جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في المتن أولى بهذا الحكم من ذلك والمناقشة بضعف السند بعد التسليم مدفوعة بما عرفت من الانجبار بما سمعت.

فما عن ابن إدريس ـ من عدم الاجتزاء بذلك ، وعن ابن البراج ـ أنه احتاط به ، بل اختاره ثاني المحققين والشهيدين لعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) ونحوه فيتوقع المكنة حينئذ ، فمع اليأس يكون حكمه حكم ما لو تعذر صرف الموصى به فيما أوصى به.

واضح الضعف بل هو من الاجتهاد في مقابلة النص ، وقد عرفت المراد بالناصب في كتاب الطهارة.

وكيف كان فـ ( لو ظنها مؤمنة ) لأخبارها ، أو لاخبار من يعتد به ، أو لإظهارها الإيمان أو نحو ذلك من الطرق الشرعية فأعتقها ثم بانت بخلاف ذلك أجزأت عن الموصى بلا خلاف أجده كما في الرياض لقاعدة الأجزاء في نحوه ، مما كان المرء متعبدا فيه بظنه.

وللصحيح (١) « عن رجل أوصى بنسمة مؤمنة عارفة ، فلما أعتقناها بان أنها بغير رشدة فقال : قد أجزأت عنه ، إنما مثل ذلك مثل رجل اشترى أضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة ».

الرابعة : لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يجد به ، لم يجب شراؤها بالزائد ، لعدم المقتضى ، حتى لو بذل له الوارث أو غيره ، بل لو تمكن منه من ثلث الميت لم يجب أيضا ، بل قد يشكل جواز ذلك له فضلا عن وجوبه ، بعد كونه الموصى به.

نعم لو بذل صاحب الرقبة بأن رضى بالقدر المزبور عوضا لها ، أمكن الوجوب حينئذ وهو خارج عن المفروض الذي قد عرفت أن حكمه ترك الشراء وتوقع وجودها بما عين له فإن آيس منه صرفه في وجوه البر التي هي طريق إيصال مال الميت إليه ، إذ لا معنى لإرجاعه إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

٣٦١

الوارث بعد خروجه عنه بالوصية ، وتعذر إنفاذها بعد فرض كونها ممكنة في حد ذاتها حال الوصية لا يبطلها بحيث يرجع المال إلى الوارث ولعل الأولى اختيار شراء شقص له وعتقه عنه من وجوه البر ، لكونه أقرب إلى الموصى به ، وإن كان الأقوى عدم وجوب مراعاة مثل ذلك ، ولو توقع فلم يجدها بذلك ولكن وجدها بأقل من الثمن الذي أوصى به اشتراها وأعتقها بلا خلاف أجده فيه ، لقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ، ولا مكان دعوى كونه مرادا للموصى في هذا الحال ، وللخبر الآتي.

وإنما الكلام في قول المصنف وغيره بل قيل : إنه لا خلاف فيه دفع إليها ما بقي الظاهر في وجوب ذلك عليه ، وأنه لا يجوز صرفه في غيره من وجوه البر ولعله لأنه أقرب إلى الموصى به ول‌ موثق سماعة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة من ثلثه بخمسمائة درهم ، فاشترى الوصي بأقل من خمسمائة درهم وفضلت فضلة فما ترى في الفضلة؟ قال تدفع إلى النسمة من قبل أن تعتق ، ثم تعتق عن الميت ، » المحمول على صورة تعذر الموصى به ، ولو بقرينة حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح ، فلا يكون ترك الاستفصال فيه دليلا على العموم ، ومع التسليم يخص بظاهر اتفاق الأصحاب على عدم الجواز إلا مع التعذر ترجيحا لعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) عليه ، وسماعة وإن كان واقفيا إلا أنه ثقة ، فيكون الخبر من الموثق الذي قد فرغنا من إثبات حجيته في الأصول ، على أنه منجبر بالشهرة ، أو عدم الخلاف ، ولعل في قوله عليه‌السلام « قبل أن تعتق » إشارة إلى ما ذكرناه من قرب ذلك إلى الموصى به ، باعتبار صيرورة دفع بقية المال إليها بمنزلة شرائها بالثمن المعين. فتأمل جيدا.

الفصل ( الرابع : في الموصى له )

ويشترط فيه الوجود حال الوصية فلو كان معدوما لم تصح الوصية له كما لو أوصى لميت ، أو لمن ظن وجوده ، فبأن ميتا عند الوصية ، وكذا لو أوصى لما تحمله المرأة في الزمان المستقبل أو لمن يوجد من أولاد فلان بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٧ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٦٢

بل عن نهج الحق والتذكرة الإجماع عليه ، للأصل المقتصر في تقييده بالمنساق من إطلاقات الوصية في الكتاب والسنة على الوصية للموجود على أن المراد هنا الوصية التي قد عرفت كونها تمليك عين أو منفعة ، والمعدوم ليس له أهلية التملك ولا قابليته ضرورة كون الملك من الصفات الوجودية التي لا تقوم بالمعدوم ، بل لا يتصور قيامها فيه ، بل مرجع ملك المعدوم إلى الملك بلا مالك ، وما ثبت في الوقف من صحته على المعدوم تبعا للموجود ، إنما هو بمعنى جعل الشارع عقد الوقف سببا لملك المعدوم بعد وجوده ، فالوجود حينئذ كالقبض أحد أجزاء العلة التامة في ثبوت الملك له ، لا أنه مالك حال عدمه ، وإلا كان وجوده كاشفا عن تحقق شركته مع الموجود من أول الأمر ، وهو معلوم البطلان ، وهذا شي‌ء لا مانع عقلا ولا نقلا من شرع الشارع كله ، كما أنه شرعه لإثبات المل‌ء للموجود ما دام موجودا على وجه ينتقل عنه الملك بموته ، ويتلقاه الآخر من الواقف ، لا من الموقوف عليه ، على خلاف قياس باقي أسباب الملك ، ولو أن الشارع شرع الوصية التمليكية على هذا الوجه لم يكن بأس في تمليك المعدوم لها على الوجه المزبور ، إلا أنه لم يثبت من الشارع ذلك فيها ، بل الثابت خلافه ، وأنها على قياس باقي أسباب الملك نحو الهبة والبيع والصلح ونحوها كما لا يخفى من أدلتها ، ولو سلم قابلية تحميل إطلاقاتها ، ذلك ، إلا أن الإجماع بقسميه على كون المراد منها الموجود ، فما في جامع المقاصد ـ من إشكال ما سمعته من الأصحاب بما مر في الوقف من صلاحية المعدوم للملك تبعا للموجود مع أن الوصية أخف منه كما هو واضح لمن لا حظ أحكامهما ـ في غير محله ، لما سمعته من وضوح الفرق بين المقامين ، ولا حاجة إلى تكلفه ثاني الشهيدين في الفرق بينهما ، وأطنب به مما لا يرجع إلى محصل فلا حظ وتأمل والتحقيق ما عرفت.

