جواهر الكلام - ج ٢٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فساده ، وإن أريد به بعد الانقراض فليس هناك موقوف عليه أصلا ، فلا يحكم عليه بالجهالة ، إذ بعد انقراضه يبطل الوقف ويصير موروثا كما عرفت.

وكذا ظهر فلك الحال أيضا فيما ذكره المصنف وغيره بقوله فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف ، وقيل : إلى ورثة الموقوف عليهم وقيل : يصرف في وجوه البر وأن الأول أظهر وأشهر بل المشهور ، والله العالم.

هذا كله فيما لو حصل الانقراض في الموقوف عليه ، أما مع فرض دوام له وان كان محتملا من أول الأمر ، فلا وجه لاحتمال البطلان حينئذ ، فلو قال : وقفت على أولادي ونسلهم ، فان مات الأولاد ولا نسل ، فعلى إخوتي ، فإذا انقرض النسل فعلى الفقراء ، واتفق حصول النسل وانقراضهم ، صح الوقف بلا اشكال لعموم‌ « الوقوف (١) » وغيره لكن في الدروس ربما احتمل البطلان على تقدير انقراض النسل ، لأنه تأبيده حال العقد ، وهو كما ترى ، لأن المصحح صرفه إلى جهة مؤبدة وإن لم تكن معلومة الوقوع ومن ثم لو بقي النسل أبدا صح الوقف ، كما أن ما ذكرناه من الصحة إنما هو في منقطع الآخر بخلاف منقطع الأول الذي قد عرفت سابقا بطلانه ، خلافا للشيخ ، وأما منقطع الوسط فالظاهر الصحة إليه ثم البطلان بعده ، فلو وقف مثلا على زيد ثم على عبده ثم على المساكين صح على زيد ، وبطل في العبد والمساكين.

لكن في الدروس احتمال صحته في الطرفين ، وبطلانه في الوسط ، وصرف غلته فيه إلى الواقف أو وارثه ، وكأنه مبنى على مختار الشيخ من اجراء حكم تبعض الصفقة فيه الذي قد عرفت بطلانه فيما تقدم ، واحتمال الاستدلال له بالكليتين في الصحيح السابق يدفعه معلومية تقييد ذلك بما إذا لم يحصل للوقف مبطل آخر من تعليق ونحوه فتأمل.

نعم قد يحتمل البطلان على زيد أيضا باعتبار عدم حصول سلسلة الترتيب ، فلم يكن الوقف حينئذ على حسب ما وقفه أهله ، ومنه يظهر الفرق حينئذ في منقطع الآخر بين أن يكون لعدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٢.

٦١

ذكر موقوف عليه ، وبين من كان لترتيب من لا يصح الوقف عليه ، لكن فيه أن الظاهر من ذلك عدم ملاحظة الواقف الترتيب بالنسبة إلى ذلك ، وإنما الظاهر ملاحظته بالنسبة إلى اعتبار المتقدم في المتأخر لا العكس ، إلا مع القرينة المقتضية لملاحظة الترتيب في كل منهما ، وحينئذ يتجه البطلان بفساد شي‌ء من السلسلة فتأمل.

ولو وقف على أبنية ثم على الفقراء فمات أحدهما ففي الدروس الأقرب صرف نصيبه إلى أخيه ، لأن شرط الصرف إلى الفقراء انقراضهما ولم يحصل ، ويمكن جعله منقطع الوسط فيكون نصيب الميت لأقرباء الواقف ، ويمكن جعله للفقراء عملا بالتوزيع.

وفيه أن صرف نصيبه إلى أخيه مع عدم كون ذلك من الواقف لا وجه له فيتعين انقطاع الوقف حينئذ بالنسبة إليه وتختص صحته في نصيب الآخر خاصة ومنه يعلم الحال فيما احتمله فيها أيضا فيما لو حبسه على أبنية ثم مات أحدهما احتمل صرف نصيبه إلى الحابس أو وارثه ، ويحتمل صرفه إلى الآخر لأنه مصرف الحبس في الجملة ، ولو وقفه على ولده سنة ثم على الفقراء أو مدة حياة الواقف على ولده ثم الفقراء ففي الدروس « صح ونقل فيه الفاضل الإجماع ، لأنه وقف مؤبد في طرفيه ووسطه ».

قلت : لكن فيه أنه مناف لاشتراط الدوام بالمعنى الذي ذكرناه سابقا ، اللهم إلا أن يحمل ذلك على ارادة تقييد أصل الوقف بمدة ، لا تقييده بالنسبة إلى خصوص موقوف عليه فتأمل جيدا.

ولو وقف على أولاده وشرط أن يكون غلته العام الأول لزيد والثاني لعمرو وهكذا وبعدهم على الفقراء ففي العام الأول لعلمائهم وفي الثاني لزهادهم ، وفي الثالث لشيوخهم اتبع شرطه ، كما في الدروس‌ لعموم « المؤمنون » و « الوقوف » إذا كان الشرط للموقوف عليهم ، أما إذا كان لأجنبي فالظاهر الصحة ما لم يستغرق ، وكون الولد موقوفا عليهم لا ينافي ذلك ، وإن استحقوا هم المنفعة لو لا الشرط المزبور ، وربما يستأنس له في الجملة بخبر جعفر بن حيان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقف غلة له على قرابة له من أبيه ، وقرابة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ـ ٨. باختلاف يسير.

٦٢

أمه ، وأوصى لرجل وعقبه من تلك الغلة ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمائة درهم كل سنة ، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وأمه؟ قال : جائز للذي درهم لورثته يتوارثونها ما بقي واحد منهم ، فإذا انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت ترد إلى ما يخرج من الوقف » بحمل الوصية فيه على تمليك ذلك بالشرط.

ولو وقف على ولده فإذا انقرضوا وانقرض أولادهم فعلى المساكين ففي الدروس ، « الأقرب عدم دخول أولادهم في الوقف والنماء لأقرباء الواقف حتى ينقرضوا » وقال الشيخ بدخولهم ، أما لشمول لفظ الولد للنافلة كقول المفيد وجماعة ، وإما لقرينة الحال ، وهو قوى.

