بملاحظة الإجماع وقرينة المقابلة أخذها للقول بالانعتاق من الوصية حجة ، كما هو ظاهر التنقيح وصريح الكفاية ، فإذا هو في غاية القوة ».

قلت : قد عرفت أنه في غاية الضعف ، والخبر بعد تسليم ما ذكره فيه من المأول الذي لا يكون حجة ، والمقابلة التي ذكرها هي ليست في الخبر ، حتى تصلح لأن تكون قرينة ، بل هي من الكافي ، لا أنها كذلك في الخبر نفسه ، كما هو واضح.

نعم ما في كتاب العباس على ما عرفت دليل تام على المطلوب ، وأما التخيير ففيه أنه لا وجه له فيما كان من القهريات ، فإن الانعتاق القهري الذي يكون على الولد لا وجه لتخيير فيه ، بل وكذا على تقدير الانعتاق من الوصية ، بناء على أنه مثل الانعتاق من الولد ، بمعنى ينعتق منها ما قابل الموصى به بموت الموصى من غير حاجة إلى صيغة ، وإن كان هو مشكلا لعدم دليل يصلح لذلك والله العالم.

وإطلاق الوصية لجماعة محصورة يقتضي التسوية ما بينهم من غير فرق بين الغريب والبعيد ، والذكر والأنثى ، والفاضل في الإرث وغيره ، بلا خلاف ولا إشكال للتساوي في سبب الملك ، فهم كالمشتركين في الحيازة مثلا ، بل الظاهر عدم اعتبار قصد الموصى في ذلك.

٣٨٢

نعم يعتبر فيه عدم قصد الخلاف فالتسوية المزبورة حينئذ شرعية ، واحتمال بطلان الوصية ـ لعدم قصد الموصى تشخيص الملك للموصى له ، يدفعه أنه خلاف مقتضى عموم الكتاب والسنة ، ومقعد الإجماع مضافا الى خصوص الفتوى به هنا على وجه لم يظهر فيه خلاف.

نعم لو لم تكن الجماعة محصورة كان المراد من الوصية الصرف فيهم ، كما في كل موصى له غير محصور ، بل لو كان بلفظ الجمع لم يجب ملاحظة أقل مصداقه في الامتثال ، وإن كان هو الأحوط.

وكيف كان فإذا أوصى لأولاده وهم ذكور وإناث ، فهم فيه سواء ، وكذا لأخواله وخالاته ، أو لأعمامه وعماته ، وكذا لو أوصى لأخواله وأعمامه ، كانوا سواء على الأصح لما عرفت ، خلافا للمحكي عن الشيخ وجماعة ، وإن لم أتحقق ذلك فكالارث ، ولا ريب في ضعفه ، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع على خلافه ، وإن كان فيه رواية صحيحة لكنها مهجورة وهي‌ صحيحة زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله فقال : لأعمامه الثلثان ، ولأخواله الثلث » وقد حملت أيضا على ما لو أوصى بذلك على كتاب الله ، وكذا الخبر الآخر (٢) الضعيف « المقتضى لقسمة الوصية للأولاد بين الذكور والإناث على كتاب الله » وفي المسالك لم يعمل به أحد ، هذا كله إذا أطلق في الوصية.

أما إذا نص على التفضيل اتبع لعموم من بدله ، وما دل على إنفاذ الوصية على حسب ما أوصى به الموصى وإذا أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبه مصيرا إلى العرف كما هو الضابط في كل لفظ : قال محمد بن أبي نصر (٣). « نسخت من كتاب بخط أبي الحسن عليه‌السلام رجل أوصى لقرابته بألف درهم ، وله قرابة من قبل أبيه وأمه ، ما حد القرابة يعطى من كان بينه وبينه قرابة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٨٣

أولها حد ينتهى إليه؟ فرأيك فدتك نفسي ، فكتب عليه‌السلام إن لم يسم أعطاها قرابته » وكذا‌ عن الحميري إلا أنه قال : « اعطى أهل بيت قرابته » من غير فرق بين الوارث وغيره ، والمسلم والكافر ، والذكر والأنثى ، والفقير والغنى ، كما أنه لا فرق في انصراف الوصية إلى الموجود منهم ، سواء اتحد أو تعدد ، وسواء ذكرهم في الوصية بصيغة الجمع أو الأفراد.

وقيل : والقائل الشيخ على ما حكى عنه كان أى الموصى به لمن يتقرب إليه إلى آخر أب وأم له في الإسلام بمعنى الارتقاء بالقرابة من الأدنى إليه إلى ما قبله ، وهكذا إلى أبعد جد في الإسلام وفروعه ، ويحكم للجميع بالقرابة ، ولا يرتقي إلى آباء الشرك ، وان عرفوا بقرابة عرفا ، وهو عجيب.

وأعجب منه الاستدلال له بقوله عليه‌السلام (١) « قطع الإسلام أرحام الجاهلية » وقوله تعالى (٢) لنوح عن ابنه ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ).

وهما كما ترى لا يدلان على تمام المطلوب ، بل ولا على شي‌ء منه ، ضرورة كون المدار هنا على صدق اللفظ ، ولا ريب فيه لغة وعرفا على المعروفين بنسبه ، وإن كانوا كفارا ، إلا أن تكون هناك قرينة على ارادة المسلم نحو ما ذكروه في الفقراء ، كما أنه لا ريب في عدم صدقه على البعيد ، بحيث لا يعرف بنسبه وإن كان مسلما ومن هنا قال المصنف وهو غير مستند إلى شاهد.

وأما ما يحكى عن الإسكافي من أنى لا اختار ان يتجاوز بالتفرقة ولد الأب الرابع ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتجاوزه في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس.