ولا يرد عليه أن المعدوم ولو كان غير قابل للتمليك ، والملك لم يكن قابلا للتملك مع أن الإجماع بقسميه على صحة الوصية بالمعدوم عينا ومنفعة وعلى جواز بيع الثمار ونحو ذلك مما هو من تملك المعدوم.

لأنها نقول ـ بعد الفرق بينهما بالإجماع ونحوه ـ أنه يمكن منع تحقق الملك في ذلك كله حقيقة ، بل أقصاه التأهل للملك ، والاستعداد له على حسب ملك النماء لمالك الأصل ، وملك المنفعة لمالك العين ، فهو من ملك أن يملك ، لا أنه ملك حقيقة ، بل بالأسباب المزبورة‌

٣٦٣

استحق أن يملك المعدوم بعد وجوده ، لا أنه مالك للمعدوم حقيقة ، ولو أنه ثبت في الوصية صلاحيتها لنحو ذلك في الموصى له ، كما ثبت صلاحيتها له في الموصى به ، لكنه لم يثبت ، بل الثابت خلافه ، كما عرفت بل الظاهر ذلك وان اتفق وجوده حال موت الموصى ، ولذا قيدنا الوجود في المتن بحال الوصية.

نعم هذا كله في الوصية التمليكية ، أنما الوصية العهدية التي لم يقصد الموصى إنشاء تمليك فيها ، فلا أجد مانعا من صحتها للمعدوم ، بمعنى أن يعهد الميت في إعطاء شي‌ء أو وقفه أو نحو ذلك لمن يتولد من زيد مثلا ، وإطلاق اشتراط الأصحاب الموجود في الموصى له منزل بقرينة تعليلهم وغيره على التمليكية التي هي أحد العقود ، كما سمعته سابقا والله العالم.

وعلى كل حال فلا خلاف بيننا في أنه تصح الوصية للأجنبي والوارث بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، مضافا إلى إطلاق الوصية في الكتاب والسنة وخصوصا آية « ( كُتِبَ ) (١) » إلى آخره والمعتبر المستفيضة على جواز الوصية للوارث.

منها‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح (٢) « الوصية للوارث لا بأس بها ».

وفي آخر (٣) « سأله محمد بن مسلم عن الوصية للوارث فقال : يجوز ».

وفي ثالث (٤) « فقال : يجوز ، ثم تلا هذه ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) إلى آخره » إلى غير ذلك.

فما عن العامة ـ من منع جوازها للوارث مطلقا ، أو إذا لم يجز غيره من الورثة ـ واضح الفساد ، كوضوح حمل ما ورد في أخبارنا مما يوافق ذلك على التقية منهم.

نحو ما‌ عن تفسير العياشي من خبر أبي بصير (٥) « عن أحدهما عليه‌السلام في قوله تعالى ( كُتِبَ ) إلى آخره قال : هي منسوخة ، نسختها آية الفرائض التي هي المواريث » أو على إرادة نسخ الوجوب دون الاستحباب أو الجواز.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١٥.

٣٦٤

و‌خبر القاسم بن سليمان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اعترف لوارث بدين في مرضه؟ فقال : لا تجوز وصيته لوارث ، ولا اعتراف له بدين » المحتمل أيضا إرادة نفي الوصية بالزائد على الثلث.

كما‌ في النبوي (٢) المروي عن تحف العقول أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ في خطبة الوداع : « أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، ولا تجوز وصية لوارث ، بأكثر من الثلث ».

ومن الغريب ما‌ في دعائم الإسلام (٣) ، عن علي وأبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله عليهم « أنهم قالوا لا وصية لوارث » وهذا إجماع فيما علمناه ، ولو جازت الوصية للوارث لكان يعطى من الميراث أكثر مما سماه الله عز وجل له ، ومن أوصى لوارث فإنما استقل حق الله الذي جعل له ، وخالف كتابه ومن خالف كتابه عز وجل لم يجز فعله ، وقد جائت رواية عن جعفر بن محمد عليه‌السلام دخلت من أجلها الشبهة على بعض من انتحل قوله ، وهي أنه سئل عن رجل أوصى لقرابته ، فقال : يجوز ذلك لقول الله عز وجل ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) والذي ذكرناه عنه وعن آبائه الطاهرين هو أثبت وهو إجماع المسلمين » إلى آخره.

ولكن لا غرو فإن الرجل المزبور جديد التشيع على ما ذكر في ترجمته والله العالم.

وكذا تصح الوصية للذمي ، ولو كان أجنبيا ، وقيل : لا يجوز مطلقا ولكن لم نعرف القائل ومنهم من خص الجواز بذوي الأرحام والأول أشبه بإطلاق الأدلة وعمومها بل عن الخلاف نفي الخلاف فيه وفي الوصية للحربي تردد وخلاف أظهره المنع فكان حاصل مختاره التفصيل بين الذمي والحربي فالأول تجوز له الوصية مطلقا والثاني لا تجوز مطلقا وهو قول الشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر وهو أحد الأقوال في المسألة ويدل عليه في الأول ـ مضافا إلى نفى الخلاف المزبور ـ قوله تعالى (٤) « ( لا يَنْهاكُمُ ) إلى قوله ( أَنْ تَبَرُّوهُمْ ) » بناء على أنها من البر ، أو أولى بالجواز منه ، وعموم الوصية وإطلاقها ، وما دل على وجوب إنفاذها وحرمة تبديلها ، وأنها على حسب ما أوصى به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٤ و ٥ و ٢ و ١٥ و ١٢ و ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٤ و ٥ و ٢ و ١٥ و ١٢ و ١٤.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٥٢١.

(٤) سورة الممتحنة الآية ٨.