قلت لا إشكال مع ذلك ، إنما الكلام مع فرض تصريح الواقف بذلك ، ولا ريب في كونه حينئذ مع انقراض الأولاد دون أولادهم منقطع الآخر ، وحينئذ يتجه بطلانه لخلوه عن موقوف عليه في بعض الزمان ، وفي القواعد بعد أن حكى قول الشيخ قال : « وليس بمعتمد بل يكون منقطع الوسط ، فإذا انقرض أولاد أولاده عاد إلى الفقراء ، والنماء قبل انقراض أولاد الأولاد لورثة الواقف على اشكال » وهو مبنى على اختصاص البطلان في منقطع الوسط فيه خاصة ، الا أن ذلك يقتضي عدم الإشكال حينئذ في كونه لورثته.

ولو قال : وقفت إذا جاء رأس الشهر وإن قدم زيد لم يصح بلا خلاف ولا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه ، لما ذكرناه غير مرة من منافاة التعليق على متيقن الحصول أو متوقعة لظاهر ما دل على تسبيب الأسباب المقتضي لترتب آثارها حال وقوعها ، فما في المسالك من عدم الدليل على ذلك في غير محله.

ومن هنا كان المتجه الصحة في التعليق الذي لا يقتضي ذلك كقوله وقفت إن كان اليوم الجمعة للعالم بذلك وإن أبطله بعضهم أيضا بدعوى مانعية صورة التعليق لكن الإشكال في إثباتها هذا ، وفي المسالك « أنه يتوجه على قول الشيخ بجواز الوقف المنقطع الابتداء إذا كان الموقوف عليه أولا مما يمكن انقراضه أو يعلم كنفسه وعبده بمعنى صحته بعد انقراض من بطل في حقه جواز المعلق على بعض الوجوه ».

٦٣

قلت : قد عرفت تحقيق كلامه وضعفه ، وإمكان خروجه عن التعليق في بعض وجوهه المحكية عنه والأمر سهل ، وكذا تقدم الكلام مشبعا في أن القبض بإذن الواقف شرط فيه للنصوص التي ستسمع بعضها مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه في الجملة.

وصحيح صفوان عن أبي الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) « سألته عن الرجل يوقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا فقال إن كان وقفها لوالده ولغيرهم ثم جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع فيها وإن كانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها وان كانوا كبارا لم يسلمها إليهم ، ولم يخاصموا حتى يجوزوها عنه فله أن يرجع فيها لأنهم لا يجوزونها عنه ، وقد بلغوا » وخبر العمرى (٢) عن صاحب الزمان عليه‌السلام ، « وأما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا ثم يحتاج إليه صاحبه ما لم يسلم فصاحبه بالخيار ، وكل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج إليه أو لم يحتج افتقر اليه أو استغنى عنه » الحديث.

ولكن قد عرفت البحث في أن القبض شرط في صحته على وجه لا يترتب عليه الأثر قبله ، أو أنه شرط للزومه فلو وقف ولم يقبض ثم مات بطل وكان ميراثا على الأول بل والثاني ، وكذا يبطل لو جن أو أغمي عليه كما هو الشأن في جميع شرائط الصحة إذا حصل المانع منها في أثنائها قبل تمام السبب الذي ظاهر ما دل على سببيته أو.

المتيقن منه اعتبار دوام التأهل إلى تمام السبب من غير فرق بين الموجب والقابل والعين التي هي متعلق العقد ، ومن هنا لم يظهر خلاف بين الأصحاب في سائر المقامات في بطلان السبب بعروض المانع في أثنائه وإن زال بعد ذلك.

نعم لو قلنا بكونه شرط اللزوم انفسخ بموت الواقف للصحيح الآتي بناء على ارادة الوقف فيه من الصدقة ، وإن ناقش فيه في المسالك ، إلا أن المشهور الاستدلال به ، بخلاف الجنون والإغماء ، بل قد يتوقف في الانفساخ بموت البطن الأول من الموقوف عليه قبله بناء على أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف الحديث ـ ٨.

٦٤

شرط اللزوم ، ودعوى أن ذلك شأن العقد الجائز يدفعها عدم الدليل على ذلك لو كان من المملكات كالهبة والجواز في نفسه أعم من ذلك ، بل ربما احتمل عدم البطلان بموتهم على تقدير كونه شرطا للصحة أيضا لا مكان قيام البطن الثاني مقامه في القبض ، وان بطل بموت الواقف للفرق بينهما بالانتقال إلى الوارث المقتضى للبطلان بخلاف الفرض ، ولعله لذا توقف في صحته إذا قبض البطن الثاني في محكي التحرير.

لكن قد يناقش ـ بأن المراد القبض ممن كان قبول العقد له ، لعل ظاهر صحيح صفوان وغيره مما دل على اعتبار القبض ـ بما في الرياض من أن قبض البطن الثاني إنما يؤثر الصحة بالنسبة إليه ، دون من مات ولم يقبض ، فوجوده حينئذ كعدمه ، ويكون وقفا على معدوم غير تابع لموجود ، على أن معنى صحة الوقف صحة ما جرت عليه صيغة العقد وهو ليس إلا الوقف عليهما دون الثاني فقط ، فصحته بالنسبة إليه خاصة دون الأول غير ما جرى عليه العقد ، وفيه أنه لا حاصل له بعد فرض جريان العقد على وجه صحيح والبطلان وعدمه إنما عرض بحصول شرط الصحة شرعا وعدمه ، فهو كالوقف على شخصين قبض أحدهما دون الآخر فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر عدم اعتبار الفورية فيه ، لظهور ما دل على اعتباره من خبري عبيد ومحمد في ذلك ، مؤيدا بعدم الخلاف فيه فيما أجد ، وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد مما ذكرناه ، ومن أنه باعتبار توقف الصحة عليه كان كالقبول من العقد ، إلا أنه كما ترى.

ولو وقف ما في يده على أولاده الأصاغر الذين هو ولي عنهم كان قبضه قبضا عنهم ، وكذا الجد للأب بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، لصحيح محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه قال في الرجل يتصدق على ولده ، وقد أدركوا : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره ».

وخبر عبيد بن زرارة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه قال في رجل تصدق على ولد له قد أدركوا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الوقف الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الوقف الحديث ٥.

٦٥

قال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ، لأن الوالد هو الذي يلي أمره ، وقال : لا يرجع في الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله ».

وخبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد عن كتابه « إذا كان أب تصدق على ولد صغير فإنها جائزة ، لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

بل في المسالك وغيرها أن الظاهر عدم الفرق بين قصده بعد ذلك القبض عن المولى عليه للوقف ، وعدمه ، لتحقق القبض الذي لم يدل الدليل على أزيد من تحققه.