فقد يدفعه العرف أيضا وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدل على نفى القرابة مطلقا عما عداه ، فإن ذلك معنى آخر للقرابة ، وأضعف منه القول باختصاص القرابة بالوارث ، دون غيره ، والقول باختصاصها بالمحرم من ذوي الأرحام دون غيرهم ، كبني الأعمام والأخوال ، مع أنهما‌

__________________

(١) ما عثرنا على هذه الرواية بعد الفحص في مظانها من كتب الخاصة والعامة.

(٢) سورة هود الآية ـ ٤٦.

٣٨٤

مجهولا القائلين والله العالم.

ولو أوصى لقومه قيل : والقائل الشيخان وأكثر الأصحاب في المسالك والمشهور في غيرها هو ل لذكور من أهل لغة أو مطلقا ذكورا وإناثا ، وهو كما ترى يشهد العرف بخلاف ، ولعله لذلك نسبه المصنف إلى القيل ، بل عن ابن إدريس أنهم الرجال من قبيلته ممن ينطق العرف بأنهم أهله وعشيرته دون من سواهم ، وعليه قول الشاعر :

قومي هم قتلوا أميم أخي

فإذا رميت يصيبني سهمي

ولا بأس به وإن سلمنا كونه في اللغة كما ذكروه ، والله العالم.

ولو قال : لأهل بيته ، دخل فيهم الآباء والأولاد وإن نزلوا والأجداد وإن علوا قطعا ، بل الظاهر دخول الأعمام وأولادهم ، بل عن تذكرة الفاضل تفسيره بالقرابة التي يدخل فيها الأخوال وفروعهم ، وحكى عن ثعلب أنه قال : أهل البيت عند العرب آباء الرجال وأولادهم ، كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكور والإناث ، وفي المسالك « ما اختاره العلامة من مساواة أهل البيت للقرابة هو الظاهر في الاستعمال ، يقال : الفلانيون أهل البيت في النسب معروفون ، وعليه جرى‌ قوله (١) عليه‌السلام « إنا أهل البيت لا تحل لنا الصدقة » ، قلت : هو جيد ، لكن قد يمنع شموله للأخوال والخالات وفروعهم ، ونعم ما سمعته من ثعلب ، كما أنه لا إشكال في عدم كونه ما في المتن خاصة ، وإلا لخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو باطل إجماعا ، كما في المسالك.

وعلى كل حال فالأقوى الرجوع إلى عرف بلد الموصى ، ومع انتفائه يدخل كل قريب ، وأما أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنهم أخص من ذلك ، بالرواية (٢) الواردة عنه في حصرهم في أهل الكساء ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ـ ٦.

(٢) تفسير برهان ج ٣. ص ٣١٩.

٣٨٥

ولو قال لعشيرته ، كان لأقرب الناس إليه في نسبه عند جماعة من الأصحاب ففي محكي القاموس : عشيرة الرجل بنو أبيه الأدنون ، وعن الفاضل ان العشيرة هي القرابة مطلقا وفي المسالك « الأجود الرجوع إلى العرف ، ومع انتقاله فالعموم حسن » قلت : لكن الظاهر تحقق العرف في القبيلة ، لا خصوص الأقرب ، ولا مطلق القرابة ، والله العالم.

ولو قال لجيرانه كان للقريبين منه ، وفي المتن قيل : كان لمن بلى داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب ، وفيه قول آخر مستبعد وهو يلي داره إلى أربعين دارا ، وإن كان فيه روايات من الطريقين (١) إلا أنه مخالف للعرف ، كما أن التحديد بالأربعين ذراعا لم نقف له على شاهد ، فالأولى جعل المدار على العرف والمشكوك فيه خارج ، وتمام البحث في ذلك مر في باب الوقف.

وتصح الوصية للحمل الموجود حال الوصية ، وإن لم يكن قد حلته الحياة بلا خلاف أجده فيه ، لعموم ما دل على جوازها ولكن لا تستقر إلا بانفصاله حيا كالإرث وحينئذ فـ ( لو وضعته ميتا بطلت الوصية ) بمعنى ظهور بطلانها ، وإن كان قد حلته الحياة في بطن أمه ، كظهور الصحة لو انفصل حيا ، فالنماء المتخلل يتبع العين في ذلك.

ولو وقع حيا ثم مات استقرت وكانت الوصية لورثته لكن في المسالك يعتبر هنا قبول الوارث ، لإمكانه في حقه ، وانما أسقطنا اعتباره عن الحمل لتعذره ، كما سقط اعتباره للحمل مطلقا ، فيقبله وليه ابتداء ، ووارثه هنا ، وتظهر الفائدة ، فيما لو ردها الوارث قبل قبوله ، فإن اعتبرناه بطلت ، وإلا فلا أثر للرد ».

والذي قوى في النظر عدم الاحتياج إلى القبول في الوصية للحمل ، بل الظاهر عدم الولي له وهو حمل ، بحيث يقبل عنه الهبة والبيع وغيرهما ، خصوصا قبل ولوج الروح ، واحتمال كون المراد قبول وليه بعد الولادة ، يدفعه أنه خلاف ظاهر الفتاوى المتضمنة استقرار الوصية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب أحكام العشرة ، المغني لا بن قدامة ج ٦ ص ٥٥٦.

٣٨٦

بانفصاله حيا ، وحينئذ فلا يحتاج وارثه إلى قبول ، ضرورة كون ملكه بالإرث للحمل لا بالوصية والله العالم.

ولو أوصى المسلم للفقراء مثلا كان لفقراء ملته عرفا في الوصية ونحوها وإن كان اللفظ للأعم من ذلك لغة وعرفا في غيرها ولو كان الموصى كافرا انصرفت إلى فقراء نحلته لذلك أيضا.