٣٦٥

الموصى ، والنصوص المستفيضة (١) المشتملة على إنفاذ الوصية ولو كان الموصى له يهوديا أو نصرانيا ، وغير ذلك ـ وفي الثاني : أنها مودة ، وقد نهى الله عنها بقوله (٢) ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ ) ومنها يعلم عدم الفرق بين الأرحام وغيرهم إذا كانوا حربيين ، وقوله تعالى (٣) ( إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ ) إلى قوله ( أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ) » مضافا إلى مفهوم الآية السابقة ، وما عساه يشعر به الوصل في تلك النصوص ، باعتبار ظهوره في أن أقصى أفراد الجواز اليهودي والنصراني ، ولو كان الحربي جائزا لكان أولى بالذكر ، ولأن الحربي غير قابل للملك ، لأنه وما معه ملك للمسلم ، ولأنه لو صحت لوجب تنفيذها وهو مناف لما دل على أخذ المال من الحربي.

لكن قد يناقش بمنع كون الوصية التي هي عطية بعد الموت مقابلة للهبة التي هي عطية حال الحياة مودة وتولية وبرا لأن الأغراض الداعية إلى ذلك كثيرة ، فإنه يمكن أن يكون مكافأة وتأليفا لهم ، وغير ذلك مما لا يندرج سببه في الآيتين اللتين يمكن دعوى كون المنساق منهما المنع من ذلك ، من حيث المحادة لله ، والقتال للمسلمين ، وعدم الرغبة في الدين ، لا من غير هذه الحيثية ، وإلا لمنعت الهبة لهم ، ولغيرهم ، كل ذلك مع أنه يمكن منع اقتضاء ذلك عدم الفساد للعقد ، وإن أثم بالمودة التي تترتب عليها الوصية والهبة وليس ذلك من الوصية بالمحرم حتى لو قلنا بحرمة الإيصاء عليه والوصل مثلا والوصل المزبور إنما تضمن اليهود والنصراني ، وهو أهم من الذمي والحربي ، ودعوى انسياق الأول منهما ـ ولذا يقابل بالحربي ـ محل منع ، فإن غالب أهل الحرب سابقا ولا حقا النصارى والمقابلة إنما هي بين الذمي والحربي لا بين النصراني مثلا والحربي ، بل لا يبعد دعوى ظهور العبارة في إرادة بيان عدم فرد آخر أشر من ذلك ، نحو‌ قوله (٤) فيمن ترك الحج « إن شاء يموت يهوديا أو نصرانيا » فهو حينئذ دل على التعميم لا على خلافه ، مؤيدا ذلك بما دل على صحة وصية المجوسي للفقراء ، وأنها تنصرف إلى فقراء نحلته.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ و ٣٥ من أبواب أحكام الوصايا.

(٢) سورة المجادلة الآية ـ ٢٢.

(٣) سورة الممتحنة الآية ـ ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث ـ ١.

٣٦٦

مع أنه مكلف بالفروع ، ودعوى عدم قابلية الحربي للملك واضحة المنع ، وإن ورد أنهم ومالهم في‌ء للمسلمين ، بمعنى إباحة ذلك للمسلمين ، لا أنهم تجري أحكام المماليك حقيقة عليهم.

والمراد بتنفيذ الوصية الحكم بكونها للموصى له فلا ينافي في ثبوت استحقاق على الموصى له بمقاصة ونحوها ، ومنه ما نحن فيه ، إذا لا منافاة بين صيرورة المال له بحسب الوصية وبين جواز خذ المسلم له بعد ذلك.

وخبر إبراهيم بن محمد (١) « قال : كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن يهودي مات ، وأوصى لديانه بشي‌ء فكتب عليه‌السلام أوصله إلي وعرفني لأنفذه فيما ينبغي إن شاء الله » كخبر محمد بن عيسى (٢) قال : « كتب علي بن بلال إلى أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام يهودي مات وأوصى لديانه بشي‌ء أقدر على أخذه هل يجوز أن آخذه فأدفعه إلى مواليك؟ أو أنفذه فيما أوصى اليهودي فكتب عليه‌السلام أوصله إلى وعرفنيه لأنفذه فيما ينبغي إن شاء الله ».

لا صراحة فيهما بالبطلان ، بل ولا ظهور على أن المراد من الديان أهل دينه وملته ، وعن الشيخ حملها على إنفاذه في الدين ، لأنه أعلم بكيفية القسمة بينهم ووضعه مواضعه ، وحينئذ يكون خارجا عما نحن فيه.

ومما عرفت يظهر لك قوة القول بالجواز مطلقا من غير فرق بين الحربي وغيره والقريب وغيره ، وإن دل على الجواز في الأول زيادة على ما عرفت عموم ما دل على صلة الأرحام ، وبرهم وإعطائهم ، والوصية لهم من الكتاب والسنة ، حتى قوله تعالى (٣) ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ ) إلى آخر الآية لكن ذلك لا يقتضي اختصاصهم بالجواز كما هو واضح.

ومن الغريب اعتماد بعض الأساطين على المنع في الحربي على ما حكم عن الشيخ في بعض كتبه من‌ قوله « لا تجوز للحربي عندنا » باعتبار إشعاره بالإجماع وفيه من أن الشيخ هو الذي حكى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨٠.

٣٦٧

الخلاف ومنه يعلم عدم ظهور عندنا في ذلك ، ان إثبات الأحكام الشرعية بأمثال ذلك من مفاسد الفقه ، ومضافا إلى ما عن مجمع البيان من الإجماع على جواز ان يبر الرجل من يشاء من أهل الحرب قرابة كان ، أو غير قرابة ، وقال : وإنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة والفطرة والكفارات ، فلم يجوزه أصحابنا وفيه خلاف بين الفقهاء. والله العالم.

ولا تصح الوصية لمملوك الأجنبي أي غير الموصى ولا المطلق ولا المدبرة الأجنبي ولا لأم ولده ، ولا لمكاتبه المشروط أو الذي لم يؤد شيئا من مكاتبته ، ولو أجاز مولاه إجماعا محكيا عن ظاهر المهذب وصريح التذكرة بل والتنقيح ، لكن خصه بالقن وأم الولد ، وحكى الخلاف في المدبر والمكاتب عن المفيد والديلمي ، حيث جواز الوصية له ، خلافا للمبسوط وابني حمزة وإدريس ، حيث منعوا فيهما وجعله في الأول أشبه كما هو المشهور بين المتأخرين وقوي الجواز في الثاني ، وفاقا للشهيدين وفي الرياض لم أقف في شي‌ء من كتب الأصحاب على من نقل الخلاف عنهما في ذلك.