قلت : لا ينبغي التأمل في ظهور دليله في اعتبار كون القبض على أنه وقف ، فلا يجزى القبض ، بعد الوقف مع الذهول عنه ، أو كان على وجه العارية أو الوديعة ، أو نحو ذلك مما هو ليس قبضا للوقف من حيث أنه وقف قطعا ، وحينئذ فمع فرض شرطيته حتى في الفرض لا يتعلق بدون القصد ، ضرورة عدم امتياز أصل الفعل المشترك ، فضلا عن الاستدامة التي كان افتتاحها لغيره.

نعم لو قيل بعدم اشتراطه في مثل الفرض لعدم العموم في دليله أو لخصوص النصوص المزبورة ، بناء على أنه المراد من التعليل فيها أيضا على معنى أنه إذا كان هو الذي يقبض عنه ، فكيف يعتبر القبض في وقفه ، إذ لا يتصور أن يقبض نفسه ، اتجه حينئذ ذلك ، إلا أنه مناف لظاهرهم من عموم شرطيته.

اللهم إلا أن يراد من نحو العبارة صيرورة قبضه قبضا عنهم شرعا ، ولكن فيه حينئذ أنه خلاف ظاهر الأدلة ، خصوصا صحيح صفوان (٢) الظاهر في اعتبار الحيازة لهم المتوقف على النية ، بل لعل ذلك هو المراد من التعليل ، لا إرادة عدم الاحتياج إلى قصد ، كما هو واضح لمن أوهبه الله تعالى الانتقاد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب الهبات الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ٤.

٦٦

ولعله إلى ذلك أشار في جامع المقاصد بعد أن ذكر ظهور العبارة في كفايته مع عدم القصد ، قال : « ويشكل بأن القبض انما القبض انما يحسب لذي اليد ، ما لم يقصده لغيره ممن له ولاية عليه ونحوه » خلافا لما سمعته من ثاني الشهيدين وغيره بل وشيخنا في كشفه ، بل في الأخير ولو نوى الخلاف فالأقوى الجواز ، وفيه نظر ، وأغرب منه ما سمعته من الأول من إلحاق قبض الودعي والمستعير ، بل والغاصب في وجه ، يقبض الولي في عدم الحاجة إلى الإذن والقصد.

وعلى كل حال فلا فرق في الحكم بين أصناف الولي ، خصوصا بعد ملاحظة التعليل المزبور ، ولكن المتن وفي الوصي تردد ، أظهره الصحة ولم أجده لغيره عدا ما يحكى عن التحرير ، وما تشعر به عبارة النافع ، وكأنه للتردد فيه في غير موضع ، باعتبار اتحاد الموجب والقابل فيه ، المغتفر في الأب والجد ، للنصوص ، إلا أنه قد بينا ضعف ذلك أيضا في غير موضوع ، والمراد هنا أن التردد لذلك ، لا لدعوى أن ولاية الوصي ضعيفة ، فلا تقتضي صيرورة قبضه قبضا عنهم ، التي هي واضحة الفساد ، إذا لا إشكال في عدم مدخلية ذلك ، كما لا إشكال في كفاية قبضه عنهم في الوقف من أجنبي والهبة وغيرهما مما لا خلاف فيه ، ولا اشكال فيه ، وإن ظن في الرياض دخول القبض من الأجنبي في التردد ، إلا أنه كما ترى.

وكيف كان ففي المسالك وفي معنى ما ذكر ، أى قبض الولي ما لو كان الموقف تحت يد الموقوف عليه قبل الوقف بوديعة وعارية ونحوهما ، لوجود المقتضي للصحة ، وهو القبض ، فإن استدامته كابتدائه ، إن لم يكن أقوى ، ولا دليل على اعتبار كونه واقعا مبتدأ بعدا الوقف فيه.

وإن كان فيه ما لا يخفى ، بناء على عموم شرطيته ، وعدم الاذن والقصد في الاستدامة ، بل قد عرفت البحث فيه معهما في كتاب الرهن ، وإن كان الأقوى الاكتفاء بهما حتى في القبض بالغضب والشراء الفاسد ، تنزيلا للاستدامة معهما منزلة العود ثم القبض في الإثم وغيره.

وأما احتمال الاكتفاء ـ بالقبض بلا اذن من الواقف ولا قصد من الموقوف عليه ، بل ومع‌

٦٧

قصد العدم ، لأن المدارك كونه تحت يده بعد الوقف مع فرض القول بالشرطية الشاملة للفرض ففي غاية الضعف ، بل لا ينبغي صدوره من ذي مسكة.

وعلى كل حال فلا يعتبر فيما ذكرنا بناء على المختار مضي زمان يمكن فيه إحداث القبض ، ضرورة عدم صيرورته قبضا حقيقة بذلك ، وإنما المدار تنزيل زمان الاستدامة المفروض حصولها بالاذن والقصد منزلة القبض حقيقة ، وهذا لا يحتاج إلى زمان بعد حصولها.

وفي المسالك « وحيث لا يعتبر تجديد القبض لا يعتبر مضى زمان يمكن فيه احداثه وإن اعتبر ، لأن الإذن فيه يستدعي حصوله ، ومن ضروراته مضى زمان ، بخلاف ما لا يعتبر فيه التجديد ».

وفيه أن ذلك لا يجدى في التجديد الحقيقي ، وأما الحكمي فغير محتاج إلى ذلك كما هو واضح.

ولو وقف على نفسه لم يصح بلا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل في محكي السرائر الإجماع ، وهو الحجة ، مضافا إلى عدم تعقله ، لما عرفت من اقتضاء الوقف نقل المنفعة خاصة ، أو مع العين للموقوف عليه ، ولا معنى لنقل ملكه إلى نفسه ، وإلى فحوى ما تسمعه من النصوص في المسئلة الآتية ، فما عن بعض العامة ـ من جوازه لأن استحقاق الشي‌ء وقفا غير استحقاقه ملكا ، وقد يقصد حبسه أو منع نفسه من التصرف المزيل للملك ـ واضح الفساد.

وكذا لم يصح الوقف من أصله لو وقف على نفسه ثم على غيره لكونه حينئذ منقطع الأول الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه ، وقيل والقائل الشيخ يبطل في حق نفسه ويصح في حق غيره ولا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده كما تقدم الكلام فيه وفي غيره من الصور مفصلا.