قال أبو طالب عبد الله بن الصلت (١) : « كتب الخليل بن هاشم إلى ذي الرئاستين وهو وإلي نيسابور أن رجلا من المجوس مات ، وأوصى للفقراء بشي‌ء من ماله ، فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين ، فكتب الخليل إلى ذي الرئاستين بذلك فسأل المأمون عن ذلك فقال : ليس عندي في هذا شي‌ء فسأل أبا الحسن عليه‌السلام فقال أبو الحسن عليه‌السلام : ان المجوسي لم يوص لفقراء المسلمين ، ولكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة ، فيرد على فقراء المجوس » ونحوه غيره ، بل لا يبعد تنزيل اللفظ على خصوص المذهب ، فالإمامي من المسلمين لفقراء الإمامية ، وهكذا.

بقي شي‌ء ينبغي التنبيه عليه ، وهو أنه قد عرفت عدم صحة الوصية للمعدوم ، والمنساق منه معدوم الذات ، وهل مثله معدوم الوصف؟ بمعنى عدم تلبسه بالوصف حال الوصف ، ثم تجدد له ذلك في حياة الموصى أو بعده ، يحتمل ذلك ، فلا يعطى الفقير بعد الوصية ولا الجار كذلك ولا غيرهم؟ وجهان : أقواهما الصحة ، مع إرادة العنوان لعموم « ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (٢) » وغيره ، والله العالم.

ولو أوصى لإنسان ، فمات قبل الموصى ، قيل بطلت الوصية ، وقيل : ان رجع الموصى بطلت الوصية ، سواء رجع قبل موت الموصى له أو بعده ، وإن لم يرجع كانت الوصية لورثة الموصى له ، وهو أشهر الروايتين بل هو المختار كما عرفته سابقا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

٣٨٧

نعم في المسالك « والفرق بين هذه وبين السابقة ، أن السابقة تضمنت كون وارث الموصى له يرث القبول ، لو مات الموصى له قبله ، وليس فيها تعرض للملك الموصى به ، وعدمه والغرض من هذه بيان أن الموصى له ينتقل بموت الموصى له إلى وارثه ، وان لم يرجع الموصى عن الوصية ، على خلاف فيه ، سواء كان مورثه قد قبل الوصية قبل موت الموصى أم لا؟ فلو فرض أنه قبل الوصية في حياة الموصى ، ثم مات في حياته واكتفينا بالقبول الواقع في حياة الموصى ، لم يفتقر وارثه إلى القبول ، ولكن يبقى الخلاف في بطلان الوصية وعدمه ، وهو المقصود بالبحث هنا ، وإن لم يكن قد قبل ، انتقل إلى الوارث حق القبول ، وهو المستفاد من السابقة ، ومعه يملك الموصى به على الخلاف ، وهو المذكور هنا » لكن قد عرفت هناك ما يعرف منه التحقيق فيما هنا أيضا فلا حظ وتأمل.

ولو لم يخلف الموصى له أحد رجعت الوصية إلى ورثة الموصى عند جماعة من الأصحاب ، كما تقدم أيضا تحقيق ذلك كله ، حتى في قيام الوارث العام كالوارث الخاص وعدمه ، سيما إذا مات الموصى له بعد القبول قبل الموصى ، وقلنا باعتبار قبوله حال الحياة ، فإن المتجه انتقال الموصى به إليه ، فلاحظ وتأمل.

ولو قال : أعطوا فلانا كذا ولم يبين الوجه ، وجب صرفه إليه يصنع به ما شاء لأن الوصية تقتضي تسليط الموصى له على المال تسليط غيره من المالك على أملاكهم كما أنه لو عين الصرف في جهة خاصة ، فقال : أعطوه كذا لبناء مسجد مثلا ، تعين عليه صرفه فيها ، للنهى عن تبديل الوصية ، فلو صرفه في غيرها ضمن ، ولزمه إعطاء عوضه وصرفه في الوجه المعين.

ولو أوصى في سبيل الله ، صرف إلى ما فيه أجر ، وقيل : يختص بالغزاة ، والأول أشبه وان كان الثاني أحوط بين ذلك في باب الزكاة ، ولو أوصى بثلثه ولم يبين الوجه صرف في وجوه البر.

وتستحب الوصية لذوي القرابة وارثا كان أو غيره بلا خلاف فيه عندنا نصا‌

٣٨٨

وفتوى بل‌ في خبر السكوني (١) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام « من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية » وقالت : سالمة مولاة أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام حين حضرته الوفاة فأغمي عليه ، فلما أفاق قال أعطوا الحسن بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين دينارا ، وأعطوا فلانا كذا وكذا ، وفلانا كذا وكذا ، فقلت : أتعطى رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك ، فقال : تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عز وجل ( الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) الآية ، نعم يا سالمة أن الله تبارك وتعالى خلق الجنة ، وطيبها وطيب ريحها ، وان ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم » إلى غير ذلك من النصوص.

وإذا أوصى للأقرب نزل على مراتب الإرث بالنسب بمعنى تقديم المرتبة الأولى على الثانية ، وتقديمها على الثالثة وحينئذ فـ ( لا يعطى الأبعد مع وجود الأقرب ) لا أن المراد التنزيل في كيفية الاستحقاق ، لما عرفت من أن الوصية يتساوى فيها الذكر والأنثى ، والمتقرب بالأبوين والمتقرب بالأم ، والظاهر أن من الأبعد هنا ابن العم ولو للأب والأم فلا يعطى مع وجود العم ولو لأب ، وإن قدم عليه في الإرث لدليل خاص ، أما إلخ من الأب ففي المسالك ان الأقوى تقديم الأخ من الأبوين عليه كما في الإرث.

قلت : قد يحتمل تساويهما ، وخروج الإرث بالدليل ، ولو كان التقرب بالسببين محققا للأقربية عرفا لاقتضاها بالنسبة إلى المتقرب بالأم خاصة.