نعم عن المختلف والمهذب حكاية الخلاف عن المبسوط وابن حمزة في الوصية لعبد الوارث ، حيث جوازه ، وهذا الخلاف كسابقه لو صح النقل شاذ ، بل على فساد الأول ادعى الإجماع في التذكرة.

قلت : لا ينبغي التأمل في بطلان القول بصحة الوصية للمدبر وعبد الوارث ، بناء على عدم ملك العبد مطلقا ، كما عرفت تحقيقه في كتاب البيع ، أو غير ما يملكه مولاه أو فاضل الضريبة أو أرش الجناية ، ضرورة عدم كون ما نحن فيه من ذلك ، بل هو كذلك في المدبر فضلا عن القن ، وان تحرر عند استحقاق الوصية بعد أن كان مملوكا حالها ، كما في القواعد ضرورة كونه حينئذ كالوصية للمعدوم حالها إذا وجد حال الاستحقاق ، فإن المنساق من أدلة مشروعية الوصية خلاف ذلك ، وإنه بالموت يتحقق ملك الموصى له ، ومن غير توقف على شي‌ء آخر ، فالمتجه حينئذ البطلان في الفرض حتى لو صرح باشتراط حريته عند استحقاق الوصية.

إنما الإشكال إن كان ففي المكاتب ، لانقطاع سلطنة المولى عنه ، ولذا يصح بيعه‌

٣٦٨

واكتسابه ، بل الوصية له نوع من الإكتساب ، ومن هنا مال من عرفت وغيره كالكركي إلى صحة الوصية له ، لكن فيه أولا ما سمعت من دعوى الإجماع على عدم صحة الوصية له ، مضافا إلى ما تقدم في محله من عدم قابلية المملوك للملك ، وأنه ( كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، كالبهائم ، من غير فرق في ذلك بين جميع أفراده ، والكتابة لا تقتضي قابليته للملك ، وإن شرعت على وجه تتعقبها الحرية ، إذا حصل الوفاء بما ضرب عليه وإن كان هو مال السيد.

لا يقال : إن المراد من صحة الوصية له معاملة الموصى به معاملة ما يستفيده بكسبه.

لأنا نقول أنه لم يثبت اقتضاء عقد الكتابة ذلك في غير كسبه ، ودعوى أن قبول الوصية والهبة له من كسبه يمكن منعها ، ولو سلم اقتضاء إطلاقها ذلك ، لكن يجب الخروج عنه هنا بالإجماع المزبور.

وصحيح محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية ، فقال أهل الميراث لا تجوز وصيتها ، انه مكاتب لم يعتق ولا يرث ، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه ، ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه ، وقضى في مكاتب أوصى له بوصية وقد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصية ، وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصى له بوصية فأجاز له ربع الوصية وقال في رجل أوصى لمكاتبه وقد قضت سدس ما كان عليها فأجاز لها بحساب ما أعتق منها » ورواه‌ في الفقيه (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام لكن فيه قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب » إلى آخره ، وكذا رواه في التهذيب (٣) لكن بدون حديث النصف وزاد في آخره « وقضى في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه ، » والظاهر ارادته وصية نفسه ، كما هو مضمون غير واحد من النصوص ، لا الوصية له الذي هو مفروض المسألة.

والمناقشة في السند باشتراك محمد بن قيس بين الثقة وغيره يدفعها منع الاشتراك في الراوي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦٠ الرقم ٥٥٨.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٧٥ الحديث ـ ٣٣ وإيضاح ٩ ص ٢٢٣ وفيه حديث النصف.

٣٦٩

للقضايا ، مع أن الراوي عنه هنا عاصم بن حميد ، وهو قرينة واضحة على كونه البجلي الثقة ، وأما إبراهيم بن هاشم فهو أجل من أن يوصف بالوثاقة.

وكذا المناقشة في جامع المقاصد في الدلالة بأنها واقعة عين ، لا عموم فيها بأنها واضحة الفساد. لظهور دلالتها في المطلوب ، بل صراحتها خصوصا مع ملاحظة تقرير الورثة على دعويهم ، بل هي من النصوص المشتملة على سؤال وجواب قد ترك الاستفصال عنه كما هو محرر في محله ، كل ذلك مع تأيدها بما‌ في خبر ابن الحجاج (١) عن أحدهما عليه‌السلام « لا وصية لمملوك » الذي يظهر كون المراد منه ما نحن فيه بملاحظة الخبر الآتي في المسألة الثانية باعتبار وقوع نحو ذلك فيه ، ومفروض السؤال أنه قد أوصى له بوصية فلا مجال حينئذ عن القول ببطلان الوصية له.

نعم لو كان قد تحرر بعضه صحت الوصية له بالنسبة.

ولو أوصى للجزء المحرر ، منه كان فيه إشكال ، أقواه عدم الصحة ، لأن المالك من تحر بعضه ، لا البعض المحرر ، وبذلك وردت الأخبار وجرى عليه كلام الفقهاء الأخيار مع أنه قد يقال : أن المالكية من الأعراض النفسانية ، والمملوكية من الأعراض الجسمانية وحصول الأولى للنفس الإنسانية كاملا مشروط بانتقال الثانية عن البدن فإذا انتفت عن بعضه ثبت الملك بالنسبة ، وزوال الملك بالموت إنما هو لمدخلية اتصالها بالبدن فيه.

ثم أن الظاهر من قول المصنف « ولو أجاز مولاه » راجع إلى الجميع ، ويحتمل الأخير ، ويستفاد حكم غيره بطريق أولى ، والغرض منه الرد على بعض العامة القائلين بذلك إذا استمر رقه.

وفيه : أن ملك المولى له مع عدم قصد الناقل وعدم معارضته بعين مملوكة له كي يدخل معوضها في ملكه قهرا ، وإن قصد الناقل خلافه ـ مخالف للضوابط الشرعية التي منها أن العقود تابعة للقصود ، والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف في الظاهر كما اعترف به غير واحد في أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ الحديث ـ ٢.