نعم لو عطف الغير عليه بالواو فالأقوى الصحة في النصف ، لعدم الانقطاع فيه لبقاء موقوف عليه ابتداء وهو الغير ، فإن الموقوف عليه ليس هو المجموع منه ومن الغير من حيث هو‌

٦٨

مجموع ، بل كل واحد منهما ، فيبطل النصف في حقه ، ويصح في النصف الآخر الذي لا مانع من الصحة فيه ، وربما احتمل كون المجموع للغير كما سمعته من الشيخ في المرتب فضلا عن المفروض ، إلا أنه واضح الفساد فيهما ، لمخالفته لقصد الواقف الذي جعل الشارع الوقف على حسب ما وقفه ، كوضوحه أيضا في دعوى البطلان فيهما معا ، لان ما وقع عليه العقد لا يجب به الوفاء إجماعا ، والعقد لا يكون مبعضا ضرورة عدم كون ذلك من التبعيض الممنوع ، بل هو من باب تبعض الصفقة الذي قد فرغنا من الكلام في صحته في محله ، ولو وقف على نفسه والفقراء فالظاهر الصحة أيضا في النصف ، وفي الدروس احتماله ، والصحة في الثلاثة الأرباع ، والبطلان رأسا وفي الأخيرين ـ المبني أولهما على إرادة أقل الجمع ، وهو الثلاثة من لفظ الفقراء ، ويكون هو حينئذ رابعا فيبطل وثانيهما على بطلان تبعض الصفقة ـ ما لا يخفى.

وكذا لو وقف على غيره وشرط قضاء ديونه أو إدرار مؤنته لم يصح بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل ظاهر المسالك إلى الأصحاب ، معللا له بأن الوقف يقتضي نقل الملك والمنافع عن نفسه ، فإذا شرط ذلك ونحوه فقد شرط ما ينافي مقتضاه ، فيبطل الشرط والوقف معا ، بل مقتضى إطلاق بعض ما هو صريح آخر من عدم الفرق في ذلك بين دين معين وعدمه وإدرار مؤنته مدة معينة وعدمه ، وبين تقدير ما يأخذه منه أو إطلاقه. وبين الانتفاع به مدة حياته أو مدة معلومة ، كل ذلك للقاعدة المزبورة.

وإلا فليس في النصوص إلا‌ مكاتبة علي بن سليمان (١) إلى أبي الحسن عليه‌السلام « جعلت فداك ليس لي ولد ولي ضياع ورثتها عن أبي وبعضها استفدتها ولا آمن الحديثان فإن لم يكن لي ولد وحدث بي حدث فيما ترى جعلت فداك ، لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين أو أبيعها وأتصدق بثمنها عليهم في حياتي ، فإني أتخوف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي ، فإن وقفتها في حياتي فلي أن تأكل منها أيام حياتي أم لا؟ فكتب عليه‌السلام فهمت كتابك في أمر ضياعك ، فليس أن تأكل منها من الصدقة فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة ، فبع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ١ ـ ٢ ـ ٣.

٦٩

وتصدق ببعض ثمنها في حياتك ، وان تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك ، مثل ما صنع أمير المؤمنين عليه‌السلام ».

وخبر طلحة بن زيد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام « أن رجلا تصدق بدار له وهو ساكن فيها فقال : الحين اخرج منها » وبعض النصوص الآتية في مسألة اشتراط العود إليه عند الحاجة.

مع أن في خبر أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام لا يشتري الرجل ما تصدق به ، وإن تصدق بمسكن على ذي قرابة فإن شاء سكن معهم وإن تصدق بخادم على ذي قرابة خدمه إن شاء الله.

بل عن النهاية إذا وقف انسان مسكنا جاز له أن يقعد فيه مع من وقف عليه ، وليس له أن يسكن غيره فيه ، ولعله نظر إلى الخبر المزبور الذي لا بد من حمله على اذن الموقوف عليه ، وإلا كان مخالفا للقواعد وغيرها ولا جابر له.

نعم ليس في تلك المكاتبة وغيرها إخراج النفس ، بل ولا جميع ما ذكروه ، فيكون منشؤه القاعدة المزبورة ، ولكن الظاهر عدم اقتضائها بطلان اشتراط ذلك على جهة الاستثناء له من التسبيل الذي قصده بالوقف لقاعدة‌ « المؤمنون » و « الوقوف » وغيرهما.

بل ربما كان المراد من‌ قوله عليه‌السلام في المكاتبة المزبورة « وإن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك » كما عساه يظهر من عنوان الحر في الوسائل ، أقصاها بطلان استحقاقه له من حيث كونه وقفا لاعتبار إخراج نفسه من عينه ومنفعته ، لا نحو ما ذكرناه الراجع إلى وقف عين وتسبيل منفعتها الخارجة عما استثناه ، فهو حينئذ كوقف العين المستأجرة مدة مثلا ، وربما يشهد له في المجلة ما تقدم له سابقا من دخول اللبن والصوف الموجودين في الشاة الموقوفة ما لم يستثنه ، بل حكينا عن الفاضل في التذكرة أن وقف البقرة للحرث مثلا خاصة يقتضي بقاء باقي المنافع من اللبن وغيره للواقف.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ١ ـ ٢ ـ ٢.

٧٠

لكن في جامع المقاصد التصريح في مسألة الشاة بعدم جواز استثناء شي‌ء من المنافع المتجددة بخلاف الصوف واللبن الموجودين ، فإنه يجوز استثناؤهما ويكون المسبل ما عداهما.

إلا أنه كما ترى جرد دعوى عارية عن الدليل بل مخالفة لما ذكره من الدليل ، بل ستسمع هنا من المسالك جواز الشرط للناظر ، فإذا كان الواقف ، هو أخذه ، وهو مبنى على ما ذكرناه ، بل في كشف الأستاذ « ولو شرط رد مظالم عنه أو صدقة أو عبادة أو أداء ديون لزمته في حياته ، ونحو ذلك قوي القول بالصحة » مع أنه قال قبل ذلك : « ولو شرط اجارة عن عبادة تجوز عن الاحياء وكان حيا كزيارة وحج ونحوهما قوى البطلان » وكأنه بناه على الفرق بين شرط الانتفاع به حال حياته ، وبعد موته الذي هو خروج عن الوقف ، وإن رجع إليه ثواب ذلك فلا تنافيه القاعدة المزبورة كما لا يتنافى شرط أكل أهله منه ، بل وأضيافه وممن يمر به والتابعة ، فيصح حينئذ كما حكي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر أحمد (١) عن أبي الحسن الثاني عليه‌السلام بل نحو ذلك عن فاطمة عليها‌السلام أيضا في صدقتها (٢).