الفصل ( الخامس : في الأوصياء )

جمع وصي من الوصاية بكسر الواو وفتحها ، وهي الولاية على إخراج حق أو استيفائه أو على طفل أو مجنون ، يملك الوصي الولاية عليه بالأصالة كالأب والجد ، أو بالعرض كالوصي المأذون له في الإيصاء ، وهو معنى ما في القواعد من أن الوصية بالولاية استنابة بعد الموت في التصرف فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه واستيفائها ، ورد الودائع واسترجاعها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٨٩

والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان والمجانين ، والنظر في أموالهم ، والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه ، وتفريق الحقوق الواجبة ، والمتبرع بها ، بل لعل تعريفها بالولاية أولى من الاستنابة باعتبار كونها كذلك بعد الموت ، لا أنها نيابة عن الميت الذي بموته تنقطع ولايته ، وان كان هو قد نصبه وليا.

وعلى كل حال ففي القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها ـ بل في الحدائق الظاهر اتفاقهم عليه ـ أنها عقد ، وفيه : أن العقد كما عرفته في محله ما اعتبر فيه الإيجاب والقبول ، والمشهور كما تعرفه أن المعتبر في لزوم الوصية ، عدم الرد الذي يبلغ الموصى ، وهو أعم من القبول ، بل يتحقق بالرد وعدم القبول إذا لم يبلغ الموصى ، وهو مناف لدعوى العقدية المزبورة.

نعم قد تكون بصورة العقد ، كما لو أوصى الموصى ، فقال الوصي قبلت : وليس ذلك كافيا في العقد ، ضرورة كونه اسما لما اعتبر فيه القبول على جهة الجزئية ، ولقد أجاد في الدروس حيث أنه بعد أن ذكر جواز تأخر قبولها عن إيجابها كفاية الفعل فيه ، قال : وعلى ما قلناه من اللزوم بالموت وعدم الرد ، فلا عبرة بقبول الوصي وعدمه بل العبرة بعدم الرد الذي يبلغ الموصى ، فإن حصل وإلا التزم ، وبذلك ظهر لك الفرق بين الوصية والوصاية ، فإن الاولى ، وإن لم تحتج إلى قبول في بعض أفرادها كالوصية للجهات العامة بناء على عدم احتياج القبول فيها ، لكن حيث يحتاج إلى القبول فيها كالوصية للمخصوص يكون معتبرا فيها بحيث إذا لم يحصل يقع باطلا ، بخلاف الوصاية ، فإن عدم القبول لا يبطلها ، إلا إذا كان برد لها على وجه يبلغ الموصى ، كما هو واضح.

ثم ان صيغة الوصاية أوصيت إليك ، أو فوضت أو جعلتك وصيا ، أو أقمتك مقامي في أمر أولادي ، أو حفظ ما لهم والتصرف فيه ، أو كذا أو كذا ، أو وليتك كذا بعد موتي ، أو جعلتك وليا بعد الموت ، أو نحو ذلك من الألفاظ التي تفيد توليته على ما يريدها عليه عموما أو خصوصا.

أما لو قال أنت وصيي مثلا واقتصر ، وقع لغوا لعدم ظهور المتعلق منه ، وعمومه‌

٣٩٠

كخصوصه بالنسبة إلى التقدير ، ومطلق الوصايا لا تجدي من دون ذكر المتعلق بخلاف الأوامر ، بل وبخلاف نحو ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) ونحوه ضرورة كون المقام كالاخبار وكما قال : وكلتك ، وعن التذكرة التصريح به ، بل عن فخر المحققين عدم الخلاف في ذلك.

والتحقيق ما في الدروس من أنه إن كان هناك قرينة حال حمل عليه ، وإلا أمكن البطلان ، ويحتمل التصرف فيما لا بد منه كحفظ المال ، ومؤنة اليتيم » قلت ، : لا بأس بالاحتمال المزبور مع فرض تيقن إرادته من اللفظ المزبور أو ظهوره مع الشك في غيره ، وإلا فاللابدية أعم من الوصاية به ، ولو قال : أوصيت إليك أو أقمتك مقامي في أمر أولادي ، ولم يذكر التصرف ، فالظاهر تنزيله على التصرف ، لأنه المفهوم عرفا خصوصا عند من يرى أن المفرد المضاف يفيد العموم ، لكن عن التذكرة أن فيه احتمالين ، هذا أحدهما ، والثاني عدم التصرف إلا في الحفظ ، لأنه المتيقن دون غيره ، وهو كما ترى ، ضرورة إرادة التصرف منه عرفا.

وكيف كان فـ ( يعتبر في الوصي العقل والإسلام ) فلا يصح الإيصاء إلى مجنون مطبقا أو أدوارا ، لعدم صحة تصرفاته وعدم صلوحه للوكالة ، فضلا عن الوصاية التي هي أعظم منها ، لأنها إحداث ولاية ومنصب يقصر المجنون عنها قطعا ، لكونه مولى عليه ، بل لو طرأ الجنون على الوصي بطلت وصيته في وجه ، وإن كان تسمع في المسائل إن شاء الله تعالى أن الأقوى خلافه ، وفي دعائم الإسلام (١) عن علي عليه‌السلام « لا يزيل الوصي عن الوصية ذهاب عقل أو ارتداد أو تبذير أو خيانة أو ترك سنة ، والسلطان وصى من لا وصى له والناظر لمن لا ناظر له » بل الظاهر عدم عودها لو عاد العقل ، أن كان على وجه الفسخ كما في العقد الجائز ـ وفاقا للفاضل للأصل ، وعدم مقتض لعودها ، وأن تردد فيه في الدروس ، وتسمع إن شاء الله تعالى تحقيق الحال في ذلك ، في المسائل.

نعم لو صرح الموصى بذلك أمكن القول بالصحة لعموم أدلة الوصية ووجوب إنفاذها على حسب ما أوصى ، ومن هنا قال في الدروس : الأقرب صحة الإيصاء لمن يعتوره الجنون‌

__________________

(١) الدعائم ج ٢ ص ٣٦٣.