٣٧٠

تصح الوصية لعبد الموصى ، ولمدبره ، ومكاتبه ، وأم ولده في الجملة بل في جامع المقاصد وعن المهذب الإجماع عليه في الجميع ، وعن فخر الدين والصيمري الإجماع في الأول والتذكرة في الأخيرة ، وهو الحجة بعد النصوص التي منها كما قيل‌ الصحيحان : في أحدهما (١) : « رجل أوصى بثلث ماله لمواليه ولمولياته الذكر والأنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظ الأنثيين من الوصية فوقع عليه‌السلام جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء الله.

وفي الثاني (٢) « رجل أوصى لمواليه وموالي أبيه بثلث ماله ، فلم يبلغ ذلك ، قال : المال لمواليه وسقط موالي أبيه ».

وإن ناقش في الاستدلال بهما في الرياض باشتراك لفظ المولى بين العبد وغيره ، فلعله المراد دون الأول ، ولا قرينة ترجح إرادته ، بل لعله القرينة على خلافه واضحة لظهورها وفي إعطاء الثلث للموصى له ، بأن يسلم إليه دون أن يعتق منه بحسابه وقد تدفع بظهور المولى في العبد وخصوصا في المقام ، ولذا أسقط الوصية في الثاني « موالي أبيه ».

وأما الإعطاء له فهو وإن كان ظاهر الخبرين ذلك ، الا أنه فسره غيرهما بالعتق منه بحسابه ، كما ستعرف ، فلا بأس حينئذ بحمل ما فيهما عليه ، والأمر في ذلك سهل بعد عدم انحصار الدليل فيهما.

والمراد بصحة الوصية له أنه يعتبر ما أوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث ، فإن كان بقدر قيمته أعتق ، وكان الموصى به للورثة ، وإن كانت قيمته أقل أعطى الفاضل ، وإن كانت أكثر سعى للورثية فيما بقي لكن قيده المفيد والشيخ في النهاية بل والقاضي والديلمي على ما حكى عنهما بما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصى له به ، فإن بلغت ذلك كما لو كانت قيمته مائتين والموصى بها له مائة بطلت الوصية أما لو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

٣٧١

كانت قيمته مائتين مثلا ، والموصى به مائة وخمسين ، ولكن الثلث ليس إلا مائة ، سعى عندهم في قيمة نصفه ، وهو مائة كما صرح به في المسالك نافيا عنه الخلاف ، لعدم كون قيمته ضعف ما أوصى به ، وإن لم يصل ذلك إليه لقصور الثلث.

لكنه قد يناقش بأن المفروض في المقنعة والنهاية الوصية للعبد بالثلث ، وبل في السرائر نسبة عبارة النهاية إلى الرواية بل لعل وجه اعتبار زيادة الحرية على النصف بالوصية ولو يسيرا ، كي يرجح ما فيه من الحرية على الآخر ، فيستسعى بخلاف ما إذا كانت قيمته ضعف ما أوصى له فيما زاد ، فإنه لا يقتضي الوصية حينئذ إلا النصف فما دون ، فلا ترجيح ، فيبقى على أصالة عدم صحة الوصية للعبد ، والأصل فيه الرواية التي سمعتها عن السرائر ، بل لعل ذلك ظاهر المقنعة أيضا ، لأنه ذكر المسألة وغيرها ، ثم قال : بهذا جاء الأثر عن آل محمد عليهم‌السلام.

وقيل : والقائل والد الصدوق والشيخ في الخلاف والحلبي والحلي تصح الوصية مطلقا ويسعى في الباقي كيف كان ففي الفرض يسعى في قيمة نصفه أي مائة ويتحرى وهو حسن بل الأقوى وفاقا لمن عرفت ، بل المشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه.

مضافا إلى إطلاق ما‌ عن فقه الرضا (١) عليه‌السلام بناء على حجيته « فإن أوصى لمملوكه بثلث ماله ، قوم المملوك قيمة عادلة ، فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضيلة ».

وخبر الحسن بن صالح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله قال : فقال : يقوم المملوك بقيمة عادلة ، ثم ينظر ما ثلث الميت ، فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة ، استسعى العبد في ربع القيمة ، وإن كان الثلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد ، ودفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة » بناء على أن المراد بقوله « بقدر » إلى آخره المثال لغيره ، لا خصوصة فما دون للإجماع على مساواة الثلث ونحوه ما لم يبلغ النصف في هذا الحكم.

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

٣٧٢

ومن ذلك يظهر وجه الاستدلال بالخبر المزبور لكل من القولين ، فان المفيد وأصحابه يجعلونه مثالا لما لم يبلغ النصف من الأقل مما تزيد فيه الحرية على النصف لأصالة بطلان الوصية للعبد.

والمشهور يجعلونه مثالا لجميع أفراد الأقل ، ويشهد له الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة ، وإطلاق الرضوي وغير ذلك ، كما يشهد للأول ما سمعته من المرسلة في السرائر ، وظاهر المقنعة.

ومن الغريب تقرير الكركي وثاني الشهيدين وغيرهما الاستدلال للمفيد بالخبر المزبور بدلالة المفهوم ، على معنى أنه لو لم يكن أقل بقدر الربع ، لا يستسعى ، وإنما يتحقق عدم الاستسعاء من البطلان ، ثم اعترضوا عليه بأن المفهوم ان لم يكن الثلث أقل من قيمة العبد بقدر الربع ، لا يستسعى في ربع القيمة ، لا أنه يستسعى مطلقا ، وهذا مفهوم صحيح لا يفيد مطلوبهم ، فلا ينافي القول بأنه يستسعى بحسبه فإن كان أقل بقدر الثلث ، يستسعى في الثلث ، أو بقدر النصف يستسعى في النصف وهكذا ، وأيضا لو كان المفهوم الذي ذكروه صحيحا لزوم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته بقدر الربع لا يستسعى ، بل تبطل الوصية ، وهذا شامل لما لو كانت القيمة قدر الضعف ، أو أقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر الربع ، فمن اين خصوا البطلان بما لو كانت القسمة قدر الضعيف ، بل قال في المسالك : « ما هذا الأعجب عن مثل هذين الشيخين الجليلين ».

ولا يخفى عليك أن مبنى استدلال المفيد إن كان ، هو ما عرفت من أن الأصل بطلان الوصية للعبد ، والمتيقن مما في الرواية كونه مثالا للأقل من النصف ولو بقرينة ما عرفت ، لا المفهوم المزبور الذي لا يكاد يخفى فساده على أصاغر الطلبة ، وأما المناقشة في سند الخبر ، فيدفعها اتفاق الجميع على العمل به.