بل في الدروس والرياض ولا يقدح كونهم واجبي النفقة ، وتسقط نفقتهم ان اكتفوا به ، وهو متجه في غير الزوجة والمملوك ، أما هما فيشكل برجوع ذلك إلى نفسه أيضا ، ولذا قال في الأول منهما بعد ما سمعت : « ولو شرط أكل الزوجة ففيه نظر من عود النفع إليه » ومن توهم بقاء نفقتها كما لو وقف عليها وإن كان فيه أنه لا نظر في جواز أكلها ، وانما الكلام في اشتراط نفقة الزوجية ، وهو الذي قلنا أنه من شرط النفع لنفسه ، وكذا مملوكه ولو كان حيوانا ».

وعلى كل حال فالمدار على عدم منافاة القاعدة المزبورة ، فيصح حينئذ جميع ما لا ينافيها ، بل في المسالك « وكذا لو شرط أن يأكل الناظر منه أو يطعم غيره ، فإن كان وليه الواقف كان له ذلك عملا بالشرط ، ولا يكون ذلك شرطا لنفع نفسه » وهو إن لم يكن مبنيا على ما ذكرناه مشكل ، ضرورة عدم خروجه بسبب النظارة عن ملكه صدقته وعدم إخراج نفسه عن وقفه ، وكذا قيل : لا ينافي ما ذكره المصنف وغيره بقوله.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ١.

٧١

أما لو وقف على الفقراء وكان منهم أو لم يكن ثم صار فقيرا ، أو على الفقهاء وكان منهم أو لم يكن ثم صار فقيها صح له المشاركة بالانتفاع بل والاختصاص به ، لأنه ليس وقفا على نفسه ولا على جماعة هو منهم ، لإن الوقف بهذا الوجه ليس وقفا على الأشخاص المتصفين بهذا الوصف ، بل على الجهة المخصوصة ، ولهذا لا يعتبر قبولهم ، ولا قبول بعضهم ولا قبضهم وإن أمكن.

بل في المسالك « ولا ينتقل الملك إليهم ، وإنما ينتقل إلى الله تعالى ، ولا يجب صرف النماء في جميعهم ، بل مثل هذا يسمى وقفا على الجهة ، لأن الواقف ينظر إلى جهة الفقر والمسكنة ويقصد نفع كل موصوف بهذا الوصف لا شخص بعينه ».

لكن في الكفاية الإشكال في المشاركة المزبورة قال : « واحتجاجهم بأن ذلك ليس وقفا على نفسه ولا على جماعة هو منهم صحيح غير نافع ، إنما ينفع لو كان النص المانع واردا بلفظ الوقف على نفسه ، أو ثبت إجماع على المشاركة في محل البحث ، وليس كذلك ، إذ الأخبار المذكورة ليس على هذا الوجه كما لا يخفى ، ولا إجماع على المشاركة هنا » وكأنه لحظ في نفي الإجماع خلاف ابن إدريس ، فإن المحكي عنه عدم جواز انتفاع الواقف بما وقفه على الحال ، بل والفاضل في المختلف والتذكرة.

قال في الأول : « الوجه عندي أي الوقف إن انتقل إلى الله تعالى كالمساجد فإن للواقف الانتفاع به كغيره من الصلاة فيه وغيرها ، وإن انتقل إلى الخلق لم يدخل سواء كان مندرجا فيهم وقت الوقف ، كأن وقف على المسلمين أو على الفقهاء وهو منهم ، أو لم يكن منهم وقت العقد ثم صار منهم » وكذا عن التذكرة وعن المهذب لابن البراج أنه جعل الوقف العام أقساما ، وقف المسجد والقنطرة ، ووقف الدور والمنازل التي ينزلها الحاج والخانات ، ووقف الدور والمنازل التي ليست كذلك. والوقف على المسلمين ، فحكم في الأول والأخير بجواز الانتفاع وفصل في الدروس والمنازل بين ما ينزلها الحاج والخانات وبين غيرها فجوز في الأول دون الثاني.

لكن في محكي المبسوط فأما إذا وقف وقفا عاما مثل أن يقفه على المسلمين جاز له الانتفاع بلا خلاف ، لأنه يعود إلى أصل الإباحة ، فيكون هو وغيره سواء ، ومثله في محكي الغنية.

٧٢

قلت : لا ينبغي التأمل ولو للسيرة القطعية في جواز الانتفاع في المسجد ، والخان ونحوهما اللذين صارا بسبب الوقف كالتحرير ، بل الظاهر خروجهما عن المالية فينتفع به حينئذ على الوجه الذي ذكره من غير فرق بين الواقف وغيره.

لكن دعوى ـ أن كل وقف عام حتى ما كان موضوعه العلماء والمجتهدون وغير ذلك وكان له ثمرات تدخل تحت الملك كثمرة البستان ونحوها كذلك ـ محل بحث أو منع ، ضرورة كون الملك فيه بقصد الواقف وغيره للجنس ، ولو بواسطة افراده التي لو ـ فرض كون الواقف منها ، لم يكن قد أخرج نفسه عن صدقته وتحقق فيه المانع المزبور ، من غير فرق بين ذي الوصف السابق والمتجدد ، على أن وقفه على الفقراء نحو ملك الزكاة للفقراء الذين لا يندرج فيهم من عليه الزكاة ، ومالكية الكلي على نحو مملوكيته ، فكما أن خصوص الفرد في الثاني يكون منطبقا على الكلي المملوك وتحصل به براءة الذمة ممن عليه فكذلك مالكية الكلي أيضا إذا تشخص بفرد انطبق عليه ، فإذا فرض أنه الواقف ، صار هو المالك لصدقته المعتبر فيها خروجه عنه ، فلا بد حينئذ في صحة الوقف من خروج تشخص الكلي به عنه ، كما أومى إليه الفاضل فيما حكي عنه.

نعم لا بأس به فيما ذكرناه مما هو خارج عن المالية ، والانتفاع به ليس على طريق الملك ، كالصلاة في المسجد والعبور على القنطرة والجلوس في الخان ، ونحو ذلك مما هو جائز باعتبار الإباحة الشرعية ، ولو بسبب الوقف أو للسيرة القطعية أو لغير ذلك هذا.