٣٩١

أدوار ، ويحمل على أوقات الإفاقة ، ثم قال : والفرق بينه وبين الأول : أي من طرأ له الجنون ، انصراف الوصية في ابتدائها : أي في الأدواري إلى أوقات إفاقته ، وفي غيرها إلى دوام عقله الذي لم يدم ، ولو قلنا بعود ولاية الأول فلا اشكال ».

قلت : قد يقال بصحة الإيصاء إلى المجنون حال جنونه ، معلقا ذلك على حصول الإفاقة له ان حصلت ، منضما إلى الوصاية إلى بالغ مستقل في التصرف ، أو غير منضم ، على اشكال ينشأ من عموم الأدلة ، ومن كون المتيقن منها الاذن في نصب غير ذلك ، على أن تعليق تأثير السبب على غير الشرط الشرعي مخالف للضوابط الشرعية ، والظاهر ما دل على التسبيب ، وسيأتي لذلك نظائر إن شاء الله تعالى كما أنه يأتي البحث على ما يتفرع على الشرط الثاني عند تعرض المصنف له.

وإنما الكلام هنا في أنه هل يعتبر العدالة في الوصي قيل : والقائل جماعة ، بل هو المشهور نعم بل في الغنية الإجماع عليه لأن الفاسق لا أمانة له لوجوب التثبيت عند خبره (١) ، وظالم لا يركن إليه (٢) ، ولأولويتها من وكيل الوكيل المجبور بنظر الموكلين ، الذي قد اعتبر فيه العدالة ، وولايتها قد تكون ولاية على طفل ، أو على أداء حق واجب ، أو نحو ذلك مما لا ينبغي فيه ائتمان غير العدل ، ولأن الوصاية إثبات الولاية بعد الموت الذي به ترتفع ولاية الموصى ويصير التصرف متعلقا بحق غير المستنيب من طفل أو مجنون أو فقير وغيرهم ، فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل ، ووكيل الحاكم على مثل هذه المصالح ، ومن هنا كان رضى الموصى بالفاسق غير معتد به ، كما أن منه يعلم الفرق بين الوصاية والوكالة ، والاستيداع المتعلقين بحق الموكل والمودع المسلطين شرعا على إتلاف مالهما ، فضلا عن تسليط غير العدل عليه ، والموصى إنما يسلط على حق الغير لخروجه عن ملكه بالموت مطلقا ، مع أنا نمنع عدم اشتراط العدالة في الودعي والوكيل إذا كانا على مثل ذلك.

__________________

(١) سورة الحجرات الآية ـ ٦.

(٢) سورة هود الآية ـ ١١٣.

٣٩٢

كل ذلك مضافا إلى التأيد بظواهر كثير من النصوص (١) الواردة بالنسبة إلى من مات وله أموال ، وورثته صغار ولا وصى له ، حيث اشترطت عدالة المتولي لذلك ، وهي وإن كانت خارجة عما نحن فيه إلا أن فيها إشعارا بأن المتولي لأمر الوصاية كذلك بل لا فرق بينهما ، إلا كون الأول منصوبا من قبل الشارع والثاني من قبل الميت وإلا فهما بالنسبة إلى ما يتصرفان فيه واحد ، فكما يراعى العدالة فيه من حيث أن الناصب له الشرع ، يراعي كذلك فيه من حيث أن الناصب للوصي ، فلا ينصب لذلك إلا عدلا.

والفرق ـ بأن للموصى التسلط على ماله يدفعه إلى من شاء ، ويسلط عليه من يختاره ، لتسلط الناس على أموالهم ، بخلاف الحاكم الشرعي المنوط تصرفه بالمصلحة ، دون ما فيه مفسدة ـ يظهر ضعفه مما مر ، فإن الموصى بعد الموت وانتقال التركة إلى الورثة وفيهم الصغير ، وفيها وصايا إلى الجهات العامة ونحو ذلك من التصرفات المحتاجة إلى الوثوق والائتمان ، لا تعلق له بذلك ، فتصرفه فيما ذكر ، إنما هو تصرف في مال الغير ، لا مال نفسه.

وقيل : والقائل جماعة منهم الفاضل في المختلف وابن إدريس فيما حكى عنه وغيرهما لا تعتبر العدالة في الوصي لأن المسلم محل للأمانة ، كما في الوكالة والاستيداع ، ولأنها ولاية تابعة لاختيار الموصى فيتحقق بتعيينه.

وقيل كما في المسالك : المعتبر عدم ظهور الفسق ، لا ظهور العدالة ، قال : لأنه لا يلزم من عدم أهلية الفاسق للاستيمان وقبول الخبر ، اشتراط العدالة هنا لوجود الواسطة بينهما ، وهو المستور والمجهول الحال ، فإنه لا يصح وصفه بالفسق بل يعزر واصفه به ، فلا يدخل في المدلول.

واشتراط عدالة وكيل الوكيل إن أرادوا به اشتراط ظهور عدالته ، كما هو المشهور ، فهو عين المتنازع فيه ، وإن أرادوا به عدم ظهور الفسق ، سلمناه ، لكن لا يفيد الاشتراط ، وبالجملة لا ريب في اشتراط عدم ظهور فسقه ، أما اشتراط ظهور عدالته ففيه بحث ، والاستدلال عليه ـ بأن الفسق لما كان مانعا ، فلا بد من العلم بانتفائه ، وذلك هو اشتراط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

٣٩٣

العدالة ـ واضح المنع ، لأن المانع لا يشترط العلم بعدمه في التأثير ، بل عدم العلم بوجوده كاف ، كما في كل مانع.