بقي الكلام في شي‌ء وهو أن الفاضل في المختلف وافق المشهور فيما إذا كانت الوصية بجزء مشاع من التركة كالثلث والربع والخمس ونحو ذلك ، فإن العبد حينئذ يكون من جملته ، فكأنه قد أوصى بعتق جزء منه ، فيعتق ويسرى في الباقي ، ويدفع عنه من الوصية ، لأنه في القوة الوصية بعتقه ، بخلاف ما لو كانت بجزء معين ، كدار أو بستان ، أو جزء مشاع منه‌

٣٧٣

كنصفهما ، فإنه تبطل الوصية ، لعموم‌ (١) « لا وصية لمملوك » ولعدم ما سمعته في المشاع ، ولأن تنفيذ الوصية بالمعين محال ، لامتناع ملك العبد ، والتخطي إلى رقبته يقتضي تبديل الوصية.

وفيه ـ مع منافاته لإطلاق الأصحاب كما اعترف به في محكي التذكرة ، بل فيها أن كلمة الأصحاب متفقة على عدم الفرق وكذا عن المهذب بل وإطلاق الخبر المزبور فإن الثلث فيه أعم من المشاع والمعين ، بل لو سلم إرادة الأول كان أعم أيضا مما يشمل ثلث العبد وغيره ، بل قد يدعى أن المنساق من مثله الثاني ـ أنه ليس ذلك مبنى الصحة حتى يختص بالمشاع ، ضرورة عدم صحة الوصية أيضا للعبد بثلثة ، فإنه غير قابل لأن يملك غيره ، فضلا عن أن يملك نفسه ، وتنزيله على إرادة عتقه وفكه للسراية بما أوصى له غير ظاهر من الوصية ، ولو كان عدم قابلية العبد للملك سببا لتنزيل الوصية على ذلك ، لاتجه ذلك في عبد الغير أيضا ، فضلا عن الوصية لعبده المعين.

ومن هنا كان الظاهر أن الحكم المزبور مستفاد من الشارع ، لا أنه مستفاد من الموصى ، بل لا يبعد تنزيله على ذلك حتى لو علم قصد الموصى غيره ، بل لعله هو الظاهر ، ضرورة ظهور عبارته في إرادة تمليكه ما أوصى له به ، لا فكه به وعتقه منه ، ومن ذلك قلنا أن الموافق للضوابط بطلان الوصية لو لا الأدلة الشرعية التي عرفتها وقد سمعت أن مقتضاها عدم الفرق بين الجزء المشاع والمعين ، ومن الغريب ، قول بعضهم أنه ما أمتن تحقيق المختلف ، وأغرب منه عدم عضه في المسالك على ذلك بضرس قاطع ، بل هو ظاهر في التردد والوسوسة ، وإن كان قد عدد ذلك تحقيقا فلا حظ وتأمل.

وعلى كل حال فهل يحتاج إلى صيغة عتق في صورة زيادة الثلث على القيمة كما عساه يشعر به قوله « أعتق » ، أولا ، كما عساه يشعر به قوله في صورة القصور « استسعى العبد في ربع القيمة » بناء على عدم الفرق بينهما بالنسبة إلى ذلك فيكون المراد حينئذ من قوله « أعتق » الانعتاق شرعا ، وجهان : أحوطهما الأول والله هو العالم.

ثم ان ظاهر عبارة المصنف وغيرها عدم الفرق فيما ذكره من التقويم بين القن وغيره ، اللهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

٣٧٤

إلا أن يكون ما ذكره بقوله « ويعتبر ما أوصى به لمملوكه » إلى آخره راجعا إلى الأول ، ولعل ذلك متعين ، ضرورة أنه لا وجه لإجراء ما ذكره على المدبر والمكاتب وأم الولد ، خصوصا بعد ذكره الأخير مستقلا ، والمدبر غير محتاج إلى إعتاق ، بل ولا إلى ملاحظة مساواة الموصى به لقيمته ، وزيادته وقلته بحيث يبلغ قيمته الضعف على القول به ، بل هو بمجرد موت السيد يتحرر ، فإن كان له مال أخذ ما يقابل بل الثلثين عن ثلثه ، وإلا سعى في ذلك.

ومن هنا يظهر أنه غير مندرج في الخبر المزبور الذي هو العمدة في إثبات صحة الوصية للعبد بعد الإجماع كما اعترف به في المسالك.

نعم قد يقال : إنه أولى من القن الذي هو موضوع خبر الحسن بن صالح (١) على الظاهر ، مضافا إلى ما سمعته من الإجماع المحكي ، فتصح الوصية حينئذ له ، وتصرف في فكه أو تعطى له مع فكه من غيرها كما سمعته في القن ، بل لعل ذلك أولى ضرورة كونهما وصيتين له ، فيعتق حينئذ من الثلث ، وتدفع الوصية له كما في صورة زيادة الموصى به على قيمته ، فإنه لا إشكال ولا خلاف في دفع الزيادة له.

ولا ينافي ذلك أن المراد بصحة الوصية له صرفها في فكه من الرق ، لإمكان كون ذلك حيث لا يكون سبب غيرها لحريته كالتدبير الذي هو مع الوصية له بمنزلة الوصية بعتقه ، ودفع الموصى به له من غير فرق بين تقدمها على التدبير وتأخرها عنه ، وبين كون الوصية بالجزء المشاع والمعين ، واحتمال بطلان التدبير فيما لو فرض تأخر الوصية عنه وكانت بالجزء المشاع باعتبار أنها بمنزلة الوصية بعتقه الظاهرة في العدول عن التدبير ، وكذا احتمال بطلان الوصية له لو فرض تأخر التدبير عنها لنحو ذلك أيضا ـ واضح الضعف بل الفساد ، ضرورة عدم انحلال ذلك إلى ما سمعت بل لا يبعد تأكد الوصية بتدبيره بالوصية له بالجزء المشاع.

ولذا قال في القواعد : « لو أوصى لعبده برقبته احتمل ضعيفا البطلان ، لعدم قابلية العبد ملك غيره ، فضلا عن نفسه ، والتدبير حملا للوصية على ذلك بتعذر الحمل على الحقيقة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢.