وفي جامع المقاصد عن بعض فتاوى الشهيد أنه ما لم يقصد منع نفسه أو إدخالها واستحسنه كثاني الشهيدين في المسالك قال : « فإنه إذا قصد إدخال نفسه فقد وقف على نفسه ولم يقصد الجهة ، وإذا قصد منع نفسه خصص العام بالنية وهو جائز ، فيجب اتباع شرطه للخبر السابق ، وإنما الكلام مع الإطلاق ».

وفيه أن قصد إدخال نفسه بقصد الجهة التي يندرج فيها عين مفروض المسألة فمع فرض بطلانه يتجه ما قلناه فتأمل جيدا.

ولو شرط عوده إليه عند حاجته صح الشرط ، وبطل الوقف وصار حبسا ويعود إليه‌

٧٣

مع الحاجة التي يرجع في مصداقها إلى العرف على حسب غيرها من الألفاظ ويورث مع عوده بها أو مطلقا كما ستعرف ، والأصل في ذلك‌ خبر إسماعيل بن الفضل (١) « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير ، وقال : إن احتجت إلى شي‌ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له؟ وقد جعله لله يكون له في حياته ، فإذا أهلك الرجل يرجع ميراثا إلى أهله أو يمضي صدقة؟ قال : يرجع ميراثا إلى أهله ».

والموثق (٢) « من أوقف أرضا ثم قال : إن احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع إلى الميراث ».

ولكن اختلف فيه الأصحاب ، فبين قائل ببطلان ذلك من أصله كما عن أبي علي وابني حمزة وإدريس والآبي ، بل حكاه في المختلف عن الشيخ في المبسوط أيضا وإن كنا لم نتحققه نعم هو ظاهر النافع والحر والكفاية ، لمنافاة الشرط المزبور دوام الوقف ، بل هو من التعليق ، ولظهور قوله يرجع ميراثا ، في إرادة البطلان ، ولأنه صدقة ولا يجوز رجوع إلى صدقة ، ولوجوب إخراج نفسه من الوقف.

وبين قائل بصحته وقفا لإن احتاج كان منقطعا ، وإلا كان مؤبدا كما هو صريح كلام السيد في الانتصار ، مدعيا عليه الإجماع ، والفاضل في المختلف والقطيفي في المحكي عن إيضاحه وظاهر المقنعة والمراسم ، بل في المسالك نسبة صحة الشرط إلى السيد والمعظم تارة وأخرى قال : « إن العمل بخبر إسماعيل بن الفضل اتفاق من الأصحاب أو من أكثرهم ».

وعلى كل حال فلا ريب في أنه الأقوى ، لعموم « الوقوف » و « المؤمنون » وعدم جواز الرجوع بالصدقة التي لم يكن التصدق بها على الوجه المزبور ، وليس هذا من إدخال الواقف نفسه في الوقف قطعا بل هو تقييد للوقف بما يقتضي انتهاءه ، ودوام الوقف غير شرط كما عرفته سابقا من صحة الوقف المنقطع ، ولا تعليق فيه على وجه ينافي عقد الوقف ، بل هو تقييد للوقف على نحو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ـ ٣ ـ ١.

(٢) التهذيب ج ٩ ص ١٥٠ الحديث ـ ٤٠.

٧٤

تقييده بوجود الموقوف عليه أو بغيره من الأوصاف التي لا إشكال في جوازها ، ضرورة رجوعه إلى جعله وقفا ما دام غنيا عنه ، لأنه بناء على مشروعية المنقطع منه ، لا فرق في الأوصاف التي يكون ارتفاعها غاية ، بين أن تكون في الموقوف عليه أو في غيرهم بعد اشتراكهما في اقتضاء ارتفاعهما بقاء الوقف حينئذ بلا موقوف عليه ، وصيرورته من غير الموقف الذي قد عرفت بطلانه نصا وفتوى ، وليس هو من اشتراط الخيار في الوقف الذي لم اعرف خلافا في عدم جوازه ، عدا عبارة في محكي التحرير لم يعلم أنها له أو للشيخ.

وعلى كل حال لا ريب في شذوذها لمنافاته اللزوم في الوقف على وجه لم يشرع فسخه اختيارا بوجه ، وما نحن فيه إنما هو من انتهاء الوقف بانتهاء الوصف المعلق عليه ، وفرق واضح بين المقامين ، والخبران ـ بعد احتمال إرادة البطلان فيهما باعتبار اشتراط كونه أحق به ، وهو وقف ، لما سمعت من اعتبار إخراج نفسه من الوقف في جميع الأحوال ، وحينئذ يكونان خارجين عما نحن فيه ـ يمكن إرادة الرجوع ميراثا في الأول منهما بعد فرض حصول الحاجة منه ، وعاد الوقف اليه بحسب شرطه فإذا هلك بعد أن كان كذلك رجع المال إلى ورثته ، ضرورة بطلان الوقف بحصول الحاجة ، والوجه في ذلك أن السائل سأل عن صحة الشرط وعدمه ، وأنه على تقدير صحته يكون أحق به ما دام حيا ، فإذا هلك يبقى على الصدقة لعدم حاجته إليه ، أو يرجع ميراثا؟ فأجاب الإمام عن ذلك كله بالرجوع ميراثا ، بمعنى أن الشرط صحيح ، وإذا حصلت الحاجة إليه رجع المال إليه ، وبعد رجوعه لا يعود إلى الوقف ، بل هو ميراث.

ومنه يعلم وجه المراد في الموثق لظهور اتحاد المراد فيهما ، بل ربما يشهد لذلك في الجملة ما‌ في صدقة أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) حيث قال : « وأنه يقوم على ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفقه حيث يريد الله تعالى في حل محلل لا حرج عليه. فإن أراد بيع نصيب من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء ولا حرج عليه فيه ، وإن شاء جعله شراء الملك » بناء على إرادة الرخصة له إن شاء بيع نصيب من المال الموقوف على جهة إبطال وقفه لا خصوص الثمرة منه ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام العشرة الحديث ـ ٢.