وحينئذ فالأقوال في المسألة ثلاثة ، وقد اتفقت جميعا على عدم الفرق بين متعلق الوصاية في ذلك من ولاية على قاصر ، أو على أداء حق لازم ، أو على صرف ثلث في وجوه بر أو نحو ذلك ، ولعل خيرها أوسطها ما لم يكن فيه مفسدة على القاصر ، لعموم الأدلة وإطلاقها ، خصوصا ما ورد منها في وصاية الامرأة (١) التي من الغالب عدم عدالتها ، وفي وصاية ولده وفيهم الصغار والكبار ، وإن الصبي يكون وصايا بذلك عند بلوغه أو قبله ، والتصرف عند البلوغ ، وغير ذلك من النصوص التي لا ينكر ظهور سياقها في عدم اعتبار العدالة ، سيما ما ورد من وصية الكاظم عليه‌السلام جميع ولده (٢) ، ومنهم غير العدل ، وجعل الولاية بيد علي عليه‌السلام منهم لا يجدى ، بناء على عدم صلاحية الفاسق للوصاية ، ولو مع انضمامه إلى غيره ممن له الولاية عليه.

ودعوى عدم صحة ائتمان الفاسق والركون إليه واضحة المنع ، فإن الفسق قد يكون بما لا مدخلية له في حفظ المال ، والوصاية ليست ركونا ، ومع التسليم فالممنوع من الركون إلى الظالم من الفاسق ، لا مطلقا ودعوى كونه ظالما لنفسه ، كما ترى لا تستأهل جوابا.

وكذا ما ذكر من القياس على وكيل الوكيل الممنوع اعتبار العدالة فيه أيضا ، فإن الأمر يتبع اذن الموكل أو مصلحة ، ولا ريب في أن الوصاية فرع ولاية الموصى ، وإن لم تكن هي استنابة بمعنى ثبوت الولاية له بعد الموت ، وان الوصي نائب عنه ضرورة انقطاعها بعد الموت ، ولكن لولايته الثابتة حال الحياة قد جوز له الشارع جعل ولي بعد موته فيما له الولاية عليه ، وأدلة جواز ذلك عامة أو مطلقة.

نعم هي مخصصة ، أو مقيدة في بعض أفرادها ، كالولاية على القاصر ونحوها ، بما إذا لم يكن في ذلك مفسدة ، أو بما فيه مصلحة من غير فرق في ذلك بين العدل والفاسق وكذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ و ٥٣ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ـ ٥.

٣٩٤

الوكالة والوديعة من الحي للطفل ، ودعوى خروج المال منه كله بالموت ، مدفوعة بأن الثلث باق على حكم ماله ، فله الولاية عليه على أى نحو شاء ، كما أن له الولاية ، من غير فرق بين العدل والفاسق ، كحال الحياة وقبول خبرهما في ذلك باعتبار كونهما مسلمين مصدقين فيما يسندانه إليهما خصوصا مع تكليفهما بذلك ، فلا فرق من هذه الجهة ، والتأييد بالنصوص المزبورة ـ يدفعه أن موضوعها تولى عدول المسلمين الذين هم أحد الأولياء ، مع فقد الحاكم لا من حيث الوكالة عنه وإلا فالحاكم قد يجوز له ، أو يجب عليه توكيل الفاسق إذا اقتضته المصلحة.

نعم قد يفرق بين العدل والفاسق فيما يلزم الموكل والولي فيه مراعاة المصلحة أو عدم المفسدة عند اشتباه الحال لديه ، فإنه حينئذ بتوكيل العدل وتوليته معذور ، بخلاف الفاسق الذي هو مظنة الفساد ، لا أنه لا يجوز تولية الفاسق الذي يعلم الصلاح في توليته ، لكون نفسه بما لا يضر المولى عليه كما هو واضح ، بل لو وقع ذلك من الموكل والموصى ، ولم يعلم الحال لا بد لنا من حمل فعلهما على الوجه الصحيح وهو الذي يعلم الولي عدم مفسدته أو صلاحه ، لا أنه يحمل على معلوم الفساد ، كي يحكم ببطلان وصايته.

ومن الغريب أن بعض من اشترط عدالة الوصي قال : وأعلم ان هذا الشرط انما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي ، ويقبل خبره كما يستفاد ذلك من دليله لا في الفعل في نفسه ، فلو أوصى إلى من ظاهره العدالة ، وهو فاسق في نفسه ، ففعل مقتضى الوصية ، فالظاهر نفوذ فعله وخروجه عن العهدة ، ويمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو أوصى إليه فيما بينه وبينه وفعل مقتضاها ، بل لو فعله ظاهرا كذلك لم يبعد الصحة وان حكم ظاهرا بعدم وقوعه ، وضمان ما ادعى فعله ، وتظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطلاع عدلين ، أو باطلاع الحاكم ، نبه على ذلك في التذكرة والروضة ، وهو حسن.

قلت : وقريب منه ما صرح في جامع المقاصد ، ولا يخفى عليك منافاة ذلك لاشتراط العدالة في الوصي ، في سياق اشتراط العقل ، ونحوه مما يقضي بانعدام المشروط بعدمه ، وأقصى ما يقال في دفعه أنه يمكن تنزيله على أن المراد أنها شرط في صحة الاستنابة ، لا في‌

٣٩٥

صحة النيابة ، وأنت إذا تأملت لم تجد لهذا الكلام حاصلا ينطبق عليه ظاهرا من ذكر ذلك شرطا على حسب اشتراط العقل ونحوه.

وأغرب من هذا ما عساه يظهر من بعضهم من الاستدلال على اشتراط العدالة بأن الفاسق لا يصلح للولاية على الطفل ، وفيه أنه لا خلاف ظاهرا في ثبوت ولاية الأب والجد على الطفل ، وإن كانا فاسقين ، بل في جامع المقاصد الاعتراف بأن ذلك مقتضى النص والإجماع وأنه لا دليل على اشتراط العدالة.

نعم قال : فيدفع محذور الفسق بأن الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال ، اختلال حال الطفل إذا كان للأب عليه ولاية ، عزله ومنعه من التصرف في ماله ، وإثبات اليد عليه ، وإن ظهر خلافه فولايته ثابتة ، وإن لم يعلم استعلم بالاجتهاد وتتبع سلوكه وشواهد أحواله ، وفيه أنه لم يكون كذلك في الوصي ، ومع وجوب الاستعلام بالاجتهاد وتتبع الأحوال لوجوب حسن الظن بالمسلم ، فعله على الوجه الصحيح ، وأنه لا يقصر فيما وجب عليه ، كما هو مقرر في محله ، هذا كله في الوصية إلى الفاسق ابتداء.