٣٧٥

وفي جامع المقاصد ان عليه ، أي الثاني الفتوى ، وإن قد يناقش في إرادة التدبير الذي هو إنشاء عتق معلق على الموت من ذلك ، اللهم إلا أن يكون حكم التدبير على معنى حصول الحرية بالموت بعد فرض قيام الثلث بقيمته كما في المدبر والله العالم.

وأما مكاتب السيد فلا ريب في عدم شمول الخبر المزبور له ولعله ، ولما عساه يشعر من النصوص السابقة من اعتبار صحة الوصية للمكاتب بتحرير بعضه ، حتى في مكاتب الإنسان نفسه ، قد يحتمل بطلان الوصية له ، كمكاتب الغير ، لكن لا ريب في ضعفه ، خصوصا بعد ما سمعته من الإجماع المحكي ، إذ لو سلم عدم شمول الخبر له ، فلا ريب في أولويته من القن بذلك ، بل قد عرفت أن جماعة جوزوا الوصية له إذا كان للغير ، وإن كان قد عرفت ما فيه.

إنما الكلام في أن إعتاقه كالقن باعتبار قيمته ، وقيمة ما أوصى له به ، من غير ملاحظة لما وقعت الكتابة عليه ، زاد ذلك أو نقص ، أو باعتبار ما وقعت الكتابة عليه من غير ملاحظة لقيمته ، ويعطى حينئذ الوصية ، ويؤدى منه ما عليه من مال الكتابة على ما حسب ما لو اكتسب ، أو باعتبار أقل الأمرين منهما وجوه ثلاثة ، قد اختار الأخير منها الفاضل في قواعده والمحقق الثاني عملا بكل من الدليلين ، فلا يلزم إلا بالأقل للإجماع على عدم وجوبهما معا ، كالإجماع على عدم التوزيع ، ولكن يقوى في النظر الثاني منها لما عرفت من عدم شمول خبر المقام له ، وإنما صححنا الوصية له بالأولوية والكتابة من العقود اللازمة التي لا تنفسخ بالموت ، وحينئذ ما لها كالدين في ذمته يجب عليه أداؤها ، ولا يقوم مقامها أداء قيمته مما أوصى له بعد فرض عدم شمول الدليل له على أن احتمال الإلزام بالأكثر مراعاة الحق الورثة ، مقابل لاحتمال الأقل كما هو واضح والله العالم.

بل قد يقال : إن فحوى ما سمعته في القن يقتضي صرف ما أوصى له في فك رقبته لو كان مشروطا ولو بعضها ، كما أنه يقتضي صرف ما قابل الجزء المملوك من المطلق ، الذي تحرر بعضه في فكه أيضا ، وإن اعطى ما قابل الجزء الحر من الوصية ، ضرورة اندراجه في المملوك الشامل للكل والبعض وحينئذ فمع فرض تحرره بذلك يخرج عن موضوع الكتابة كما لو أعتقه فتأمل جيدا والله العالم.

٣٧٦

وإذا أوصى بعتق مملوكه ولم يكن عنده سواه ، وكان عليه.

دين يحيط بقيمته بطلت وصيته ، وبيع المملوك في الدين ، وإن لم يكن محيطا به ( فـ ) عند جماعة أنه إن كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق المملوك لنفوذ وصيته في ثلثه وهو هنا سدس العبد فإن نصفه للدين ، وثلثا من النصف الثاني للوارث فيبقى السدس ثلث الموصى ، فإذا انعتق السدس سرى في الجميع ويسعى العبد حينئذ في خمسة أسداس قيمته ثلثه منها للدين ، وسدسان منها للورثة ، وكذلك لو كان أزيد من المرتين ، وإن نقص مقدار ما سعى به ، وإن كانت قيمته أقل من الدين مرتين أحاط بها أولا بطلت الوصية بعتقه عند الشيخين وابن البراج وغيرهم لما تسمعه من النصوص الواردة في التنجيز الذي هو كالوصية في الحكم ، وغير ذلك ، ولكن مع هذا والوجه عند المصنف وجماعة أن الدين يقدم على الوصية فيبدأ به إن كان له تركة غير العبد وإلا كان في مقابلة بعض العبد ويعتق منه الثلث مما تفضل عن الدين وإن قل ثم يسعى للدين والورثة.

قال الحلبي (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل قال : إن مت فعبدي حر ، وعلى الرجل دين ، فقال : إن توفي وعليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد ، وإن لم يكن قد أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه وهو حر إذا أوفى » وعدم ذكر الورثة فيه للوضوح ، وإلا فالمراد سعيه في قضاء دين مولاه أولا ، ثم في حق الورثة ، وما يقال : من أن الصحيح المزبور في التدبير ، وهو كالعتق المنجز فلا يستفاد منه حكم الوصية ، ويدفعه ما دل على أن التدبير كالوصية بالعتق ، ولا يتوهم من عبارة المتن أنه لا ينعتق من العبد ما قابل الدين ، بل الذي يعتق منه الثلث مما فضل عن الدين لا غير ، ضرورة منافاته لما دل على سراية العتق ، ومن هنا صرح به في القواعد وغيرها ، بل لا أجد فيه ، خلافا بين القائلين بذلك ، قال فيها : « ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قدم الدين ، فان فضل من التركة ما يسعه ثلث قيمة العبد عتق ، وإلا عتق ما يحتمله ، ويسعى في الباقي ، ولو لم يبق شي‌ء بطلت ، وقيل : إن كانت قيمته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٣.

٣٧٧

ضعف الدين عتق ، وسعى في خمسة أسداس قيمته ، ثلثه للديان ، وسهمان للورثة وإن كانت أقل بطلت » وحينئذ فالخلاف في الصورة الثانية لا الأولى. هذا كله في الوصية.