٧٥

وأما القول بصحة الشرط المزبور ورجوع الوقف حبسا حتى جعلوه قولا ثالثا في المسألة ، ونسبوه إلى الشيخ والقاضي والمصنف هنا ، والفاضل في القواعد والتذكرة والإرشاد والشهيد في الدروس والتنقيح وجامع المقاصد والروض والروضة ، فإن أرادوا به ذلك مع فرض تحقق الحاجة ، فهو المختار ، وإن أرادوا به ذلك مع عدم الحاجة أيضا بدعوى أن الميت بموته قد احتاج فهو كالخرافة ، ضرورة عدم كون ذلك المراد من إطلاق الشرط مع إمكان فرض التصريح بإرادتها حال الحياة ، وكذا دعوى ـ كون موت الحابس غاية لحبسه بعد أن لم يذكر له أمدا ضرورة أنه قد ذكر له أمدا ولم يحصل فمقتضى ذلك بقاؤه محبوسا إلى آخره ، على أن مفروض المسألة في الوقف وهو ما علم قصد الوقف به ، لا أن مفروض المسألة ، من قال وقفت ، فيحمل قصده على إرادة الحبس بقرينة الشرط المزبور إذ هو كما ترى خروج عما نحن فيه ورجوع إلى مسألة لفظية قد عرفت البحث في نظيرها ، وأن المتجه فيها الحمل على البطلان لعدم صلاحية أصالة الصحة لصرف ظاهر اللفظ كما تقدم تحقيق الحال فيه سابقا.

على أن دعوى بطلان الشرط المزبور ـ بعد فرض القول بصحة الوقف المنقطع ـ واضحة الفساد ، وكونه باطلا في نفسه للتعليق ، يدفعه معلومية جواز نظائره في الوقف ، وأنه ليس تعليقا ممنوعا ، ولو سلم فهو باطل في الحبس أيضا ضرورة اشتراكهما بالنسبة إلى ذلك.

وكذا دعوى أن الحكم بكون الفرض حبسا مع القول بصحة الوقف المنقطع وصحة هذا الشرط ، وكون القصد الوقف إنما هو للخبرين المزبورين ، إذ قد عرفت أنهما ـ بعد احتمالهما ما سمعت ـ لا يصلحان لإثبات مثل هذا الحكم المخالف للضوابط من وجوه ، وليس بأولى من القول بصحته وقفا على هذا الوجه ، بمعنى أنه له حكم الحبس نحو ما سمعته منا في حمل كلامهم في الوقف على من ينقرض ، بل هو صريح الفاضل في المختلف ، وإن كان هو هنا فيه ما لا يخفى فلا محيص حينئذ عن القول بالصحة حسب ما قلناه.

ومما ذكرناه يظهر لك الوجه في المسألة وأقوالها وأدلتها ، بل وما في الفوائد التي ذكرها في المسالك ، بل وما في غيرها من كتب الأصحاب أيضا ، هذا ويمكن حمل عبارة المصنف‌

٧٦

والفاضل وما شابهها على إرادة بطلانه وقفا على كل حال وإن حبسه وصيرورته إرثا بعد عوده إليه للحاجة ، لا كما ذكره في المسالك ، أو يراد حكم الحبس فيها ، أو غير ذلك.

ومن الغريب بعد ذلك كله دعوى ابن إدريس الإجماع على البطلان. ومن هنا حكم بخطئه في المختلف قال : « فإنه قد ذكرنا ما صرنا إليه وهو قول أكثر علمائنا ، حتى أن السيد المرتضى ادعى الإجماع عليه ، واحتج عليه بأن كون الشي‌ء وقفا تابع لاختيار الواقف ، وما يشترط فيه ، فإذا شرط ما ذكرناه كان كسائر ما يشترطه واعترض على نفسه بأن هذا شرط يناقض كونه وقفا وحبسا بخلاف غيره من الشروط ، وأجاب بأنه غير مناقض لأنه متى لم يختر الرجوع فهو ماض على سبيله ، وإن مات قبل العود نفذ نفوذا ثابتا ، وهذا حكم ما أفاده في عقد الوقف ، فكيف يكون نقضا لحكمه ، ولا يقاس عليه العتق لبطلانه وللفرق بعدم صحة دخول الشرط مطلقا في العتق ، بخلاف الوقف الذي لا فرق بين هذا الشرط وغيره في الجواز ، ثم اعترض وقال : فإن قيل : قد خالف ابن الجنيد فيما ذكرتموه ، ثم أجاب بأنه لا اعتبار به ، وقد تقدمه إجماع الطائفة ، وتأخر أيضا عنه ، وإنما عول على ظنون له وحسابات وأخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها.

ولو شرط إخراج من يريد بطل الوقف بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط اعترافه به ، بل قيل ظاهره نفيه بين المسلمين ، بل في المسالك وعن صريح وظاهر غيره الإجماع عليه ، ولعله العمدة ، وإلا ففي الكفاية فيه إشكال ، نظرا إلى الدليل ، أي عموم « الوقوف » ونحوها مما اقتضى جواز نظائره ، كالعود عند الحاجة وغيره ، مما يمكن فرض ما نحن فيه نحوها وحينئذ فدعوى أنه شرط مناف لمقتضى اللزوم في عقد الوقف ، يدفعها عدم المنافاة ، مع فرض وقوعه على نحو غيره من الشرائط التي ينقطع الوقف بها ولا تكون منافية للزومه.

وربما كان مراد الأصحاب باشتراط إخراج من يريد ، فسخ الوقف حينئذ ، لا خروجه بانتفاء الوصف المعلق عليه الوقف ، وحينئذ يتجه البطلان فيه ، ضرورة رجوعه إلى نحو اشتراط الخيار الذي قد عرفت فساده أو إلى اشتراط كون سلطنة السبب الذي هو المشهور إليه ، ونحو ذلك مما تسمعه في اشتراط الإدخال والنقل ، اللهم إلا ان يدعى صلاحية الإرادة وصفا‌

٧٧

للموقوف عليه ، ولكنه كما ترى.

بل قد يشكل ذلك بما ذكره المصنف وغيره من أنه لو شرط إدخال من يريد مع الموقوف عليهم جاز سواء وقف على أولاده أو على غيرهم معللين له بأن هذا الشرط لا ينافي مقتضى الوقف ، فإن بنائه على جواز إدخال من سيوجد أو سيولد مع الموجود ، واشتراط إدخال من يريد إدخاله في معناه ، بل أضعف منه لأنه قد يريد ، فيكون في معنى اشتراط دخوله ، وقد لا يريد فيبقى الوقف على أصله ، فإذا جاز الأول ، اتفاقا جاز الآخر كذلك ، أو بطريق أولى.

وما يقال : ـ من أن ذلك يقتضي نقصان حصة الموقوف عليه فيكون إبطالا للوقف في ذلك البعض.