أما لو أوصى إلى العدل من حيث كونه عدلا ففسق بعد موت الموصى أمكن ببطلان وصيته بل ينبغي الجزم به ، وإن لم نقل باشتراط العدالة في الوصي بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المهذب وشرح الصيمري الإجماع عليه إلا من الحلي ، وفي جامع المقاصد كأنه لا خلاف فيه لعدم مقتضيها ، ضرورة كون فرض عبارة النصب له من حيث العدالة ، فمع فسقه لم تشمله عبارة النصب ، فلا يكون وصيا ، ودعوى ـ أن العدالة من الأوصاف التي لا يتغير الموضوع بفقدها ـ يدفعها وضوح فسادها ، إذ الموضوع إن كان الذات مع الوصف فلا ريب في تغير الموضوع بعدمها ، كوضوح فساد دعوى الاكتفاء بالعدالة في ابتداء النصب دون استمراره ، لأن الوثوق ربما كان باعتبار صلاحه ، فلم يتحقق الوثوق عند زواله.

نعم لو أوصى إلى العدل لا من حيث العدالة ، بل من حيث ذاته ، ففسق فإن وصيته ثابتة ، بناء على صحة وصاية الفاسق ، بل لعله كذلك أيضا إذا كانت العدالة داعيا وباعثا‌

٣٩٦

للوصاية ، لكن لم تتعلق الوصاية عليها ، لما تقرر غير مرة من أن الدواعي لا تقيد أمثال هذه الأسباب ، بل قد يقال : أنها كذلك إذا أوصى إلى العدل ولم يعلم منه ملاحظة الوصف على الوجه الأول أو غيره ، فإن استصحابها كاف في الحكم ببقائها ، بل لو علم ملاحظة الوصف لكن لا على جهة دورانها معه وجودا وعدما ، بل لا حظه غير خاطر في باله العاري عنه ، فإن الاستصحاب أيضا يمكن جريانه ضرورة عدم معلومية علية الوصف ، ومحال الاستصحاب غالبا تقرن معها الأوصاف التي لم يفهم عليتها ، ومنها المقام الذي كان الوصف فيه شبه مفهوم اللقب ، ولا يقال : انه لا يجري باعتبار تغير الموضوع في الفرض ، لما عرفت من أن الموضوع لا يتغير بتغير مثل هذا الوصف ، بل التغير يحصل بتغير الذات أو الوصف الذي يجعل مدارا للحكم.

وقد ظهر لك مما ذكرنا أن الظهور في المقام خمسة والمتجه البطلان في الأولى التي نزلنا عليها عبارة المصنف وان كان فيه صعوبة ، فرارا مما عساه يظهر منها من مساواتها لغيرها التي قد عرفت كون المتجه منه الصحة.

وكيف كان فلا تعود الوصايا بعود الوصف إلا إذا صرح بذلك الموصى ، أو ظهر من عبارته ، فإن الأقوى جواز مثل هذا النصب لإطلاق الأدلة ، ومثل هذه الصورة تأتي أيضا فيما لو فسق حال حياة الموصى أيضا ، ضرورة عدم الفرق فيما ذكرناه من مدارك الصور بين حالي الموت والحياة.

وعلى كل حال فالمتجه في الصورة الأولى انعزاله من غير حاجة إلى عزل الحاكم ، ضرورة تقييد وصايته من الموصى بحال العدالة التي تنتفي بانتفائها ، فقول المصنف والفاضل في القواعد فحينئذ يعزله الحاكم ويستنيب مكانه في غير محله ، اللهم إلا أن يكون المراد ، بالعزل قطعه عن التصرفات بعد أن تحقق العزل الشرعي ، والأمر سهل بعد وضوح المقصود ، والله العالم.

ولا تجوز الوصية إلى المملوك بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عليه مطلقا عن صريح محكي الغنية ، وظاهر التذكرة الإجماع ، وهو الحجة مضافا إلى أدلة الحجر عليه ،

٣٩٧

واستلزام ذلك التصرف فيه والانتفاع به بغير إذن مولاه ، لاحتياج تنفيذ الوصاية إلى أفعال وأقوال ، وهو ممنوع منها ، إلا أن يكون ذلك باذن مولاه فتصح الوصاية إليه حينئذ بلا خلاف كما اعترف به في الرياض ، لزوال المانع وحينئذ فليس للمولى الرجوع في الأذن بعد موت الموصى ، بل ولا قبله إذا كان بحيث لم يبلغه الرد ، وبالجملة هو كالحر بالنسبة إلى ذلك ، أو مكاتبا مبعضا للموصي أو غيره عند الشيخ وابن حمزة والحلي والمختلف ، خلافا للمفيد والديلمي فجوزوا الوصية إلى من عدا القن ، أما مطلقا كما يظهر من المختلف والدروس ، أو إذا كان عبد نفسه كما يستفاده من التنقيح ، ومال إليه الصدوق لحرية المدبر حال المباشرة ، ولزوم الكتابة وتصرف المكاتب من غير حجر ، ولا يخلو عن قوة ، لعمومات الكتاب والسنة ، الناهية عن تغيير الوصية ، وسلامتها في المفروض عما مر من الأدلة المانعة لما ذكر.