أما لو نجز عتقه عند موته كان الأمر كما ذكرناه أولا من السعي في الخمسة أسداس ، لو كانت القيمة بقدر الدين مرتين ، والبطلان إذا كانت أقل من ذلك عملا برواية عبد الرحمن بن الحجاج (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : سألني أبو عبد الله عليه‌السلام هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة؟ فقلت : بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى وترك عليه دينا كثيرا ، وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت ، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك ، فقال ابن شبرمة : أرى أن تستسعيهم في قيمتهم فتدفعها إلى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته ، وقال ابن أبي ليلى : أرى أن أبيعهم وادفع أثمانهم إلى الغرماء ، فإنه ليس له أن يعتقهم عند موته ، وعليه دين يحيط بهم ، وهذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده وعليه دين كثير ، وفلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير ، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء فقال : سبحان الله يا ابن أبي ليلى متى قلت هذا القول؟ والله ما قلت إلا طلب خلافي ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وعن رأي أيهما صدر؟ قال : قلت : بلغني أنه أخذ برأي ابن أبي ليلى ، وكان له في ذلك هوى ، فباعهم وقضى دينه ، قال : فمع أيهما من قبلكم؟ قلت له : مع ابن شبرمة ، وقد رجع ابن أبي ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك ، فقال : أما والله أن الحق لفي الذي قال ابن أبي ليلى ، وإن كان قد رجع عنه ، فقلت له : هذا منكسر عندهم في القياس ، فقال : هات قايسني ، فقلت : أنا أقايسك؟ فقال : لتقولن بأشد ما يدخل فيه من القياس ، فقلت له : رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره ، وقيمة العبد ستمائة درهم ، ودينه خمسمائة درهم ، فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟ قال : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائة درهم ، فقلت : أليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم من دينه ، فقال : بلى ، قلت : أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال : بلى ، أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ فقال : ان العبد لا وصية له ، إنما أمواله لمواليه ، فقلت له : فإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٥.

٣٧٨

كان قيمة العبد ستمائة درهم ، ودينه أربعمائة فقال : كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائتين ولا يكون للعبد شي‌ء ، قلت له : كان قيمة العبد ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم ، فضحك؟ وقال : من ههنا أتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا ، ولم يعلموا السنة ، إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء ولم يتهم الرجل على وصيته ، وأجيزت وصيته على وجهها ، فالآن يوقف هذا فيكون نصفه للغرماء ، ويكون ثلثه للورثة ، ويكون له السدس ».

وصحيح زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين فقال : إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه ، وإلا لم يجز » وفي صحيح آخر (٢) « إذا ملك المملوك سدسه استسعى » إلى غير ذلك من النصوص التي لا محيص عن العمل بها ، بعد جمعها لشرائط الحجية من حيث السند والدلالة والعمل ، فلا بأس حينئذ بتخصيص العمومات بها ، ولو كانت قطعية ، ودعوى أعراض المشهور عنها ممنوعة على مدعيها ، فما وقع من الفاضل ـ وغيره من طرحها والرجوع إلى ما تقتضيه القواعد العامة من نفوذ العتق في ثلث الزائد عن الدين مطلقا ـ واضح الضعف وأضعف منه ما عن الحلبي من نفوذ العتق من الأصل ، وسقوط الدين من رأس ، ولعله مبنى على كون المنجز من الأصل الذي قد عرفت ضعفه في كتاب الحجر ، إنما الكلام هنا في إلحاق الوصية بالعتق المنجز في الحكم المزبور ، وقد عرفت ، من جماعة إلحاقه ، بل حكى عن جميع العاملين بالنصوص المزبورة في العتق عدا المصنف ، ولعله لإطلاق الصحيح الأخير ، ومعلومية اتحاد المنجز مع الوصية ، بناء على خروجهما من الثلث ـ في أكثر الأحكام ، بل ربما احتمل عموم « أعتقهم » لهما معا ، أو اختصاصها بالوصية خصوصا بعد قوله في الذيل « لم يتهم الرجل على وصيته وأجيزت وصيته على وجهها » ومع الإغضاء عن ذلك ، فلا ريب في ظهور سياقها فيه ، مضافا إلى أولويتها من المنجز بالحكم المزبور ، ضرورة كونه أقوى منها ، حتى قيل : إنه من الأصل بخلافها ، ومع ذلك بطل إذا انقص عن مقابلة الدين مرتين ، فهو أولى منه قطعا ومن ذلك وغيره يتجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

٣٧٩

تخصيص العمومات ، وصحيح التدبير السابق بذلك ، على أنه قد احتمل حمله على التقية ، لأنه مذهب العامة في تلك الأزمنة ، كما يستفاد من سياق تلك الصحيحة والله العالم.

ولو أوصى لمكاتب غيره المطلق وكان قد أدى بعض مكاتبه كان له من الوصية بمقدار ما أداه لأنها تصح له على قدر ما تحرر منه ، إن نصفها فنصف ، وإن ثلثا فثلث ، كما عرفت الكلام فيه سابقا ، وفيما لو أوصى للجزء الحر منه أيضا فلا حظ وتأمل.

لكن لو قلنا بصحة الوصية للجزء الحر فهل تكون أيضا على نسبته أو يملك الكل به؟ وجهان ، أقواهما الثاني ، والله العالم.

ولو أوصى الإنسان لأم ولده ، صحت الوصية من الثلث بلا خلاف ، كما اعترف به غير واحد ، ولا إشكال وإنما الكلام في أنها هل تعتق من الوصية إذا وفت بقيمتها أو من نصيب ولدها أو على التخيير بينهما ، أو من ثلث الميت غير ما أوصى به.

قيل : والقائل جماعة منهم الكركي في جامعه تعتق من نصيب ولدها وتكون لها الوصية ، وقيل : والقائل أيضا جماعة المصنف في باب الاستيلاد بل تعتق من الوصية بل عن المهذب نسبته للشهرة لأنه لا ميراث إلا بعد الوصية وفي الرياض أنه وسابقه قولان مشهوران ، وفي غيره متكافئان ، وقيل : والقائل الصدوق فيما حكى عنه ، تعتق من ثلث الميت وتعطى ما أوصى لها به ، وقيل : والقائل الإسكافي تحير عتقها بينهما ، عملا بكل من الدليلين ، وبعد الإجماع على عدم التوزيع بينهما ، والأقوى في النظر منها الثاني ، لعموم ما دل عليه من النص وغيره ، مضافا إلى قاعدة انعتاق الأبوين بحصول سبب ملك الولد لهما ، ولا ريب في تحققه هنا باعتبار ملك الوارث للتركة بموت الموروث ، وهي من التركة قطعا ، حتى لو قلنا بكون الثلث الموصى به على حكم مال الميت ، ولا يدخل في ملك الوارث إلا الثلثان ، وضرورة كونها منهما دونه ، ومجرد الوصية لها لا يخرجها عن ذلك.

واحتمال تنزيلها منزلة ما أوصى بعتقها فتكون منه دونهما.

يدفعه منع ذلك أولا.

٣٨٠