يدفعه أولا : أنه وارد في إدخال كل معدوم تابعا للموجود.

وثانيا : أن العقد لما تضمن الشرط لم يكن للموقوف عليه حق إلا ما كان مطابقا له فلا يعتبر.

وثالثا : أن الوقف حق لازم في حق الموقوف عليه في الجملة ، وإنما المختلف الحصة ، وذلك غير قادح ، كما لو وقف على بطون فزادت تارة ، ونقصت أخرى ، ضرورة أن ذلك كله مبني على صلاحية الإرادة وصفا لدخول الموقوف عليه كالوجود والعلم ونحوهما ، فإذا جاز ذلك جاز جعلها وصفا للخروج منهم ، وكباقي الأوصاف التي يقتضي زوالها ذلك.

أما لو فرض إرادة اشتراط سلطنة الإخراج والإدخال إليه ، على وجه يكون أصل الوقف بيده دخولا وخروجا ، فالمتجه البطلان فيهما ، لرجوعه إلى اشتراط كون أصل السببية بيده ، والفرض أن ذلك أمر شرعي لا يرجع إليه.

ولعله لذا أبطله بهما في ظاهر الدروس كما حكاه عنه في جامع المقاصد وغيره قال فيها : « وليس له إدخال غيرهم معهم ، وإن كانوا أطفاله على الأصح ، ولا إخراج من يريده ولو‌

٧٨

شرطه في العقد بطل وفي محكي المبسوط ولو شرط أن يخرج من شاء منهم ، ويدخل في ذلك من شاء ، وأن يفضل بعضهم على بعض إن شاء ، أو يسوى بينهم إن شاء كان ذلك كله باطلا ، لأنه شرط التصرف فيما هو ملك لغيره ، بلا خلاف ، وقد روى أصحابنا : أنه يجوز أن يدخل فيهم غيرهم ، وأما الإخراج والنقل فلا خلاف عندنا أيضا في عدم جوازه ».

ومن ذلك يظهر ذلك ما في جامع المقاصد فإنه بعد أن حكى عن ظاهر الدروس ما عرفت قال : وهو بعيد ، لعدم المنافاة ، وعموم قوله‌ (١) « الوقوف » فالأصح الصحة إذ قد عرفت أن المتجه الصحة مع جعل الإرادة وصفا للدخول والخروج ، فيدخل ويخرج من اتصف بها من غير إدخال وإخراج منه ، كما أن المتجه عدمها مع اشتراط الإدخال والإخراج ، بمعنى جعل السلطنة إليه في الإدخال والإخراج.

بل وكذا يظهر لك النظر فيما في المتن ، وغيره من الفرق بينهما في الحكم ، اللهم إلا أن ينزل على ما ذكرناه ، ولكنه بعيد ، ضرورة ظهورها في الفرق بين الإدخال والإخراج ، فلا يصح شرط الأول بخلاف الثاني.

وقد عرفت تحقيق الحال الذي عليه أو على ما لا ينافيه ينزل‌ خبر أبي طاهر البلالي المروي عن إكمال الدين (٢) قال : كتب جعفر بن حمدان « استحللت بجارية إلى أن قال : ولي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إلى هذه المرأة سبلتها على وصاياي وعلى سائر ولدي على أن الأمر في الزيادة ، والنقصان فيه إلى أيام حياتي وقد أتت بهذا الولد فلم ألحقه بالوقف المتقدم المؤبد ، وأوصيت إن حدث بي حدث الموت أن يجري عليه ما دام صغيرا ، فإن كبر أعطى من هذه الضيعة جملة مأتي دينار غير مؤبد ، ولا يكون له ولا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شي‌ء ، فرأيك أعزك الله تعالى ، فورد جوابها يعني من صاحب الزمان ، أما الرجل الذي استحل بالجارية « إلى أن قال : » وأما إعطاؤه ، المأتي دينار وإخراجه من الوقف ، فالمال ماله ، فعل فيه ما أراد. » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ـ ١ ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ـ ٢.

٧٩

وكيف كان فهذا كله في الشرط على النحو المزبور وأما لو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيوجد لم يجز وبطل الوقف في المشهور بل قد سمعت نفي الخلاف عنه في محكي المبسوط : بل قيل : إن ظاهره إرادة نفيه بين المسلمين ، لكن في القواعد على إشكال ، بل في الدروس الأقرب جوازه ، وفي محكي التذكرة لو قال : هذا وقف على أولادي سنة ثم على المساكين صح إجماعا.

وفيه أيضا لو قال هذا وقف على أولادي مدة حياتي ثم بعد مماتي للمساكين صح إجماعا ، لكن في المقام أفتى بالبطلان كالمشهور.

ولعله من التأمل فيما ذكرناه يعلم تحقيق الحال هنا ، فيحكم بالبطلان على إرادة النقل منه ، لرجوعه إلى اشتراط ما هو المشهور والصحة على إرادة الانتقال على حسب باقي العنوانات في الوقف ، بمعنى أنه على هؤلاء مثلا ما دام خاليا عن الولد ، وإلا كان الوقف عليه ، ثم منه على المساكين مثلا ، فإن خروج من خرج حينئذ لفوات عنوان الموقوف عليهم ، كالفقر والعلم ونحوهما ، فيشمله‌ (١) « الوقوف على حسب » إلى آخره وغيره.

ولعله إلى ذلك أومئ في جامع المقاصد فإنه بعد أن حكم بالبطلان قال ، ويمكن الفرق بين ما هنا وبين إناطة الوقف بصفة في الموقوف عليه ، مثل فقراء أولاده ، وفقهائهم ، بأن الوقف في الثاني لم يكن على الأولاد ، بل على الفقراء منهم ، فإذا زال الفقر ينتفي الموقوف عليهم ، فإن ذلك جاريا مجرى موتهم وعدهم ، بخلاف ما إذا ثبت الوقف لهم وشرط نقله عنهم ، فان ذلك ابطال للوقف باختياره ».

وقال أيضا في شرح قول الفاضل متصلا بمسألتنا السابقة « وكذا الإشكال لو قال على أصاغر أولادي سنة ثم على الفقراء » ، منشأ الإشكال هنا قريب من الذي قبله ، إلى أن قال : واعلم أن بين هذه المسألة والتي قبلها فرقا ، من حيث أنه في تلك شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيوجد ، وفي هذه وقفه على أولاده سنة ثم بعد مضيها هو وقف على المساكين ، فينتقل إليهم هو ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١ ـ ٢.

٨٠