قلت : قال في الدروس : « خامسها اذن المولى ، لو أوصى إلى عبد الغير أو مكاتبه أو مدبره أو أم ولده ، ولو أوصى إلى عبد نفسه أو مدبره أو مكاتبه أو أم ولده لم يصح عند الشيخ ، وجوز المفيد وسلار الوصية إلى المدبر والمكاتب مطلقا ، ولعله ليست كما حكى عنهما في الجملة ، والموجود في المقنعة ، ولا يوصى إلى العبد ، لأنه لا يملك مع سيده أمرا ، ولا بأس بالوصية إلى المدبر والمكاتب ، وفي المراسم : ولا يوصى إلى العبد إلا من كان منهم مكاتبا أو مدبرا فتأمل.

وكيف كان فقد أطلق المصنف وغيره أيضا عدم جواز وصية المملوك الشامل لذلك كله وغيره ، بل الظاهر عدم الفرق فيه بين مملوك نفسه ومملوك غيره ، وقوله « الا بإذن مولاه » لا يقتضي باختصاص المستثنى منه في الثاني لغة ولا عرفا ، وإن كان لا يتصور إخراجه منه باعتبار اقتضاء الوصية إليه الاذن في قبولها ، لكن قد يقال : إن إذنه لا تجدي ، لأن أثر الوصاية بعد الموت الذي ينقطع به ملكه ، أو ينتقل إلى غيره.

ودعوى ـ أن ذلك من الوصية بمنافعه فليس للوارث الاعتراض ـ واضحة الفساد ضرورة عدم كون ذلك منها بعد عدم قصدها.

ومن هنا كان مقتضى ما حكاه المفروغية من عدم جواز وصية القن ولو كان عبد نفسه ، وأن الخلاف في غيره ، وكأنه قدس‌سره مال إلى الجواز ، بناء منه على أن مدرك المنع ما سمعت‌

٣٩٨

من الحجر عليه ، واقتضاء الوصاية التصرف فيه ، وهما مفقودان في الفرض ، فتبقى العمومات سالمة عن المعارض.

وفيه : أنه يمكن أن يكون الدليل الإجماع المحكي المعتضد بظاهره وبإطلاق الأكثر وبإطلاق‌ قوله عليه‌السلام « لا وصية لمملوك (١) » في خبر ابن الحجاج الذي لا قرينة على اختصاصه بالوصية التمليكية ، بل هو شامل لذلك ولجعل الولاية له ، وبمعلومية قصور العبد عن هذا المنصب الذي من الواضح الفرق بينه وبين الوكالة ، بل لو لا الإجماع على الصحة بإذن السيد ، لأمكن القول بالمنع معها أيضا ، كما عن الشافعي وجمع من العامة ، سيما الولاية على الطفل مثلا ، لقصوره عنه كالملك الذي لا يجدى فيه إذن السيد ، بل لعل الولاية أعظم منه من غير فرق بين مملوك السيد بأقسامه وغيره ، ووجود القابلية له في المدبر مثلا بعد الموت لا يجدي مع فقدها حال الوصية كما أنه لا يجدى التبعيض أيضا ، وان أجدى في الملك ، لعدم قابلية الولاية التوزيع كالملك ، فتأمل.

نعم لو أوصى إليه معلقا ذلك على حريته ، أمكن الجواز ، بناء على قبول الوصاية مثل هذا التعليق كما عرفته فيما تقدم ، والله العالم.

ومما يعتبر في الوصي البلوغ بلا خلاف أجده فيه فـ ( لا تصح الوصية إلى الصبي منفردا ) لقصوره بالصبا السالب لأقواله وأفعاله عن منصب الوكالة ، فضلا عن الوصاية التي قد عرفت أنها أعظم منها باعتبار كونها ولاية بخلافها ، بل لا يتعقل ثبوت السلطنة لغير المميز من الصبيان على المميز منهم.

ولكن قد ورد في خبرين معتبرين بفتوى الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلاف بينهم ، أنه تصح وصايته منضما إلى البالغ الكامل وو لكن لا يتصرف الصبي إلا بعد بلوغه وإنما فائدة نصبه جواز تصرفه بعد البلوغ على وجه يكون شريكا للبالغ.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٩٩

قال‌ علي بن يقطين (١) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أوصى إلى امرأة وشرك في الوصية معها صبيا؟ فقال : يجوز ذلك ، وتمضى المرأة الوصية ، ولا تنتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ الصبي فليس له إلا الرضا وإلا ما كان من تبديل أو تغيير ، فان له أن يرده إلى ما أوصى به الميت ».

وقال الصفار (٢) كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : « رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا ، وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ، ويقضوا دينه ان صح على الميت شهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقع عليه‌السلام : نعم على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ، ولا يحبسوه بذلك ».

ومنهما يعلم الحكم فيما ذكره المصنف وغيره من أنه لو أوصى إلى اثنين مثلا أحدهما صغير والآخر كبير تصرف الكبير منفردا حتى يبلغ الصغير ولأنه وصي في الحال منفردا إذا الشريك معه بعد البلوغ ، كما لو قال : أنت وصيي فإذا حضر فلان فهو شريكك ، ومن ثم لم يكن للحاكم أن يداخله ولا أن يضم إليه آخر ، نائبا عن الصغير.

نعم عند بلوغه لا يجوز للبالغ التفرد لحصول الشريك له حينئذ ، كما لو أوصى إلى اثنين كاملين ابتداء على ما ستعرف ، هذا.

وفي المسالك وغيرها أن صحة الوصية إلى الصبي منضما على خلاف الأصل ، لأنه ليس من أهل الولاية ، ولكن جاز ذلك للنص ، فلا يلزم مثله في الوصية إليه مستقلا وان شرط في تصرفه البلوغ ، وكان ذلك في معنى الضم ، وقوفا فيما خلاف الأصل على مورده ، ولأنه يغتفر في حال التبعية ما لا يغتفر استقلالا.

قلت : قد عرفت سابقا ما يقتضي أن الأصل جواز نصب الصبي وصيا إذا علق ذلك على بلوغه رشيدا ، ضرورة كونه للعمومات وأن الوصاية كالأمارة لا يقدح فيها التعليق ونحوه ، ولذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٤٠٠